فككت أوكرانيا نصباً أثرياً ضخماً يعود إلى الحقبة السوفيتية في وسط العاصمة كييف، تنديداً بالغزو الروسي للبلاد.
وكان النصب البرونزي الذي فُكِّك يوم الثلاثاء 26 أبريل/نيسان مشيَّداً أسفل تمثال عملاق من التيتانيوم يُدعى "قوس الصداقة بين الشعوب"، والذي كان يهدف إلى الصداقة العميقة بين الجارتين المتحاربتين اليوم.
ولكن ما أهمية قوس الصداقة الروسي الأوكراني، وما أبعاده التاريخية التي قررت كييف اليوم أن تنهيها اعتراضاً على الهجوم الروسي عليها؟
تاريخ تمثال "قوس الصداقة بين الشعوب"
دُشِّن أول مرة في عام 1982؛ وذلك للاحتفال بالذكرى الستين لتأسيس الاتحاد السوفيتي، وهو يجسد، في تمثال معدني من البرونز بطول 8 أمتار، عاملاً أوكرانياً وآخر روسياً يرفعان معاً "عَلَم الصداقة السوفييتي" على قاعدة حجرية.
وبحسب صحيفة The Guardian، التمثال كان هدية رمزية من الاتحاد السوفيتي للاحتفال بإعادة توحيد أوكرانيا مع روسيا ضمن الاتحاد.
وغُيِّر القوس المعدني فوق التمثال في عام 2014 عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية. وقد صمم النشطاء شرخاً في جسم القوس آنذاك، ليرمز إلى "الشرخ" الذي حدث في العلاقات بين البلدين نتيجة العدوان الروسي.
كييف لم تكن أول من يتخلَّص من الذكريات السوفييتية
أوكرانيا ليست الدولة الوحيدة التي بادرت بتفكيك نُصُب تذكاري له علاقة بروسيا منذ غزوها للبلاد في 24 فبراير/شباط الماضي.
ففي مارس/آذار الماضي، هدم محتجون في بولندا نصباً تذكارياً للجيش الأحمر في مدينة كوزالين الشمالية الغربية، والذي يعود بدوره لحقبة الاتحاد السوفييتي، ويمثل تأكيداً على أخوة الشعبين الروسي والبولندي.
وفي اليوم نفسه الذي قام فيه العمال في كييف بتفكيك نصب تذكاري من الحقبة السوفيتية للصداقة بين أوكرانيا وروسيا، فُكِّك نصب حجري تذكاري للجيش الأحمر السوفييتي في مدينة مادلينا بدولة لاتفيا.
النصب الذي يُدعى "حجر مادلينا" كانت قد نُقشت عليه عبارة "في 26 سبتمبر 1944، حرر الجيش السوفيتي مادلينا من الغزاة الألمان الفاشيين".
وقد أعلن مجلس بلدية الغول، التي تضم أبرشية مادلينا، بحلول أواخر أبريل/نيسان الجاري، أنه سيزيل 5 أحجار تذكارية لمقاتلي الجيش الأحمر في المنطقة. وكان "حجر مادلينا" هو أولها، بحسب إذاعة Radio Liberty.
هل أصبحت "معركة التماثيل"؟
لكن بالعودة إلى أوكرانيا، ومنذ إسقاط الرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش قبل ثلاث سنوات، عملت الدولة بصورة رسمية على إزالة كل التذكارات المادية في الدولة التي ترتبط بالاتحاد السوفيتي.
وانتهت الجهود المبذولة لإزالة جميع تماثيل الثوري الشيوعي فلاديمير لينين في عام 2017.
من ناحية أخرى، تداولت وكالات الأنباء العالمية تقارير عن إعادة الروس تثبيت التماثيل في البلدات والمدن الخاضعة لسيطرتهم.
ففي بلدة هينيشيسك الساحلية بأوكرانيا، أعيد تمثال لينين إلى قاعدته خارج مبنى المجلس الرئاسي بمناسبة عيد ميلاده الـ152 يوم الجمعة 22 أبريل/نيسان الجاري، بحسب صحيفة Telegraph.
"الصداقة بين الشعبين لم تعُد موجودة"
وفي تفاصيل الخطوة الأوكرانية الأخيرة للتنديد بالهجوم الروسي عليها، تمت إزالة رأس العامل الروسي أولاً وسقط على الأرض، وسط هتافات الحشد المتجمهر في المكان.
وبعد ذلك، رُفع التمثال بأكمله بواسطة رافعة وأُنزل على الأرض، حيث هتف المتجمهرون بشعارات مثل "المجد لأوكرانيا"، وفقًا لوكالة Reuters للأنباء.
تعليقاً على التفكيك قال رئيس بلدية كييف، فيتالي كليتشكو: "هذا النصب يرمز إلى الصداقة بين الدولتين الأوكرانية والروسية، لكننا اليوم نرى حقيقة هذه "الصداقة" بين الدولتين".
وأضاف: "هي تدمير للمدن الأوكرانية، وتدمير لحياة الأوكرانيين، وقتل عشرات الآلاف من الأشخاص المسالمين"، مستنكراً: "أنا مقتنع بأن مثل هذا النصب التذكاري له معنى مختلف تماماً الآن".
ومع ذلك، قال العمدة: إن القوس سيبقى في مكانه، مضيفاً أنه سيغيَّر اسمه إلى "قوس الحرية للشعب الأوكراني"، وفقاً لصحيفة The independent البريطانية.
بدوره قال سيرجي ميرهورودسكي، أحد مصممي التمثال في تعليقه على تفكيكه: "بعد أن غزت روسيا أوكرانيا، هل يمكن أن نظل أصدقاء مع روسيا؟"، مضيفاً: "هذا هو أسوأ عدو لنا، وهذا هو السبب في أن النصب التذكاري للصداقة الروسية الأوكرانية لم يعد له معنى اليوم".
ويأتي تفكيك نُصب "قوس الصداقة بين الشعوب" من بين أولى خطوات خطة لهدم حوالي 60 نصباً تذكارياً، وإعادة تسمية عشرات الشوارع المرتبطة بشخصيات لها علاقة بالاتحاد السوفياتي وروسيا والروس بشكل عام في أوكرانيا، بما في ذلك تمثال للأدباء والكُتّاب العالميين الروس: تولستوي ودوستويفسكي وبوشكين؛ نتيجة الحرب بين البلدين.