يربط الكثير من الناس دخول العقد الثالث من العمر بالعديد من التغيرات التي تطرأ على شكل الإنسان وصحته الجسمية مثل ظهور التجاعيد والشيب ولكن في الوقت نفسه تعتقد الأغلبية أن شخصياتنا تتوقف عن التغير عند الوصول إلى هذه السن.
إذ إن الاعتقاد الشائع ينظر للشخصية على أنها تتطور في العشرينات ثم تكتمل وتصل ذروة نضجها في سن الثلاثين، وأنه من الصعب أن تتغير سماتها أو سلوكياتها بعد هذا العمر.
إلا أن العلم يخبرنا أن تغير الشخصية دائم حتى في الثلاثينات من العمر وبعدها وأن هناك صفات معينة تزداد أو تنخفض بمرور الوقت، وهذا ما سنناقشه في هذا التقرير.
تغير الشخصية في الفترات الزمنية القصيرة قد لا يكون محسوساً
الشخصية هي نمط الأفكار والمشاعر والسلوكيات التي ينفرد بها الشخص. ويعرفها عالم النفس الأمريكي برنت روبرتس على أنها "ظاهرة تطورية" وليست مجرد شيء ثابت لا يمكنك تغييره.
هذا لا يعني أنك قد تستيقظ شخصاً مختلفاً كل يوم. فالتغيير على المدى القصير، يمكن أن يكون غير محسوس تقريباً. إذ تشير الدراسات الطولية، التي يقوم فيها الباحثون بمسح شخصيات المشاركين بانتظام على مدار سنوات عديدة، إلى أن شخصيتنا مستقرة بالفعل على نطاقات زمنية أقصر تمتد لعقد تقريباً.
وفي إحدى الدراسات، التي نُشرت في عام 2000 في مجلة Psychological Bulletin، حلل الباحثون نتائج 152 دراسة طولية حول الشخصية، والتي تتبعت المشاركين الذين تتراوح أعمارهم من الطفولة إلى أوائل السبعينيات.
قاس كل من هذه الدراسات السمات الشخصية التي تعرف باسم "الخمس الكبار" والتي تشمل الانفتاح على التجارب والانبساط بمعنى حب التفاعل مع الآخرين أو عدمه، والضمير الواعي والتوافق والاستقرار العاطفي. وقد وجد الباحثون أن مستويات الأفراد لكل سمة شخصية تميل إلى البقاء ثابتة خلال كل عقد من العمر ولكنها تتغير صعوداً أو هبوطاً بعد ذلك، مما يسهم بتغير أوضح على المدى الطويل.
كيف تتغير شخصياتنا بعد منتصف العمر إذاً؟
تشير دراسة أجرتها الجمعية الأمريكية لعلم النفس عام 2018 ونشرت في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي، إلى أنه مع تقدمنا في العمر، تزداد لدينا مستويات الهدوء والثقة بالنفس والقيادة والحساسية الاجتماعية.
في الدراسة، أجاب طلاب المدارس الثانوية الذين كان يقارب عددهم 400 طالب على سلسلة من الأسئلة المتنوعة حول السمات الشخصية مثل كيفية تفاعلهم مع المواقف العاطفية إلى مدى كفاءة إنجازهم في أعمالهم مرتين، الأولى في عام 1960 ثم جاوبوا الأسئلة مرة أخرى بعد 50 عاماً.
وقال برنت روبرتس، أستاذ علم النفس ومدير مركز العلوم الاجتماعية والسلوكية وأحد مشرفي الدراسة، لموقع Psych Central، إن هذه التغييرات التي وجدوها كانت إيجابية للغاية.
وإن المشاركين فيها سجلوا درجات أعلى بكثير مما كانوا عليه عندما كانوا مراهقين فيما يتعلق بقياس الهدوء والثقة بالنفس والقيادة والحساسية الاجتماعية والضمير الواعي والاستقرار العاطفي والذي انعكس بشكل إيجابي على حياة الأشخاص وعملهم وعلاقاتهم وصحتهم.
كما وجد الباحثون أن الأشخاص حافظوا في الأغلب على سمات شخصياتهم بمرور الوقت. على سبيل المثال، إذا كان الشخص منفتحاً في مرحلة المراهقة، فمن المحتمل أيضاً أن يظل منفتحاً في منتصف العمر وبعده.
بعض سمات الشخصية قد تتطور وبعضها قد ينخفض
وفقاً لموقع Psychology Today، يميل الناس إلى أن يصبحوا أكثر لطفاً وتعاوناً وتنظيماً مع تقدمهم في العمر.
وفيما يتعلق بسمات الشخصية الخمس الكبار، فإن ازدياد التوافق والاستقرار العاطفي والضمير الواعي بين البالغين هو أكثر شيوعاً من انخفاضهم.
كما أن متوسط ضبط النفس لدى الشاب البالغ من العمر 30 عاماً يكون أعلى من الشخص البالغ من العمر 20 عاماً. لكن في الوقت نفسه، يميل الأشخاص الذين يتحكمون في أنفسهم نسبياً في سن 18 إلى الحفاظ على هذه السمة في سن الثلاثين، كما يشير موقع Live Science.
كما تميل مستويات سمات شخصية مثل النرجسية والاعتلال النفسي أيضاً إلى الانخفاض، وينخفض معها خطر السلوكيات المعادية للمجتمع مثل الجريمة وتعاطي المخدرات.
أما بالنسبة للسمتين المتبقيتين، الانفتاح على التجارب وحب التفاعل مع الناس، فإنها غير مستقرة وقد تزداد أو تنقص. وغالباً ما تُبلغ الدراسات عن نتائج مختلفة، اعتماداً على منهجيتها.
ولكن في حين أن كلاً من السمات الثلاث – التوافق والضمير الواعي والاستقرار العاطفي- من المرجح أن تزداد بدلاً من أن تنقص مع تقدم العمر، فمن غير الشائع أن تزداد جميعها سوية عند الجميع. واحتمالية ازدياد واحدة منها تكون أكبر من احتمالية ازدياد سمتين أو ثلاث.
لذلك، لا توجد طريقة معيارية واحدة يتغير بها جميع الناس. وهذا بدوره يعني أنه ليس من السهل التنبؤ بالضبط كيف ستتغير سمات شخصية أي شخص على وجه الخصوص مع تقدمه في السن.
لكن لماذا تحصل هذه التغييرات الشخصية؟
نظراً لأن نضج الشخصية بمرور الوقت هو أمر يحصل للجميع بمستويات مختلفة، يعتقد بعض العلماء أن الطرق التي تتشكل بها شخصياتنا قد تكون مرتبطة بعوامل وراثية واجتماعية ثم تتغير وتتطور بفعل الضغوط الاجتماعية على مدار حياتنا.
على سبيل المثال، وجد بحث أجرته جامعة كاليفورنيا عام 2013، أنه في الثقافات التي يُتوقع من السكان فيها أن يكبروا بسرعة ويتزوجوا ويبدأوا في العمل وتحمل المسؤولية في سن مبكرة، تميل شخصياتهم إلى النضج في سن أصغر لمواجهة تحديات الحياة.
والعكس صحيح، ففي المجتمعات التي لا تحمل للشباب حجماً من المسؤولية في عمر مبكر، قد تتأخر مراحل النضج وقد يكون تطور سمات الشخصية أبطأ.