مَن منَّا لم ينظر إلى سماء الليل الصافية وتساءل: كم عدد النجوم المشعة الموجودة في الكون؟
فلنبدأ أولاً بالمدى المنظور، وفقاً للعلماء تستطيع العين البشرية المجردة أن ترى حوالي 6 آلاف نجم -وهو عدد ضئيل للغاية- وإذا ما انتقلنا إلى مجرة درب التبانة التي تمتد على أكثر من 100 ألف سنة ضوئية في قطرها، نجد أنها تحتوي وحدها على ما يقرب من 400 مليار نجم.
لكن كيف علمنا كل ذلك؟
كم عدد النجوم في الكون، وكيف نحسب هذا العدد؟
هناك عدد هائل جداً من المجرات في الكون، وفي مجموعتنا المحلية (التي تضم مجرة درب التبانة والمجرات القريبة منها) يوجد 60 مجرة، وبعض هذه المجرات مثل مجرة أندروميدا تحتوي على عدد أكبر من النجوم من مجرتنا درب التبانة.
بالنظر عبر الزمن الكوني استنتج العلماء وجود ما مجموعه حوالي 2 تريليون من المجرات في الكون. ببساطة شديدة، قد تفكر في ضرب عدد النجوم في مجرتنا في عدد المجرات في الكون لتقدير العدد الإجمالي للنجوم.
لكنك إذا قمت بذلك فلن تحصل على إجابة خاطئة فحسب، بل سينتهي بك الأمر إلى المبالغة في تقدير عدد النجوم بعامل يصل إلى عدة مئات.
أول شيء يجب أن نفهمه هو سبب عدم كفاية الطريقة الأكثر سذاجة لمحاولة حساب النجوم في الكون. من المحتمل أن تقول غريزتك الأوَّلية:
– نحن نعيش في درب التبانة، هنا الآن، ودرب التبانة عبارة عن مجرة تحتوي على نجوم.
– لذا يمكننا حساب (أو تقدير) عدد النجوم في درب التبانة، وكذلك عدد المجرات في الكون المرئي.
– ثم نضرب هذين الرقمين في بعضهما.
– ثم نحصل على عدد النجوم الموجودة في الكون المرئي.
لكن هذه الطريقة تضع عدداً من الافتراضات غير الصحيحة بالضرورة.
إنها تفترض أن درب التبانة ميعارٌ جيِّد لما تبدو عليه المجرة "المتوسطة" الموجودة في الكون، في حين أنها ليست كذلك في الواقع.
وتفترض هذه الطريقة أيضاً أن النجوم التي نراها في درب التبانة تمثل "متوسطاً" معقولاً للنجوم التي نراها في الكون، في حين أنها ليست كذلك هي الأخرى.
وتفترض كذلك أن المجرات التي وجدناها في مراحل مبكرة جداً من حياتها -المجرات التي نراها كما كانت منذ مليارات السنوات في الماضي- لديها عدد من النجوم مثل المجرات الحديثة اليوم.
وهذه الافتراضات جميعاً ليست صحيحةً على الإطلاق، لكن لحسن الحظ هذا لا يمنعنا من أن نكون قادرين على معرفة عدد النجوم على وجه الدقة، اليوم، داخل الكون المرئي.
فلنبدأ من لحظة الانفجار الكبير
عندما نفكِّر في النجوم التي تشكَّلت عبر تاريخ الكون، هناك الكثير من الأشياء التي يجب وضعها في الاعتبار.
في البداية، مع الانفجار الكبير، لم تكن هناك نجومٌ على الإطلاق، فقط المكوِّنات الخام في شكل جسيمات دون ذرية تنجذب إلى بعضها في النهاية وتشكِّل هذه النجوم.
هذه العملية ليست سريعة، إذ يجب أن تتشكَّل النواة الذرية التي سترسي الذرات الأولى، وهو أمرٌ يحدث خلال الدقائق القليلة الأولى من الانفجار الكبير في عملية تُعرف باسم التركيب النووي للانفجار الكبير.
بعد ذلك، يتعين على الكون أن يبرد بدرجة كافية حتى تتمكَّن الإلكترونات من الارتباط بهذه النوى الذرية، ما يؤدي إلى تكوين ذرات متعادلة، وهي عمليةٌ تستغرق حوالي 380 ألف سنة.
وحتى بعد ذلك، يكاد الكون يكون موحَّداً، فقد وُلِدَ بنفس الكثافة تقريباً في كلِّ مكان.
يستغرق الأمر وقتاً أطول بكثير -عشرات إلى مئات الملايين من السنين- حتى تنشأ مناطق شديدة الكثافة بما يكفي لتحريك تشكيل النجوم الأولى.
وعندما تحدث تلك اللحظة أخيراً، فإن النجوم التي تظهر ليست مثل النجوم التي نراها ونعرفها اليوم.
وهكذا فإن النجوم الأولى لم تكن لديها كميات كبيرة من العناصر الثقيلة لمساعدتها على التكوين.
العناصر الثقيلة، مثل الكربون، والأوكسجين، والنيتروجين، والسيليكون، والحديد، وغيرها، هي الوسائل الأساسية التي يمكن من خلالها لغيوم الغاز المنهارة أن تبرد، وتشع الحرارة والطاقة مشكلة النجوم.
ولكن في أعقاب الانفجار الكبير مباشرةً، لم تكن هناك مثل هذه العناصر، فقد كان الكون يتكوَّن بشكلٍ حصري من الهيدروجين والهيليوم ونظائرهما.
في الواقع، كانت نسبة 99.9999999% من ذرات الكون (بالكتلة) شكلاً من أشكال الهيدروجين والهيليوم، وتلك النسبة الضئيلة المتبقية كانت حصرياً من الليثيوم، على الرغم من وجود قدر ضئيل من البريليوم في وقت مبكر، والذي تحلل إلى الليثيوم قبل أن تتشكَّل النجوم الأولى.
الهيدروجين والهيليوم ذرات رهيبة في قدرتها على إشعاع الحرارة. في الواقع، في هذه البيئة المبكرة يمكن القول إن أفضل طريقة لسحابة متقلصة من الغاز لإخراج الحرارة -وهي خطوةٌ أساسية في الوصول إلى تقلص هذا الغاز بما يكفي لتكوين النجوم- هي من خلال جزيء الهيدروجين ثنائي الذرة العرضي ( H2)، والذي لا يزال غير فعال بشكل كبير مقارنة بالعناصر الثقيلة في العصر الحديث.
نتيجة لذلك، تطلَّبَت النجوم الأولى سحباً ضخمة من الغاز كبيرة جداً لتولِّدها في نهاية المطاف، وكتل النجوم التي تشكَّلَت كانت أكبر بكثيرٍ من النجوم النموذجية التي نراها اليوم.
وفي حين أن النجم "المتوسط" الذي يتكون اليوم تبلغ كتلته حوالي 40% من كتلة الشمس، فإن الكتلة "المتوسطة" للجيل الأول من النجوم لا بد أنها كانت أكبر بعشر مراتٍ من كتلة الشمس.
إذا كان لديك نجمان مكوَّنان من "عناصر" متطابقة، ولكن أحدهما أكبر بمرتين من الآخر، فإن النجم الأكثر ضخامة سيكون أكثر سطوعاً بثمانية أضعاف تقريباً، وسيعيش ثمانية أضعاف أكثر، ويبدو أن السطوع والعمر مرتبطان بمكعب كتلة النجم.
عندما نتحدث عن نجم أكبر بعشر مرات من كتلة الشمس، فإننا نتحدث عن شيء يضيء ألف مرة أكثر، وشيء يعيش فقط 0.1% تقريباً من عمر الشمس، أي فقط بضعة ملايين من السنين، بدلاً من بضعة مليارات من السنين.
هناك ثلاثة أسباب لذلك:
1- عندما نفكر في الجيل الأول من النجوم علينا أن ندرك أنها قصيرة العمر للغاية، وأن أياً من هذه النجوم الأولى التي تشكَّلت منذ أكثر من 10 مليارات سنة لا تزال موجودة حتى اليوم.
2- علينا أيضاً أن ندرك أنها تختلف اختلافاً جوهرياً عن النجوم التي تشكَّلت لاحقاً: لها دالة كتلة ابتدائية مختلفة تماماً، أو توزيع عدد النجوم لكتلةٍ معينة، عن النجوم التي تشكَّلت بعد ذلك.
3- ولكن أيضاً، عندما نفكر في الجيل الأول من النجوم، علينا أن ندرك أنها ممتازة في توفير تلك المجموعات الأولى من العناصر الثقيلة لمحيطها، وأن الجيل الثاني من النجوم، الذي لا بد أنه تشكَّل بعد وقت قصير من الأول، فهو مختلفٌ تماماً.
الجيل الثاني من النجوم
بمجرد البدء في تكوين الجيل الثاني من النجوم فإننا نعرف في الواقع ما نتحدَّث عنه: العديد من هذه النجوم لا تزال موجودة حتى اليوم، والعديد من المناطق المماثلة التي تحتوي على عدد قليل جداً من العناصر الثقيلة لا تزال تشكِّل النجوم اليوم.
لم تُكتَشَف النجوم الأولى التي تشكلت في المجرات البعيدة بشكل مباشر حتى الآن -رغم وجود أسباب وجيهة للأمل في أن يغير تلسكوب جيمس ويب الفضائي ذلك قريباً- لكن لدينا قياسات ممتازة لكيفية تكوين الكون للأجيال اللاحقة من النجوم التي يعود تاريخها عبر تاريخ الكون نفسه.
في كلِّ مكانٍ ننظر فيه، في جميع الاتجاهات والمواقع، وحيثما يمكننا رؤية النجوم والمجرات، يمكننا قياس معدَّل تشكُّل النجوم في الداخل.
كان أحد التطوُّرات الرائعة، ولكن التي لم يُعلن عنها إلى حدٍّ كبير، والتي حدثت في السنوات الأخيرة في علم الفلك والفيزياء الفلكية، هو تطوير فهم شامل لكيفية تقدُّم تشكُّل النجوم عبر تاريخ الكون.
لفترة طويلة جداً، كان لدينا القليل جداً من المعلومات حول ما إذا كان تكوين النجوم قد زاد أو انخفض على مدار تاريخنا الكوني، وما يعنيه ذلك بالنسبة للعدد الإجمالي للنجوم في الكون.
خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، انصبَّ التركيز على هذا المجال العلمي الذي كان غامضاً في السابق بشكل كبير، وقد سمحت لنا ورقة مراجعة تاريخية، نُشِرَت لأول مرة في عام 2014 أخيراً بالكشف عن تاريخ تشكُّل النجوم في الكون، بمرور الوقت، من يومنا الحاضر إلى الوقت الذي كان فيه عمر الكون 650 مليون سنة فقط، أو 5% من عمره الحالي.
وبينما لا يزال هناك قدرٌ كبيرٌ من عدم اليقين فيما يتعلَّق بتلك الـ650 مليون سنة الأولى أو نحو ذلك، هناك بعض الأخبار الممتازة لأولئك الذين يريدون معرفة عدد النجوم في الكون الحديث.
أولاً، تشكلت أقل من 1% من إجمالي النجوم خلال ذلك الوقت المبكِّر، أو أن الذرات المحايدة في الوسط بين المجرات للكون قد أُعيدَ تأيينها في وقتٍ أكبر بكثيرٍ مِمَّا نلاحظ حدوثه (550 مليون سنة تقريباً بعد الانفجار الكبير).
ثانياً، بمجرد أن تصل كمية العناصر الثقيلة في الكون إلى حوالي جزء في 1000 مما تم قياسه في شمسنا، يمكننا الوثوق تماماً في أن دالة الكتلة الأوَّلية للنجوم مماثلة نسبياً لما هي عليه اليوم عبر الزمن الكوني.
وثالثاً، إذا أردنا معرفة عدد النجوم الموجودة اليوم، فكلُّ ما علينا فعله هو تلخيص العدد الإجمالي للنجوم التي تشكلت على مدار تاريخ الكون، ثم طرح جزء النجوم التي يجب أن تكون قد أكملت دورات حياتها في يومنا هذا، أي طرح النجوم التي ماتت بالفعل.
الخلاصة: كم عدد النجوم في الكون؟
هناك إجابتان عن هذا السؤال "كم عدد النجوم في الكون؟"، وبالطبع تعتمد الإجابة التي تحصل عليها على ما تقصده بالسؤال الذي تطرحه، وفقاً لما ورد في موقع Medium الأمريكي.
1- كم عدد النجوم الموجودة في الكون المرئي اليوم؟ بمعنى، إذا كان بإمكانك رسم كرة تخيلية حول موقعنا في الفضاء، والذي يمتد لـ46.1 مليار سنة ضوئية في جميع الاتجاهات (حجم الكون المرئي)، وقياس كل النجوم الموجودة بداخلها، اليوم، بعد 13.8 مليار سنة من الانفجار الكبير، كم عدد النجوم التي لديك؟
2- أو، في المقابل، كم عدد النجوم التي يمكن ملاحظتها حالياً، إذا كان لدينا قوة تلسكوبية لا نهائية، وحساسية، وتغطية واسعة، من وجهة نظرنا، في الوقت الحالي؟ أي، إذا نظرنا إلى جميع النجوم والمجرات كما نراها اليوم، مع الضوء الذي يصل إلى أعيننا من جميع أنحاء الكون في هذه اللحظة بالذات، كم عدد النجوم التي سنراها؟
الإجابة عن هذين السؤالين مختلفة، وربما تختلف عمَّا قد تتخيَّله.
الإجابة الأولى أسهل، لأنها تتطلب منا فقط جمع كل النجوم التي تشكلت على مدار تاريخ الكون، عددياً، وطرح النسبة (الصغيرة) من النجوم التي ماتت. نظراً لأن شمسنا، التي يبلغ إجمالي عمرها من 10 إلى 12 مليار سنة، هي أضخم وأقصر عمراً من 95% من النجوم في كوننا، فإننا سنكون خارج نطاقنا بنسبة 5% فقط، على الأكثر، إذا افترضنا أن كل نجم على الإطلاق كان لا يزال على قيد الحياة.
إذا افترضت ذلك، فإن عمليةً حسابية مباشرة تُعلِمنا أنه سيكون هناك إجمالي 2.21 سكستيليون (أو 2.21 × 10²¹) نجم في الكون. وهذا كثيرٌ جداً؛ حوالي مليار نجم لكل من حوالي 2 تريليون مجرة في كوننا.
مجرة درب التبانة هي مجرة أكبر حجماً من المتوسط، تماماً مثل الشمس أكبر وأكثر كتلة من حوالي 95% من النجوم الموجودة.
إذا كنت تفسر الموت النجمي، فستجد أن لدينا حالياً حوالي 2.14 سكستليون نجم في الكون، اليوم، بعد 13.8 مليار سنة من الانفجار الكبير. إذا نظرت بدلاً من ذلك إلى الكون عندما كان أصغر سناً، فستجد أنه كان لدينا:
– 98% من نجومنا الحالية تشكَّلَت في الوقت الذي كنا فيه بعمر 12.9 مليار سنة
– 75% بحلول الوقت الذي كنا فيه بعمر 7.3 مليار سنة
– 50% بحلول الوقت الذي كنا فيه 4.9 مليار سنة
– 25% بحلول الوقت الذي كنا فيه بعمر 3.3 مليار سنة
– 10% بحلول الوقت الذي كنا فيه بعمر 2.2 مليار سنة
– 5% عند 1.7 مليار سنة
– 1% عند 1 مليار سنة
– 0.1% عند حوالي 500 مليون سنة
– فقط 0.01% عند حوالي 200 مليون سنة
واليوم، فإن معدَّل تشكُّل النجوم هو فقط ظلٌّ لما كان عليه في السابق، حيث 3% فقط من الحد الأقصى، الذي وصل إليه منذ أكثر من 10 مليارات سنة.
ولكن ماذا لو أردت أن تعرف عدد النجوم الموجودة في الكون والتي يمكنك رؤيتها الآن، مع قوة مراقبة غير محدودة وبدون قيود؟ تذكَّر أنه في هذا الكون، عندما تنظر بعيداً إلى مسافات أكبر وأكبر، فإنك تنظر أيضاً بشكلٍ تدريجي بعيداً في الزمن.
عندما تنظر إلى المجرة التي تراها كما كانت قبل 6.5 مليار سنة، سترى فقط حوالي 75% من النجوم التي قد تجدها في مجرة مماثلة اليوم.
هذا يتوافق مع مسافة تزيد قليلاً عن 8 مليارات سنة ضوئية، لكن فيما يتعلَّق بحجم الكون الذي يمكنك رؤيته تذكَّر أنه كونٌ ثلاثي الأبعاد، وإذا استطعنا رؤية ما يقرب من 46 مليار سنة ضوئية في جميع الاتجاهات فإن العودة إلى ما يقرب من 8 مليارات سنة ضوئية تشمل 0.5% من حجم الكون المرئي.
عندما نجري هذا الحساب، نجد أنه لا يمكننا رؤية سوى حوالي 8 × 10¹⁹ نجم من منظورنا، أي حوالي 4% من إجمالي النجوم الموجودة داخل كوننا المرئي، اليوم، بعد 13.8 مليار سنة من الانفجار الكبير.
والأهم من ذلك، أن هذا الرقم هو مجرد 0.01% من العدد (غير الصحيح) للنجوم التي كنت تقدر أنها كانت في كوننا إذا ضاعفت عدد النجوم في مجرة درب التبانة في عدد المجرات في الكون المرئي. وبينما لا يزال هناك عدد كبير من الأشياء التي يجب اكتشافها حول أقدم النجوم والمجرات في الكون، فإننا نعرف بالفعل قصة معظمها. ورغم أن هذه كلها أعداد هائلة، فهي محدودة، وهناك عدد أقل من النجوم التي يمكننا ملاحظتها أكثر مِمَّا يدركه أيُّ شخصٍ تقريباً.
لذا استمتع بمشاهدة النجوم، لأن معظم أجزاء الكون ليست بعيدة المنال فحسب، بل إنها تفوق قدرتنا حتى على مشاهدتها بأنفسنا.