إذا كان الجهل نعمة فهل معدل الذكاء المرتفع يساوي البؤس والنقمة على صاحبه؟ قد يجيبك الرأي العام بالإيجاب فعلاً على ذلك. إذ نميل إلى التفكير في العباقرة على أنهم مبتلون بالقلق الوجودي والإحباط والوحدة.
يهدف جزء كبير من نظامنا التعليمي إلى تحسين معدلات الذكاء الأكاديمي؛ وعلى الرغم من أن حدوده معروفة جيداً، إلا أن معدل الذكاء لا يزال الطريقة الأساسية لقياس القدرات المعرفية.
فتجد أن البشر ينفقون الملايين على تدريب الدماغ والمعززات المعرفية التي تحاول تحسين تلك النتائج.
ولكن ماذا لو كان البحث عن العبقرية في حد ذاته مهمة حمقاء؟ باعتبار أنه كلما زاد معدل ذكائك اقتربت شبراً من المعاناة في حياتك والشعور بالمزيد من البؤس والاكتئاب؟
الأذكياء قد يبالغون في تقدير قدراتهم
أحد الاحتمالات التي تجعل الأذكياء يشعرون في العموم برضا أقل عن حياتهم هو الإفراط في تقديرهم لمقابل قدراتهم الاستثنائية في الحياة العملية.
وبدلاً من الاستمتاع بالنجاح، أفاد الكثيرون من الأذكياء في دراسة عُرفت باسم "النمل الأبيض" نشرتها BBC، وجرى فيها متابعة عدد من الأمريكيين الذين تجاوز معدل الـIQ لديهم الدرجة المتوسطة وتراوح بين 140 و170، أنهم أصيبوا بالإحساس بأنهم فشلوا بطريقة ما في الارتقاء إلى مستوى توقعاتهم الشبابية.
هذا الشعور بالعبء- لا سيما عندما يقترن بتوقعات الآخرين أيضاً- يصيب العديد من الأشخاص الأذكياء فوق المعدل الطبيعي والمتوسط للفرد بوطأة أكثر حدة وأشد تأثيراً من الإحباط والشعور بالفشل.
ويلفت موقع BBC إلى معجزة الرياضيات صفيح يوسف، وهي فتاة بالغة الذكاء استطاعت أن تلتحق بجامعة أكسفورد في عمر 12 عاماً فقط، ثم ما لبثت أن تركت دراستها قبل خوض امتحاناتها النهائية للتخرُّج وبدأت في العمل نادلة. ثم عملت لاحقاً كفتاة اتصال في إحدى الشركات.
الذكاء العقلي لا يعني الحكمة في الحياة
الحقيقة القاسية أيضاً هي أن زيادة معدل الذكاء لا تعني اتخاذ قرارات أكثر حكمة؛ في الواقع في بعض الحالات قد يجعل الذكاء البالغ اختياراتك أكثر حماقة.
بمعنى أن اتخاذ القرار الصائب وغير المتحيز هو عملية مستقلة إلى حد كبير عن معدل الذكاء. ضع في اعتبارك "التحيز الجانبي"- ميلنا لأن نكون انتقائيين للغاية في المعلومات التي نجمعها بحيث تعزز مواقفنا السابقة.
لذلك سيكون النهج الأفضل عند اتخاذ القرار هو وضع افتراضاتك السابقة جانباً- وهُنا نجد أن الأشخاص الأكثر ذكاءً من غير المرجح أن يفعلوا ذلك أكثر من الأشخاص الذين لديهم متوسط معدل ذكاء معتدل، وفقاً لـBBC.
سلبيات أن تكون ذكياً
يعرف الأذكياء أنهم أذكياء، لذا فهم عرضة لوضع توقعات عالية لأنفسهم لا يستطيعون الوفاء بها في كثير من الأحيان.
وبالتالي، غالباً ما يُصابون بخيبة أمل ويكتئبون بسبب انخفاض مستوى الإنجاز لديهم إلى ما دون مُثُلهم العليا. علاوة على ذلك وضح موقع Psychology Today عدداً من الأسباب الأخرى، وهي كالآتي:
الذكاء يجعلك أكثر عرضة لمشاكل القلق
الذين يتمتعون بمعدلات ذكاء أكبر من المتوسط يميلون إلى التفكير أكثر في الأشياء السلبية التي تحدث لهم، ويجترّون السيناريوهات ويعيدونها في عقولهم لمعرفة ما حدث وكيف يمكن تجنب الأخطاء لاحقاً. لذلك فهم أكثر عرضةً للإجهاد النفسي والشعور بالتورط في أحلام اليقظة أكثر من الواقع.
لا يتمتعون بميزات مهمة مثل المثابرة والصبر
نظراً إلى أن الأشخاص ذوي معدل الذكاء المرتفع يتعلمون الأشياء بسهولة عندما يكونون صغاراً، فإنهم عرضة للتعود على النجاح دون بذل الكثير من الجهد بحيث لا يطورون أبداً عادة المثابرة، وهو أمر أساسي للنجاح على المدى الطويل.
كما يرتبط هذا الغياب ارتباطاً وثيقاً بعدم اكتسابهم الانضباط الذاتي اللازم لضمان أفضل أداء لهم.
ومن المفارقات بحسب موقع Psychology Today، عدم التعود على الكفاح من أجل تعلم أشياء جديدة، يجعل الأذكياء عندما يكونون في مواقف تتطلب منهم بذل جهدهم، يميلون إلى المماطلة أو التخلي عن الأمر تماماً والهروب من الالتزامات والمسؤوليات.
وهو ما يجعل الأمور شاقة للغاية بالنسبة لهم بالرغم من ذكائهم الذي يدركون حجمه، ما يجعلهم أكثر عرضةً للاكتئاب والشعور باليأس.
قد يضطرون للانعزال والشعور بالوحدة
لأنهم عرضة للعيش في رؤوسهم والتفكير بصورة أكثر تعقيداً عمن حولهم، فقد يكون الأذكياء أكثر عرضة للانعزال والشعور بالوحدة.
وبسبب عقولهم النشطة باستمرار، فإن المشاعر التي يمكنهم التعبير عنها ببلاغة قد يكون من الصعب عليهم للغاية التخلي عنها.
الشعور بالإجهاد من فرط التفكير
بحسب موقع Inc. للمنوعات، يميل الأشخاص ذوو الذكاء المرتفع إلى الإفراط في التفكير أو الإفراط في تحليل الأشياء. كما يمكنهم تجنب اتخاذ الإجراءات حتى فوات الأوان، وبالتالي تفويت الفرص المرتبطة بالوقت والمقاييس الزمنية المحدودة.
يميلون للتدخل في شؤون الآخرين
قد يجد الأشخاص الأذكياء صعوبة في تجنب إغراء تصحيح أخطاء الآخرين، لأنهم أكثر ميلاً إلى أن يكونوا متمسكين بتصحيح الأمور.
وليس من المستغرب أن هذه العادة لا تحظى بقبول كبير لدى الآخرين، الذين يمكن أن يشعروا بالحرج أو الانزعاج أو الإساءة من هذا الميل شبه القهري من الشخص الذكي للتدخل في شأنه وتصويب أفعاله.
يصعب عليهم تكوين الصداقات والحفاظ عليها
غالباً ما يكون تكوين الصداقات والاحتفاظ بها عند الأذكياء مشكلة.
من الصعب على الآخرين الشعور بالراحة عند الاقتراب من شخص تتفوق براعته الفكرية على قدراتهم. وهذا صحيح بشكل خاص إذا كان الفرد الموهوب لا يستطيع منع نفسه من إظهار معرفته الفائقة أو فطنته.
سرعة فقدان الصبر والشعور بالإحباط
يمكن للأشخاص ذوي معدل الذكاء المرتفع أن يصابوا بالإحباط بسهولة ويفقدوا الصبر عندما يُساء فهم ما يشاركونه مراراً وتكراراً، على الرغم من المحاولات العديدة لتوضيح ذلك.
ومما لا شك فيه أن جعل الآخرين يشعرون بالنقص ليس سمة محببة- وهو سبب آخر لعدم رغبة الآخرين في الارتباط بهم أو توثيق صداقات معهم.
الذكي يُدرك حجم ما يجهله
لا يعرف الموهوبون فكرياً أكثر من غيرهم فحسب، لكنهم يدركون أيضاً كل ما لا يعرفونه كذلك. وإدراك الحدود التي لا مفر منها لعقلهم يمكن أن يتركهم محبطين وخائبين وأكثر عرضةً لحالات القلق والاكتئاب المزمن.
وأخيراً، كل هذا لا يعني أن الأفراد ذوي معدل الذكاء المرتفع لا يمكن أن يكونوا سعداء. إلا أن الوصول إلى هذه الحالة التي قد يبذل من أجلها البشر ملايين الدولارات ليس سهلاً ومدخلاً للسعادة كما يعتقد الكثيرون.