زارت مركبة Voyager 2 كوكب نبتون، الذي لطالما كان لغزاً غامضاً لعلماء الفلك، وجمعت عام 1989 صوراً وبيانات مهمة عن هذا العملاق الجليدي مكنتنا من معرفته عن كثب بشكل أفضل.
يطلق على نبتون الذي سمي تيمناً بإله الماء وفقاً للمثيولوجيا الإغريقية، لقب "الكوكب الأزرق" أيضاً، وهو كوكب مظلم وبارد نظراً لكونه أبعد كواكب المجموعة الشمسية عن الشمس. وتحوطه بانتظام عاصفةً تهب فيها الرياح بسرعة تفوق سرعة الصوت، ولم تزره حتى الآن إلا مركبة فضائية بشرية واحدة.
سنطلعكم فيما يلي على ست حقائق مذهلة عن كوكب نبتون وأقماره وحلقاته الكوكبية:
1. ظهيرة نبتون المظلمة
كوكب نبتون هو ثامن كواكب المجموعة الشمسية، ويبلغ متوسط بعده عن شمسنا نحو 4.4754 مليار كيلومتر، أي نحو 30 ضعف متوسط المسافة بين الأرض والشمس.
يستغرق وصول ضوء الشمس إلى العملاق الجليدي نحو 4 ساعات، ويقطع نبتون دورةً كاملة حول محوره كل 16 ساعة، وهو شديد الظلمة، حتى إن الظهيرة على سطحه الجليدي تبدو مثل الشفق هنا على كوكب الأرض.
والواقع أن كوكب نبتون بعيد جداً حتى إن إتمامه دورة واحدة حول الشمس يستغرق نحو 165 سنة أرضية من الدوران.
ومنذ اكتشافه عام 1846، لم نشهد إتمامه دورة كاملة حول الشمس إلا مرة واحدة، كانت عام 2011. وفي بعض الأحيان يتخذ كوكب نبتون في مداره حول الشمس مساراً أبعد من مدار الكوكب القزم بلوتو.
انطلقت مركبة الفضاء "فوياجر 2" من الأرض في عام 1977، وحلَّقت بسرعة بلغ متوسطها 67 ألف كيلومتر في الساعة، واستغرق وصولها من الأرض إلى نبتون نحو 12 عاماً من السفر.
ويصعب تحديد المسافة بين نبتون والأرض، إذ يدور كلاهما بمدار إهليلجي حول الشمس. لكن المسافة بين الكوكبين كانت 4.6 مليار كيلومتر في 18 فبراير/شباط 2021.
2. الفصل الواحد يستغرق 40 عاماً في العملاق الجليدي
كوكب نبتون "عملاق جليدي" حقاً، إذ يبلغ نصف قطره نحو 24.764 كيلومتراً، أي أربع مرات نصف قطر الأرض، وتعادل كتلته 17 مرة كتلة الأرض.
حاولت وكالة "ناسا" الفضائية تقديم تصور مفهوم عن حجم كوكب نبتون، فقالت إننا إذا افترضنا أن الأرض بحجم عملة نيكل أمريكية، فإن كوكب نبتون يكون بحجم كرة سلة. وبناء على ذلك، يكون نبتون رابع أكبر كوكب في المجموعة الشمسية بعد كوكب المشتري وكوكب زحل وكوكب أورانوس.
ومع ذلك، فإن مدار كوكب نبتون وحجمه ليسا الشيئين الوحيدين الهائلين فيه، إذ لمَّا كان نبتون يميل محور دورانه بزاوية 28 درجة، فإنه يشهد فصولاً مثل الأرض، إلا أن مداره الضخم يجعل الفصل الواحد يستمر نحو 40 عاماً.
3. سائل كثيف حار متجمد
تقول وكالة ناسا إن 80% من كتلة كوكب نبتون تتكون من سائل كثيف حار من عناصر "في الحالة الجليدية"، تشمل الماء والميثان والأمونيا، فوق نواة صغيرة من الصخور. وليس له سطح صلب يمكن المشي عليه.
يزعم بعض العلماء أن كوكب نبتون يحتوي على محيط من الماء شديد السخونة تحت سُحبه الباردة، وهذه المياه محمية من الغليان بفعلِ الارتفاع الشديد للضغط إلى درجة تبقيه محصوراً بالداخل.
وقال آفي لوب، أستاذ العلوم في جامعة هارفارد، لمجلة Newsweek الأمريكية: "الرياح في كوكب نبتون أشد رياح تشهدها كواكب مجموعتنا الشمسية، فهي تخترقه بسرعة تزيد على 1609 كيلومترات في الساعة".
أمَّا السبب في أن كوكب نبتون يتخذ مظهر الكرة الزرقاء، فهو وجود الميثان بكثافة في غلافه الجوي العلوي، والميثان ممتصٌّ جيد للأطوال الموجية للضوء الأحمر، ومن ثم يعكس الكوكب اللون الأزرق إلى الفضاء.
4. يدور حوله 14 قمراً
على الرغم من شدة بعده من الشمس وطبيعته الجليدية، فإن نبتون ليس وحيداً في مداره حول الشمس، إذ يدور حوله 14 قمراً على الأقل.
كان عالم الفلك الإنجليزي وليَم لاسيل أول من رصد قمراً تابعاً لكوكب نبتون، هو قمر "تريتون"، ورصده بعد 17 يوماً فقط من اكتشاف الكوكب.
ولما كان نبتون سُمِّي باسم إله البحر عند الرومان، فقد تقررت تسمية أقماره بأسماء آلهة البحر الصغرى وحوريات البحر في الأساطير الإغريقية.
أكبر ثلاثة أقمار في مدار نبتون بحسب البيانات المتاحة لدينا:
– اسم القمر: تريتون.
المحيط: 8504 كيلومترات.
المسافة من نبتون: 354,800 كيلومتر.
الخصائص: أكبر أقمار كوكب نبتون بفارق كبير عن غيره، وواحد من أبرد الأجسام في مجموعتنا الشمسية. ورصدت مركبة الفضاء فوياجر 2 تشابهاً بين جزء من سطح تريتون مع السطح القشري لفاكهة الشمام.
يتخلل سطح قمر تريتون براكين جليدية تقذف مزيجاً من النيتروجين السائل والميثان وجزيئات الغبار، على ارتفاع يبلغ نحو 8 كيلومترات في الهواء، قبل أن تتجمد على الفور وتسقط في هيئة جليد مرة أخرى على السطح.
لا يقتصر التأثر بين قمر تريتون وكوكبه على الحرارة الجليدية فحسب، فجاذبية نبتون تجعل قمره تريتون شديد التأثر به. ويقول البروفيسور لوب، من جامعة هارفارد، إن "قمر تريتون سوف يتشظى في غضون بضعة مليارات من السنين بسبب جاذبية نبتون، ليصبح حلقة كوكبية قد تتراكم في النهاية على الكوكب".
– اسم القمر: بروتيوس.
المحيط: 1320 كيلومتراً.
المسافة من نبتون: 117.647 كيلومتر.
الخصائص: ثاني أكبر أقمار نبتون، وله شكل غير مكتمل الاستدارة بسبب تأثير قوى المد الناشئة عن تجاذب أجزائه المواجهة للقمر.
– اسم القمر: نيريد.
المحيط: 1068.1 كيلومتر
المسافة من نبتون: 5.513400 مليون كيلومتر.
الخصائص: ثالث أكبر أقمار نبتون، وأحد أبعد أقماره منه. رُصد في عام 1949، ومن أواخر أقمار نبتون التي اكتُشفت قبل رحلة مركبة الفضاء فوياجر 2 إلى العملاق الجليدي في عام 1989.
ويستدل بعض العلماء بمداره المسطح غير العادي على أنه كان في الواقع كويكباً، قبل أن يضمه نبتون إلى مداره بشدة جاذبيته.
5. حلقات نبتون الكوكبية
لا يرافق كوكب نبتون في مداره أقمار فحسب، بل وحلقات كوكبية أيضاً، فالبيانات المعروفة لنا تشير إلى أن العملاق الجليدي يدور حوله خمس حلقات كوكبية رئيسية مكونة من الغبار الكوني.
بالإضافة إلى هذه الحلقات الكوكبية، تضم مجموعة الحلقات التي تدور حول نبتون أربع كتل أخرى بارزة وغير عادية من الغبار الكوني، ترسم أقواساً دائرية حول الكوكب.
6. أهمية دراسة كوكب نبتون
يقول البروفيسور لوب، من جامعة هارفارد، إن دراسة كوكب نبتون مهمة للغاية، فهذا الكوكب وإن كان بعيداً عن الأرض وشديد البعد منها، إلا أن دراسته تعلِّمنا أموراً كثيرة عن الكواكب الواقعة في أقصى حدود المجموعة الشمسية، ومن ثم الكواكب خارج مجموعتنا الشمسية.
وأوضح لوب أن "النظر في الظروف القاسية على سطح كوكب نبتون يحسِّن النماذج والتصورات المتاحة لدينا عن تكوين الكواكب وخصائصها الفيزيائية. وهذا النظر مفيد جداً في تفسير بيانات الكواكب حول النجوم الأخرى، لا سيما أن بعضها يكون مشابهاً لكوكب نبتون في الحجم والكتلة".
ويختم لوب بالقول إن "الشمس ستتمدد بعد نحو 7.6 مليار سنة من الآن، ويزداد حجمها إلى عملاق أحمر [تستعصي معه الحياة على الأرض]، ومن ثم ستتحول المنطقة الصالحة للسكن من مدار الأرض إلى مدار كوكب نبتون. فهل تنشأ الأسباب التي تتيح الحياة على هذا الكوكب في ذلك الوقت؟ لمعرفة ذلك، يجب أن نجتهد في فهم كيمياء كوكب نبتون".