قد يظنه البعض ادعاءً ومبالغة، لكن الأمر ليس كذلك البتة. فرط الحساسية العاطفية هو حالة نفسية عامة معروفة أيضاً باسم الشخصية الحساسة بإفراط أو Hypersensitive Personality – HSP.
ما هي سمات الشخصية الحساسة بإفراط؟
سمة شائعة لدى الأشخاص المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بشكل خاص، وتشمل أعراض الحالة أن تكون شديد الحساسية للأمور الحسية مثل الصوت أو اللمس أو الرائحة، بالإضافة للمنبهات العاطفية والأمور المحيطة بك بشكل يجعلك تميل إلى التأثُّر بسهولة بالكثير من المعلومات.
علاوة على ذلك، لا تتوقف الشخصية الحساسة بإفراط عند التأثر العاطفي الشديد بالأمور، بل من المرجح أيضاً أن يعاني الأشخاص شديدو الحساسية من الربو والأكزيما وحساسيات الجسم.
تقول عالمة النفس والمعالجة النفسية إيلين إن آرون، لمجلة ADDitude للصحة النفسية، إن الشخصية الحساسة قد تكون ميزة في بعض المواقف، لكنها نقمة على صاحبها في الكثير من الأمور.
مشيرة إلى أنه من المهم للمصابين بهذا النمط أن يعلموا ما يعانون منه، لأن إدراك الشخصية وتعريفها وتسميتها بشكل صحيح يجعلك تتعلم كيف من الممكن التعامل معها بشكل حكيم، وتجد أيضاً أن هناك الكثيرين مثلك، وأنك لست وحدك.
التعريف الطبي لحالة الشخصية الحساسة بإفراط
الشخص شديد الحساسية (HSP) هو تعريف يشير إلى أولئك الذين يُعتقد أن لديهم حساسية متزايدة أو أعمق للجهاز العصبي المركزي للمحفزات الجسدية أو العاطفية أو الاجتماعية من حولهم.
وبينما يوصف الأشخاص ذوو الحساسية العالية أحياناً بشكل سلبي بأنهم "حساسون للغاية" ويبالغون في تقدير الأمور والتأثُّر بها، إلا أنها سمة شخصية تجمع بين العديد من الإيجابيات والسلبيات.
وقد صاغ عالما النفس إيلين وآرثر آرون هذا التعريف لأول مرة في منتصف التسعينيات، واستمر الاهتمام بالمفهوم في الازدياد منذ ذلك الحين.
كيف تحدِّد إذا ما كانت لديك الشخصية الحساسة بإفراط؟
هل قيل لك من قبل إنك "حساس للغاية" أو إنك "لا ينبغي عليك أن تبالغ في التفكير كثيراً"؟ على الأرجح قد يكون لديك الشخصية المعروفة باسم (HSP).
من المهم أن تتذكر أن كونك HSP لا يعني أن لديك حالة قابلة للتشخيص، أو أنها تستدعي العلاج النفسي مع خبير في الصحة العقلية. كل ما في الأمر أنها سمة شخصية تنطوي على استجابة متزايدة لكل من التأثيرات الإيجابية والسلبية من حولك.
تنطبق الحساسية العالية على الشخص المصاب بها عبر عدة فئات مختلفة. هناك العديد من السمات أو الطباع المشتركة بين الأشخاص شديدي الحساسية، ووفقاً للباحثين فهي كما يلي وفقاً لموقع Very Well Mind:
تتجنب الأفلام أو البرامج التليفزيونية العنيفة لأنها تشعرك بالحدة الشديدة وتجعلك تشعر بعدم الاستقرار والارتياح والأذى النفسي الشديد.
التأثر الشديد بالجمال، سواء في الفن أو الطبيعة أو من خلال الروح البشرية، أو حتى في بعض الأحيان في إعلان تجاري جيد وذكي في توصيل رسالته.
الشعور بالإرهاق من المحفزات الحسية العالية، مثل التواجد بين الحشود الصاخبة أو الأضواء الساطعة أو حتى عند ارتداء الملابس غير المريحة.
الشعور بالحاجة إلى فترة توقف وراحة وانعزالية، خاصةً عندما تعاني من بعض الأيام العصيبة المتتالية؛ وبالتالي تكون بحاجة إلى التراجع إلى غرفة مظلمة وهادئة والانزواء لاستعادة الطاقة والتعافي.
وللحصول على تعريف أكثر شمولاً أو وضوحاً لهذا النوع من الشخصيات، طور عالما النفس الزوجان آرون استبياناً شخصياً لمساعدة الأشخاص على تعريف أنفسهم على أنه لديهم الشخصية الحساسة بإفراط. ويُعرف باسم مقياس آرون للأشخاص ذوي الحساسية العالية (HSPS).
كيف يؤثر هذا النمط من الشخصية على حياة الشخص؟
يُعتقد أن الأشخاص ذوي الحساسية العالية يشكلون ما يقرب من 20% من سكان العالم. وقد تشترك الحساسية العالية والانطوائية أيضاً في بعض أوجه التشابه.
وكون لديك شخصية HSP يأتي مع الكثير من المزايا والتحديات في آنٍ واحد.
على سبيل المثال، من الممكن أن تتعرض للإهانة بسهولة من قبل الأشخاص الذين لا يقصدون أي ضرر، أو قد تكون من هؤلاء الذين يبذلون قصارى جهدهم ليكونوا طيبين ومحبوبين في أوساطهم.
من الممكن لك أيضاً المبالغة في رد الفعل تجاه الضغوط اليومية أو مشكلات العلاقات، خاصةً إذا أصبحت تعاني من رد فعل عدواني تجاه مشاعرك الحساسة، بحسب موقع Psychology Today لعلم النفس.
ومع ذلك، فإن كونك شخصاً شديد الحساسية لا يعني بالضرورة أنك تتخيل الدوافع السلبية بالرغم من عدم وجودها على أرض الواقع، بل يعني الأمر أنك قد تتصور وقوع الأمور السلبية مثلاً بسهولة أكبر.
أو قد تتأثر بشكل أعمق بالتجارب السلبية، الأمر الذي قد لا يكون بالضرورة نقطة ضعف. وتتضمن بعض الطرق التي قد يؤثر بها هذا النمط من الشخصيات على حياتك الآتي:
- تتجنب المواقف والشخصيات التي تجعلك تشعر بالإرهاق. قد يتأثر الأشخاص شديدو الحساسية بحالات معينة مثل التوتر والعنف والصراع والمشاحنات، مما قد يدفعهم إلى تجنب الأشياء التي تجعلهم يشعرون بعدم الارتياح.
- قد تتأثر بشدة بالجمال أو العواطف الواضحة. يميل الأشخاص ذوو الحساسية العالية إلى الشعور بالتأثر العميق بالجمال الذي يرونه من حولهم. قد يبكون أثناء مشاهدة مقاطع الفيديو المحببة بشكل خاص ويمكنهم أيضاً التعاطف مع مشاعر الآخرين، السلبية والإيجابية منها، على حد سواء.
- قد تكون لديك علاقات وثيقة مع الآخرين. صاحب الشخصية الحساسة بإفراط يهتم بشدة بأصدقائه، ويميل إلى تكوين روابط عميقة مع الأشخاص المناسبين.
- الشعور بالامتنان الكبير للحياة والفرص المتاحة لك. يقدر الأشخاص ذوو الحساسية العالية الوجبة الجيدة أو الأغذية الجميلة على مستوى لا يستطيع معظم الناس الوصول إليه. قد يشعرون بمزيد من القلق الوجودي كذلك دوناً عن غيرهم، لكنهم قد يشعرون أيضاً بامتنان أكبر لما لديهم في الحياة حتى وإن كانت مزايا مؤقتة.
عيوب أن تكون لديك شخصية شديدة الحساسية
بالرغم من المزايا المختلفة، قد تعاني أيضاً الكثير من الأمور إذا ما كنت صاحب الشخصية الحساسة بإفراط. ويوضح الطبيب والباحث في علم النفس ميشيل بارتون في مقابلة له مع موقع Bustle أنك قد تعاني أيضاً من التالي:
- المبالغة في ترتيب مقتنياتك والهوس بالنظام والسيطرة.
- الإفراط في العمل وبذل الجهد في الأمور لتحقيق أفضل نتائج ممكنة.
- سهولة الشعور بالإجهاد والإعياء النفسي التام.
- قد تعاني من سرعة رد الفعل والتهور في بعض المواقف المُربكة.
- الخوف من مواجهة الكثير من التحديات الحياتية.
- قد تميل إلى مهاجمة كل ما يُشعرك بالتوتر عوضاً عن التعامل معه بحكمة.
- تستهلك الكثير من الوقت والجهد لاتخاذ القرارات.
- تُفضل العمل منفرداً مقابل العمل الجماعي أو ضمن فريق.
- سهولة الشعور بالحزن والتوتر والاكتئاب.
- سرعة فقدان الثقة فيمن حولك عند اقترافهم أي أخطاء.
طرق التعامل الواعية لصاحب الشخصية الحساسة
بالنسبة للعديد من الأشخاص ذوي الحساسية العالية، فإن مفتاح إدارة التداعيات السلبية لنوعية الحساسية المفرطة التي يتمتعون بها هو استخدام المناعة العاطفية واستراتيجيات المناعة الحسية لتهدئة وتخفيف التحفيز المفرط.
ويمكنك تحقيق التهدئة الذاتية واستغلال مميزات شخصيتك الحساسة باتباع هذه الاستراتيجيات البسيطة بحسب مجلة ADDitude:
1- احترم حساسيتك المفرطة للأمور. لا تحاول القيام بأشياء صعبة. قدر الإمكان، اختر المواقف التي تناسبك. يحتاج الأشخاص ذوو الحساسية العالية إلى وقت أطول من غيرهم لمعالجة أحداث اليوم.
لذا قبل أن تفرط في تحميل نفسك بالمهام والالتزامات وحتى المشاعر، خذ بضع دقائق للتفكير فيما إذا كان بإمكانك التعامل مع المزيد من التحفيز أو أنك استوفيت الحد الأقصى لهذا اليوم.
2- خُذ خطوة للخلف. اسمح لرد فعلك العاطفي تجاه الموقف أن يأخذ وقته ومساحته، لكن ضع في اعتبارك أنه قد تكون هناك تفسيرات أخرى لكل ما يُرهقك. توقف قليلاً للتفكير وخذ بعض الأنفاس العميقة لتهدأ. حلل الموقف وأعِد تقييمه.
3- تجنَّب الفوضى والضوضاء. لتجنب الحمل الزائد الحسي والقلق المترتب عليه، اصطحب دائماً سدادات أذن وسماعة رأس لحجب الضوضاء من حولك.
4- قلِّل التحفيز الخارجي. قل "لا" بلطف للأشياء التي تضغط عليك، والتي لا يتعين عليك القيام بها أو لا تريد القيام بها. حدد حدودك ونفذها عندما تشعر بالارتباك والتوتر.
5- تأكد من حصولك على قسط كافٍ من النوم والراحة. استرِح أو خذ قيلولة قبل مواجهة موقف سيكون محفزاً للغاية أو بعد حالة قاسية لإعادة تجميع طاقتك.
6- استخدم طرق الاسترخاء مثل التأمل والصلاة وتمارين التنفُّس، أو مارس بعض اليوغا لتقوية قدرتك على التعامل مع التحديات اليومية من خلال ممارسة الشعور بالهدوء والحضور والقَبول.