لم يدَّخر عالم الفن وسعاً في محاولات إسكات النساء وتجاهُل إسهاماتهن.
وعلى مر القرون، كان هناك العديد من الفنانات الموهوبات اللاتي امتلكن بصمة فنية خاصة، وكافحن من أجل الاعتراف بهن ولكي يمتلكن الفرصة مثلهن مثل نظرائهن من الرجال.
ومع ذلك، تاريخ الفن مليء بأسماء رجال عظماء؛ بداية من ليوناردو دافنشي وفنسنت فان جوخ وبابلو بيكاسو وغيرهم المئات والمئات. ولكن ماذا عن النساء اللواتي ساعدن في تشكيل التاريخ البصري الفني للعالم؟
كما هو الحال مع العديد من المجالات الأخرى، تم إثناء النساء تاريخياً عن ممارسة أي مهن وتخصصات في مجال الفنون، ومع ذلك هناك العديد من الإناث الرائعات اللاتي ثابرن وتمكنّ من ترك بصمتهن التي يُحتفى بها حتى يومنا هذا.
في هذا التقرير نستعرض أبرز الرسّامات العالميات وبعض أعمالهن الخالدة في تاريخ الفن الذي هيمن عليه الرجال لعقود طويلة.
1- كاترينا فان هيمسن صاحبة أول خطوة نسائية في عالم الفن
كانت كاترينا فان هيمسن (1528-1588)، رسامة فلمنكية في عصر النهضة. وهي أول رسامة بلجيكية موثّقة في التاريخ، إذ تُعد واحدة من الرسّامات القليلات اللاتي تم التحقق من صحة وجودهن وإنجازاتهن من خلال الأعمال الفنية التي تركنها خلفهن.
وبحسب موقع Google Arts & Culture للثقافة والفن، فقد كانت كاترينا معروفة بشكل أساسي بسلسلة لوحات لصور نسائية صغيرة الحجم اكتملت بين أواخر أربعينيات القرن الخامس عشر وأوائل خمسينيات القرن الخامس عشر، إضافة إلى عدد قليل من المؤلفات الدينية.
كما يُقال فإن فان هيمسن هي من ابتكرت رسم أول صورة ذاتية يلتقطها الفنان لنفسه وهو جالس على حامل الرسم. وقد رُسمت اللوحة عام 1548 وتظهر الفنانة في المراحل الأولى من رسمها للوحات البورتريه.
وفي تلك الحقبة المبكرة، وقفت عدة عقبات في طريق النساء الطامحات إلى دخول عام الرسم، ومن ضمنهن فان هيمسن، التي كانت ترغب في أن تصبح رسامة رفيعة المستوى بشكل رسمي.
إذ كان التدريب المهني يعني أن الفنان يحتاج إلى حضور جلسات تشريح الجثث؛ لمعرفة تركيب الجسم وقياس رسمه، إضافة إلى جلسات الرسم الواقعي لأجسام الذكور العراة، وهو ما لم تتمكن النساء من اتّباعه لأسباب أخلاقية.
كما تحتم على الفنان الواعد أن يعيش مع فنان أكبر سناً وأكثر خبرة منه لمدة تتراوح بين أربع وخمس سنوات؛ للتعلُّم منه وتلقي النصائح والإرشاد.
وكان هذا إلزامياً على الفنان اليافع بين سن 9 أو 15 عاماً، مما جعل من شبه المستحيل على العديد من النساء اتباع هذا المسار، لأن "الواجبات المتوقعة" للمرأة تنافت مع تلك الأفكار.
وبالتالي كانت سابقة في ذلك الوقت أن تدخل المرأة هذا المجال، وتحقق لوحاتها مستوى عالياً من البراعة والدقة.
ولا تزال أعمالها تُعرض حتى اليوم في متحف ريجكس بأمستردام، وفي المتحف الوطني بلندن، بحسب موقع BBC Culture.
2- الإيطالية سوفونيسا أنجيسولا جذبت أنظار مايكل أنجلو
كانت الرسامة سوفونيسا أنجيسولا (1532–1625)، ضمن القليلات اللاتي تمكنَّ من أن يصبحن ضمن الفنانين الرائدين خلال عصر النهضة الإيطالية.
وُلدت في عائلة نبيلة فقيرة نسبياً، وعمل والدها على التأكد من حصولها هي وأخواتها على تعليم جيد يضم الفنون الجميلة التي كانت دليلاً على الطبقات الراقية من المجتمع في ذلك الوقت.
وشمل ذلك التلمذة السالف ذكرها مع الرسامين المحليين المرموقين لفترة زمنية تصل إلى 5 سنوات تقريباً. وقد كان هذا بمثابة سابقة للفنانات فيما بعد، اللائي لم يتدربن حتى تلك اللحظة إلا إذا كان لدى أحد أفراد الأسرة ورشة عمل مخصصة.
وبحسب الموسوعة البريطانية للتاريخ Britannica، جذبت موهبة أنجيسولا أنظار الفنان العالمي مايكل أنجلو، فقام بمتابعتها من خلال إرشاد غير رسمي عبر تبادل الرسومات فيما بينهما.
وعلى الرغم من أنها، بصفتها فنانة، لم يُسمح لها بدراسة علم التشريح أو ممارسة نماذج الرسم على العارضين الذكور العراة، فإنها تمكنت من الحصول على مهنة ناجحة.
ويرجع جزء كبير من نجاحها إلى دورها كرسامة في بلاط الملك فيليب الثاني ملك إسبانيا. إذ على مدار 14 عاماً، طورت مهاراتها في الرسم الرسمي للمحكمة، إضافة إلى صور النبلاء وبورتريهات الشخصيات البارزة في المجتمع.
وتشتهر لوحاتها بالتقاط روح وحيوية جليسها، ويمكن الآن العثور على لوحاتها معروضة في أهم المتاحف حول العالم.
3- الإيطالية أرتميسيا جينتيليتي التي قاومت ذكورية المجتمع
يُنظر اليوم إلى الرسامة الإيطالية الباروكية أرتيميسيا جينتيليتي (1593–1653)، على أنها واحدة من أمهر الرسامين في عصرها، لكن الفنانة واجهت صعوبة في تكوين سيرتها الذاتية كفنانة، وذلك بعد تعرضها للاغتصاب.
تدربت أرتيميسيا بشكل أساسي على يد والدها في سن مبكرة، ثم لاحقاً ذهبت للتتلمُذ على يد الفنان أوغستينو تاسي، الرسام الإيطالي للمناظر الطبيعية والبحرية الذي أُدين في 1612 باغتصاب الفنانة الشابة.
إلا أنه للمفاجأة، ونظراً إلى تعقيدات العصر في ذلك الوقت للسماح للمرأة بالتتلمذ على يد فنان والمكوث معه فترات غير محدودة، تم التشكيك في سمعتها واتهامها في نزاهتها.
ومع ذلك، أصبحت أرتيميسيا أول امرأة يتم قبولها بأكاديمية فلورنتين للفنون الجميلة في فورنسا، وأصبحت أيضاً ربة أسرة عندما انفصلت عن زوجها، وهو أمر نادر جداً في ذلك الوقت.
وتركز بعض أقوى أعمالها، مثل لوحة Judith and Holofernes، على الإناث القويات اللاتي يتوسطن اللوحة بدلاً من نظرائهن من الذكور.
4- الفرنسية إليزابيث فيجي لو برون رسّامة ماري أنطوانيت
رسمت الفنانة الفرنسية إليزابيث فيجي لو برون (1755-1842)، مجموعة رائعة من الأعمال الفنية بلغ مجموعها ما يقرب من 1000 صورة ولوحة للمناظر الطبيعية.
وبصفتها ابنة رسام، تلقت تعليمات مبكرة من والدها، وكانت ترسم صور البورتريه بشكل احترافي عندما كانت مراهقة.
وبحسب موقع Harpers Bazaar العالمي، كانت بداية حياتها المهنية الرسمية عندما تم تعيينها رسامة بورتريه لماري أنطوانيت، ما منحها لاحقاً فرص الدخول إلى العديد من أكاديميات الفنون العالمية في ذلك الوقت.
تمتعت إليزابيث بالنجاح المستمر في حياتها المهنية تقريباً، حتى في أثناء وجودها بالمنفى بعد الثورة الفرنسية، حيث كانت رسامة مفضلة للطبقة الأرستقراطية في جميع أنحاء أوروبا.
5- الفرنسية الواقعية روزا بونهور التي ارتدت ملابس الرجال
مثل العديد من الفنانات، كان والد روزا بونور (1822–1899) رساماً بدوره، وبالتالي تتلمذت على يديه حتى وصلت إلى درجة الاحتراف.
وتعتبر الرسامة الواقعية الفرنسية واحدة من أشهر الفنانات في القرن التاسع عشر، وتشتهر بلوحاتها الكبيرة الحجم التي تصور الحيوانات. وقد عُرضت أعمالها بانتظام في صالون باريس الشهير وحققت نجاحاً بالخارج في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا.
لكن يتم الاحتفاء بسيرة روزا بونهور أيضاً لكسرها القوالب النمطية الجنسانية.
فمنذ منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر كانت ترتدي ملابس الرجال التي قالت إنها تحقق كثيراً من الراحة عن ملابس النساء في ذلك الوقت، حتى إنها حصلت على إذن من الشرطة للقيام بذلك.
على الرغم من أنها تعرضت لانتقادات في كثير من الأحيان؛ لارتدائها سراويل وبلوزات فضفاضة، فإنها استمرت في ارتدائها طوال حياتها، مشيرة إلى أنها كانت عملية بالنسبة لها عند العمل مع الحيوانات التي كانت موضوع الغالبية العظمى من لوحاتها.
6- فريدا كاهلو الأيقونة المكيسيكة سيئة الحظ
في يومنا هذا، لا تمتلك فنانة أخرى من القرن العشرين اسماً معروفاً وبصمة فريدة في عالم الفن مثل المكسيكية فريدا كاهلو
وعلى الرغم من أن الدراما المتعلقة بحياتها المأساوية، وعلاقتها المضطربة بزوجها دييغو ريفيرا قد طغت في بعض الأحيان على تقدير العالم لناتجها الفني، فإنه لا يمكن إنكار تأثير رسوماتها على العالم حتى اليوم.
وبحسب موقع My Modern Met العالمي للفن والثقافة، اشتهرت كاهلو، بشكل خاص، بسبب صورها الذاتية Self Portraits التي تتناول موضوعات الهوية والمعاناة والجسم البشري والعقل الباطن.
وعلى الرغم من أنه كُتب عنها أحياناً خلال حياتها باعتبارها الفنانة "زوجة دييغو ريفيرا"، فإن عملها الفني المميز لم يكتسب زخماً إلا بعد وفاتها.
تنتمي أشهر لوحات فريدا كاهلو إلى متاحف فنية مهمة في جميع أنحاء العالم.