حوالي 4% من الناس على وجه الأرض لا يرون الألوان فحسب، بل يسمعونها أيضاً! وتعرف هذه الحالة بظاهرة "الحس المرافق" أو "التصاحب الحسي".
إنها ظاهرة إدراكية يؤدي فيها تحفيز أحد المسارات الحسية أو المعرفية إلى تجربة لا إرادية في مسار حسي أو معرفي آخر. على سبيل المثال، يؤدي سماع صوت معين عند الشخص الذي لديه "الحس المواكب" إلى رؤية لون ما تلقائياً. كما أن قراءة كلمة معينة، قد تجعله يتصور لوناً معيناً في عقله.
لطالما حيرت هذه الحالة العلماء، لكن الدراسات والأبحاث الجديدة بدأت تقدم شرحاً وتفسيراً لها.
3 نظريات أساسية تفسر حصول ظاهرة "الحس المرافق"
قدمت دراسة نشرت في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences عام 2018، نظرة ثاقبة لما قد يحدث في أدمغة الأشخاص الذين لديهم ظاهرة الحس المرافق.
قال كبير مؤلفي الدراسة سيمون فيشر، لموقع Live Science: "تؤكد دراسات سابقة لوظيفة الدماغ باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي أن الحس المرافق هو ظاهرة بيولوجية حقيقية".
على سبيل المثال، عندما "يسمع" الأشخاص المصابون بالحس المرافق اللون، تظهر فحوصات الدماغ أن هناك نشاطاً في أجزاء الدماغ مرتبطة بالبصر والصوت، على حد قوله.
وقد أظهرت الدراسة أن المناطق المختلفة في أدمغة الأشخاص الذين يعانون من الحس المرافق تكون أكثر ارتباطاً من أدمغة الأشخاص الطبيعيين.
ويقترح العلماء وجود 3 نظريات أساسية لتفسير حدوث ظاهرة الحس المرافق:
نظرية التنشيط المتقاطع
تؤيد هذه النظرية الدراسة السابقة وتفترض أن الحس المواكب يحدث عندما تزداد الوصلات العصبية بين طريقتين حسيتين. ويحدث هذا عندما تكون المناطق التي تتم فيها معالجة حاستين متقاربة في الدماغ، مما يؤدي إلى حدوث تداخل، مما يتسبب في الإدراك المزدوج.
وتفترض النظرية أن دماغ الشخص المصاب بالحس المواكب، يختلف من الناحية التشريحية عن دماغ الشخص الطبيعي نتيجة هذه الاتصالات المفرطة.
نظرية ردود الفعل الخاطئة
هذه النظرية هي عكس سابقتها. ففي حين أن نظرية التنشيط المتقاطع تشير إلى أن دماغ الشخص الذي لديه الحس المرافق مختلف تشريحياً عن دماغ الآخرين، تنص هذه النظرية على أنه لا يوجد خطأ في تشريح الدماغ.
بدلاً من ذلك، تنشأ الأحاسيس المتزامنة بسبب ردود الفعل غير المألوفة نتيجة حدوث خطأ في مركز المعالجة المركزي عند إرسال المعلومات إلى المنطقة الخاطئة في الدماغ.
نظرية علم الوراثة
عادة ما يولد الأشخاص الذين يعانون من الحس المرافق معه أو يصابون به في مرحلة مبكرة جداً من الطفولة. لكن من الممكن أن يصابوا به لاحقاً.
كما تشير الأبحاث إلى أن الحس المواكب يمكن أن يكون وراثياً. وقد لاحظ العلماء، وفقاً لدراسة قامت بها جامعة كاليفورنيا الأمريكية عام 2011، أن وجود فرص أكبر لحدوث التصاحب الحسي في نفس العائلة.
لا يوجد إجماع بين العلماء على النظريات المذكورة أعلاه. لكن التقدم في رسم خرائط الجينات، بالإضافة إلى تطور فهم بنية الدماغ والمسارات العصبية في المستقبل، يمكن أن يكشف عن أسباب حصول هذه الظاهرة الغامضة والمثيرة للاهتمام في جنسنا البشري!
لماذا سميت الظاهرة بالحس المرافق أو التصاحب الحسي؟
تطلق كلمة "synesthesia" على ظاهرة الحس المرافق باللغة الإنجليزية. وتأتي الكلمة من الكلمات اليونانية: "synth"، التي تعني "معاً" و "ethesia" والتي تعني "الإدراك".
من أكثر أنواع هذه الظاهرة شيوعاً رؤية الحروف أو الأرقام أو الأصوات على هيئة ألوان. لكن هناك أنواع أخرى يمكن تلخيصها بما يلي:
- الشعور بطعم معين عند سماع كلمة ما.
- رؤية شكل معين عند تذوق الطعام.
- سماع الأصوات ورؤية أشكال أو أنماط معينة.
- سماع الأصوات بعد شم رائحة معينة.
- سماع الأصوات عند تذوق الطعام.
- تشعر بشيء بيديك عندما تسمع صوتاً.
- تشعر بلمسة عند رؤية شخص آخر يتم لمسه.
أعراض الحس المرافق
هناك أنواع متعددة من الحس المرافق كما ذكرنا أعلاه، وكلها لها أعراض مختلفة. لكن الحس المرافق للألوان، حيث ترتبط الكلمات أو الحروف بالألوان، أو الأصوات والألوان هما الأكثر شهرة.
لكن بشكل عام، يميل الأشخاص الذين يعانون من أي نوع من الحس المرافق إلى اختبار الأعراض الشائعة التالية:
- الإدراكات اللاإرادية التي تعبر بين الحواس (تذوق الأشكال، سماع الألوان، إلخ).
- المحفزات الحسية التي تسبب باستمرار وبشكل متوقع التفاعل بين الحواس (على سبيل المثال، في كل مرة ترى فيها الحرف A، تراه باللون الأحمر).
- القدرة على وصف تصوراتهم غير العادية للآخرين.
ويشير موقع Health Line للطب والصحة، إلى أن الشخص الذي لديه الحس المرافق، من المرجح أن يكون أعسر ولديه اهتمام كبير بالفنون المرئية أو الموسيقى. كما أن هذه الظاهرة أكثر شيوعاً عند النساء منها عند الرجال.
ماذا عن علاج التصاحب الحسي؟
لا يعتبر التصاحب الحسي مرضاً أو اضطراباً عقلياً، لذلك لا يوجد علاج له. على العكس، يبدو أن الكثير من الناس يستمتعون بإدراك العالم بطريقة مختلفة عن عامة الناس ولا يواجهون مشكلة بسبب ذلك.
لكن من ناحية أخرى، يشعر بعض الأشخاص من ذوي التصاحب الحسي أن حالتهم تعزلهم عن الآخرين لأنهم يواجهون صعوبة في شرح تجاربهم الحسية المختلفة. وفي هذه الحالة قد يكون من المفيد اللجوء لأخصائي الصحة العقلية أو الطبيب النفسي للتأقلم مع الظاهرة وتقبلها بشكل أفضل.
في الحقيقة هذه الظاهرة لا تمنع صاحبها من أن يعيش حياة كاملة وطبيعية. ويوجد الكثير من المشاهير والناجحين الذين عاشوا حياتهم مع هذه الظاهرة مثل المغنين كاني ويست وفاريل وليامز والكاتب فلاديمير نابوكوف، الذي كتب في سيرته الذاتية عن "سمعه الملون".
بالإضافة إلى الرسامين فنسنت فان جوخ وجوان ميتشل اللذين كانت لديهما أيضاً ظاهرة الحس المرافق، وفقاً لموقع Mental Floss.