مع استمرار جريمة تجارة الأعضاء وتواصل نمو سوقها بالرغم من المساعي العالمية للحد من تلك الجريمة، تشتهر دول محددة في استهداف فئات معينة من مواطنيها من أجل الحصول على الأعضاء وبيعها بطرق غير مشروعة في الأسواق السوداء.
وأبرز تلك الروايات، جرائم سرقة الأعضاء من السجناء الذين يتم إعدامهم في الصين، أو السرقة القسرية للأعضاء المنتمين لعرقيات بعينها مثل الإيغور، حيث أثبتت العديد من التحقيقات تكرار تلك الظاهرة، وانتهاج الصين هذه الممارسات رغم منافاتها لحقوق الإنسان الأساسية بالرغم من التنديد الدولي.
ما هو الحصاد القسري للأعضاء وما قيمته الحقيقية؟
حصاد الأعضاء القسري هو إزالة أعضاء من الضحية بغرض زراعتها في مريض بحاجة لها- بينما لا يزال الضحية على قيد الحياة- مما يؤدي إلى قتل الضحية خلال هذه العملية.
وبحسب إيثان جوتمان، الكاتب الصحفي والباحث الاستقصائي، فإن العائد المالي لجسم به أعضاء صحية وقابلة للاستخدام وإعادة الزرع يتراوح بين 490 ألفاً و728 ألف دولار أمريكي.
وبحسب الأمم المتحدة، تُعد السرقة القسرية لأعضاء السجناء أمراً غير قانوني وفقاً للاتفاقيات الدولية، وسبق للحكومة الصينية التصريح بأنها أوقفت هذه الممارسة منذ عام 2015 بعد شهادات وثقت حقيقة تلك التجارة الممنهجة.
ومع ذلك، لا يزال الحصاد القسري للأعضاء منتشراً على نطاق واسع في الصين، خاصة مع ظهور تقارير قبل سنوات كشفت جوانب أخرى لتلك الجريمة.
تجارة الأعضاء تستهدف المسلمين وسجناء الرأي
في 2019 تم إنشاء محكمة من قبل مجموعة حملت اسم "التحالف الدولي لإنهاء إساءة استخدام الأعضاء في الصين" أو China Tribunal Judgement، وذلك للنظر في الأدلة المتعلقة بالاستيلاء القسري على الأعضاء من سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين.
وعلى رأس قائمة الفئات المستهدفة بتلك التجارة تأتي أقلية الإيغور العرقية المسلمة، والفالون غونغ وهي حركة عقائدية شبيهة بالبوذية وتُحظر في الصين، ويُعتقد أن المعتقلين منهما لا يزالون يُستخدمون كمتبرعين بالأعضاء بشكل قسري رغم رغبتهم بشكل سري.
وخلصت المحكمة حينها بعد تحقيقات عميقة إلى أن "الحصاد القسري للأعضاء يُرتكب منذ سنوات في جميع أنحاء الصين على نطاق واسع ولم يتم التوصل لأي دليل على تفكيك البنية التحتية المرتبطة بصناعة زراعة الأعضاء في الصين كما لا وجود لتفسير مرضٍ يستنتج مصدر الأعضاء المتاحة بسهولة في سوق زراعة الأعضاء في الصين، ما يؤشر إلى أن الحصاد القسري للأعضاء مستمر".
وكان من الأمور المركزية في نتائج المحكمة تقديرات العدد الفعلي لعمليات الزرع التي تمت- إذ جاءت بإجمالي أعلى بكثير من الإحصاءات الرسمية المُعلنة، وكانت فترات الانتظار على قوائم المرشحين لزراعة الأعضاء قصيرة بشكل استثنائي، علاوة على الشهادات المباشرة من محتجزين سابقين كانوا ضحايا أنفسهم لعمليات تجارة الأعضاء القسرية.
وقد حظيت المحكمة بإجماع جميع المحققين وبشكل "مؤكد بما لا يدع مجالاً للشك"- أن حصد الأعضاء القسري في الصين من سجناء الرأي والمعارضين يُمارس لفترة طويلة من الزمن وينطوي على عدد كبير من الضحايا".
وأشارت تقارير منفصلة بحسب موقع NBC News الأمريكي، إلى أن سوق مثل هذه الأعضاء في الصين تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.
وقال رئيس المحكمة، السير جيفري نيس، إنه "لا يوجد دليل على توقف ممارسة [حصاد أعضاء السجناء] والمحكمة مقتنعة بأنها مستمرة".
أعداد العمليات تفوق أعداد المتبرعين!
كما أن هناك الكثير من الأدلة من جماعات حقوق الإنسان والمحققين والخبراء الطبيين التي تشير إلى أن عدد عمليات الزرع في الصين أعلى بكثير مما تدعي الأرقام الرسمية- على الرغم من ادعاءات الصين بأنها "تتبع دائماً المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية بشأن زراعة الأعضاء البشرية".
وقد قدرت تقارير مختلفة بحسب مجلة Forbes للأعمال، عدد عمليات زرع الأعضاء في الصين ما بين 60.000 و100.000 سنوياً.
ومع ذلك ثبت أنه خلال عام 2016، تم الإبلاغ عن 640 عملية زرع في الصين، بالرغم من أنه لم يكن هناك سوى 30 متبرعاً طوعياً مسجلاً.
وهذا يعني أن كل متبرع قد تبرع بما يزيد على 21 عضواً في المتوسط - وهو أمر مستحيل طبياً. في المملكة المتحدة على سبيل المثال، يبلغ متوسط الرقم حوالي ثلاثة أعضاء لكل متبرع.
وفي تصريح لأحد نشطاء الفالون غونغ المسجونين سابقاً لصحيفة The Guardian البريطانية، فإنه "بعد حوالي شهر في مخيمات الاعتقال، تم تقييد أيدي الجميع ووضعهم في شاحنة ونقلهم إلى مستشفى ضخم. وكان ذلك لإجراء فحص جسدي شامل على السجناء وأشعة إكس. في المرة الثالثة في المخيم، سحبوا منا الدم حيث طلبوا منا جميعاً أن نصطف في الممر وأجري الاختبار علينا".
وقد كشفت سيراغول سويتابي كيف أنها اكتشفت ملفات طبية توضح بالتفصيل أنواع دم المحتجزين الإيغور ونتائج اختبارات الكبد لديهم أثناء عملها في معسكر لاعتقال الإيغور ما يشير لتورط السلطات في عمليات تجارة الأعضاء السرية.
كما توصل تقرير للصحفي إيثان جوتمان، إلى منهجية ثابتة من حصاد الأعضاء القسري من الإيغور والأقليات العرقية الأخرى في إقليم شينجيانغ بالصين، بما في ذلك مقابلات الشهود والعثور على محارق جثث عديدة في جميع أنحاء المنطقة.
ومع ذلك، فإن كل هذه الأدلة ظرفية، ولم يتمكن أحد من إثبات أن الأعضاء المزروعة لدى المرضى في الصين مصدرها السجناء.
إلا أن نظرية استغلال المعارضين والأقليات العرقية التي ثبتت مراراً تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن حقوق الإنسان والمواثيق الدولية هي آخر ما يشغل بال السلطات في الصين.