في العام 1982، اجتاح الجيش الإسرائيلي لبنان وضمن حملته لدك العاصمة بيروت، كان من أكثر الضربات تدميراً قنبلة ألقيت على مبنى سكني مكون من 7 طوابق في منطقة الصنايع. سقط وقتها المبنى كلياً، وتوفي 137 شخصاً على الفور، تفجرت أدمغة العديد منهم وفق ما وثقت الصحافة آنذاك. استخدمت إسرائيل في تلك الغارة القنبلة الفراغية.
ومنذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، وردت تقارير عن استخدام الجيش الروسي لهذه القنابل وسط رفض وإدانة من حكومات الغرب، وهذه القنبلة الفراغية التي يخشى الغرب إلقاءها فوق أوكرانيا، ألقتها أمريكا سابقاً فوق العراق وأفغانستان وفيتنام.
تعد القنبلة الفراغية بكافة مستوياتها التدميرية، مثيرة للجدل، لأنها أكثر تدميراً من المتفجرات التقليدية ذات الحجم المماثل، ولها تأثير رهيب على أي شخص يقع في دائرة نصف قطرها للانفجار. ورغم كل التحذيرات فهي ليست محرمة دولياً بعد.
ما هي القنبلة الفراغية؟
تتكون القنبلة الفراغية، التي تسمى أيضاً قنبلة الهباء الجوي أو المتفجرات الهوائية التي تعمل بالوقود، من حاوية وقود ذات شحنتين متفجرتين منفصلتين.
يمكن إطلاقها كصاروخ أو إسقاطها على شكل قنبلة من الطائرات وتنتج بقوى تفجيرية متفاوتة. عندما تصل إلى هدفها، تفتح الشحنة الأولى الحاوية وتنثر خليط الوقود على نطاق واسع على شكل سحابة.
تخترق السحابة أي فتحات أو دفاعات غير مغلقة تماماً، ثم تفجر شحنة ثانية السحابة، مما يؤدي إلى ظهور كرة نارية ضخمة وموجة انفجار ضخمة وفراغ يمتص كل الأوكسجين المحيط.
تدمر هذه القنبلة المباني عن بكرة أبيها، وهي قادرة على تبخير الأجسام البشرية للناس في محيطها القريب، بينما تصيب الناس في المحيط الأبعد بنزيف في أعضائهم الداخلية، وهي إصابات غير مرئية قد تؤدي إلى وفاتهم فيما بعد.
وعلى عكس قنبلة اليورانيوم الذرية التي ألقيت على هيروشيما، مسببة الموت والدمار على الفور من خلال الانفجار المحترق ثم لاحقاً، وبشكل أبطأ، من خلال التسمم الإشعاعي، فإن القنابل الفراغية لا تحرق.
ووفقاً لتقرير نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش HRW العام 2000، والذي يستشهد بدراسات أجرتها المخابرات الدفاعية الأمريكية ووكالات المخابرات المركزية، فإن القنابل الفراغية تقتل أو تصيب بـ 3 طرق:
أولاً: مع موجة الانفجار.
ثانياً: بالحطام المتطاير أو المباني المنهارة.
ثالثاً: بواسطة الرياح القاذفة للجثث على الأرض والهياكل والأشياء الثابتة الأخرى.
آلية القتل
وأضافت المنظمة في توصياتهم أن استخدام هذه القنبلة ضد الأهداف الحية أمر "غير سار"، وشرحت الطريقة:
"إن ما يقتل البشر هو موجة الضغط، والأهم من ذلك، الفراغ الذي يحدث فيمزق الرئتين. وعلاوة على ذلك، فإن تأثير انفجار القنبلة الفراغية داخل الأماكن الضيقة هائل".
تختفي معالم الناس بالقرب من مكان سقوط القنبلة، أما أولئك الموجودين في قطر أبعد قليلاً، فيعانون الإصابات الداخلية، وبالتالي غير المرئية، بما في ذلك انفجار طبلة الأذن وسحق أعضاء الأذن الداخلية، وارتجاج دماغي شديد، وتمزق الرئتين والأعضاء الداخلية، وربما العمى.
ونقلت المنظمة عن وثيقة أخرى لوكالة المخابرات الدفاعية أنه نظراً لأن "موجات الصدمة والضغط تسبب ضرراً طفيفاً في أنسجة المخ.. فمن المحتمل ألا يفقد ضحايا القنبلة الفراغية وعيهم بسبب الانفجار، وبدلاً من ذلك يعانون لعدة ثوانٍ أو دقائق أثناء اختناقهم".
ماذا حصل في بيروت؟
في عام 1982، حاولت إسرائيل عزل وتدمير منظمة التحرير الفلسطينية المتمركزة في بيروت. وعلى مدى 7 أسابيع، تم حصار المدينة حتى لا يتمكن المدنيون من الوصول إلى إمدادات الغذاء أو المياه.
استخدمت إسرائيل القصف العشوائي والأسلحة الكيماوية غير القانونية مثل الفسفور الأبيض في حملتها ضد منظمة التحرير الفلسطينية، بينما وصلت تقديرات القتلى المدنيين في حدود 5500.
ورغم الدمار الهائل الذي تسببت به قنبلة واحدة، شكلت موضع نقاش داخل إسرائيل وخارجها ألقيت في 6 أغسطس/آب 1982.
في الأسبوع الذي تلا التفجير في حي الصنايع، حذر أمين عام حزب العمل آنذاك حاييم بارليف الكنيست بشكل غير مباشر من أن "التطورات العسكرية والسياسية الخطيرة التي حدثت الأسبوع الماضي أضرت بصورة إسرائيل"، وفق ما ورد في جلسة نقاش الكنيست، حسب تقرير The Free Library.
وبينما نقلت بعض التقارير الإعلامية استخدام القنبلة الفراغية، نشرت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية تقريراً للصحافي جون بولوك بعد ثلاثة أيام من القصف على صفحتها الأولى عنوانه: "الإسرائيليون استخدموا القنبلة الفراغية".
وأعقب قصة بولوك دحض موجز من قبل مراسل زميل له جاء فيه جزئياً: "قال متحدث باسم البنتاغون أمس إن القنبلة الفراغية غير موجودة".
وقال صانع الأفلام الوثائقية جان شمعون في شهادته عما حصل: كانت هذه الحادثة الوقت الوحيد خلال الحرب عندما وقفت مشلولاً. عندما ترى رؤوس جثث الناس بارزة من تحت الأنقاض…، جميع الطوابق السبعة مضغوطة في مساحة طابق واحد. 137 شخصاً معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن، كانوا في هذا المبنى. عندما وقفت هناك، سألني المصور، مغمورا، ماذا أفعل؟ فكرت بأني إن لم أصور ما حصل، فإن الوثيقة التاريخية لن تكون موجودة ولن يراها أحد".
هل استخدمت في أماكن أخرى؟
نعم، يعود تاريخ استخدام هذا النوع من القنابل إلى الحرب العالمية الثانية من قبل الجيش الألماني. ولكن، لم يتم تطويرها على نطاق واسع حتى الستينيات، عندما استخدمتها الولايات المتحدة في فيتنام.
كما استخدمتها الولايات المتحدة في أفغانستان. أولاً، في عام 2001 لمحاولة تدمير قوات القاعدة المختبئة في كهوف جبال تورا بورا، وفي الفلوجة، ومجدداً في عام 2017، ضد قوات تنظيم داعش في العراق، حسب موقع Military History الأمريكي.
وأفاد فريق من مشاة البحرية وقتها أنهم تمكنوا من تدمير مبنى كبير من طابق واحد بقنبلة فراغية صغيرة.
وفي الحرب على أفغانستان، استخدمت القوات العسكرية البريطانية قنابل فراغية في صواريخ هيلفاير AGM-114N، التي تحملها مروحيات أباتشي وطائرات بدون طيار ضد حركة طالبان، حسب تقرير لوزراة الدفاع البريطانية.
كما تشير تقارير غير مؤكدة إلى أن القوات العسكرية الروسية استخدمت قنابل فراغية في حرب الشيشان عام 1999.
وتناقلت وسائل الإعلام أخبار استخدام أسلحة حرارية روسية الصنع في الحرب الأهلية السورية من قبل نظام بشار الأسد في حلب والقصير.
أم القنابل وأبو القنابل
رداً على الولايات المتحدة التي طورت قنبلة تعد أقوى سلاح غير نووي وسمتها "أم جميع القنابل"، أعلنت روسيا العام 2007 عن تطويرها أكبر سلاح حراري فراغي على الإطلاق، وسمَّت القنبلة "أبا جميع القنابل".
تحتوي القنبلة على شحنة تبلغ 6400 كجم من وقود سائل مثل أكسيد الإيثيلين، ممزوجاً بجسيم نانوي نشط مثل الألومنيوم، ويحيط بمفجر شديد الانفجار، والذي يتسبب بانفجار يعادل 11000 كجم من مادة تي إن تي.
هل استخدمتها روسيا في أوكرانيا؟
اتهمت أوكسانا ماركاروفا، سفيرة أوكرانيا لدى الولايات المتحدة، روسيا باستخدام قنبلة فراغية، ومع ذلك، لم يكن هناك تأكيد رسمي لهذا الادعاء.
كما تم الإبلاغ عن مشاهدات لمنصات إطلاق صواريخ حرارية في أوكرانيا.