تبلغ ميزانية وكالة ناسا نحو 20 مليار دولار سنوياً، وهذا المبلغ لا يعتبر ضخماً إذا أخذنا بالاعتبار الفوائد التي يجنيها كوكب الأرض من استكشاف الفضاء.
فضلاً عن أن استكشافنا للكون يعتبر الخطوة التالية في مسار تطور الجنس البشري، لهذه الاستكشافات أيضاً آثار إيجابية تنعكس على حياتنا بشكل مباشر، إليكم 6 من أبرزها:
1. تكنولوجيا متطورة
هل تعلم أن التقنية الرخيصة سهلة الاستخدام والمنتشرة الآن في معظم دول العالم للحصول على مياه شرب نقية، قد تم تطويرها انطلاقاً من حاجة وكالة "ناسا" الفضائية الأمريكية لتنقية المياه في الفضاء؟
كانت الوكالة تبحث عن وسائل جديدة لتنقية المياه غير الوسائل المنتشرة التي تتميز بتكلفتها العالية وصعوبة استخدامها في حيز صغير مثل المركبة الفضائية، لذلك طورت ناسا تقنيات جديدة لم تقتصر على الاستخدام في الفضاء فحسب، بل انتشرت أيضاً في الدول التي يعاني سكانها من الحصول على مياه نظيفة للشرب أو الطبخ.
كذلك، أصبح الطعام أكثر أماناً بفضل وكالة "ناسا"، إذ حافظ نظام تحليل المخاطر ونقطة التحكم الحرجة (HACCP) الذي طوّرته شركة "بيلسبري" لصالح الوكالة، على إبقاء التلوث بعيداً عن الطعام المعبأ على متن المركبات الفضائية.
وتستخدم الآن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية هذه التقنيات نفسها لإبعاد الميكروبات الخطيرة عن الطعام قبل شحنه إلى المتاجر.
قد يحدث أيضاً توظيف ما للخلايا الشمسية وتكنولوجيا العزل المطوّرة لصالح المركبات الفضائية والوجود البشري المستقبلي خارج حدود كوكبنا حتى يتسنى استخدامها داخل كوكب الأرض، ما يقلل اعتمادنا على الوقود الأحفوري ويحد من التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية المُهدّدة للحياة على الأرض.
2. حل مشكلات المناخ
كانت إحدى المشكلات المُلحّة التي واجهت رواد فضاء مهمة "أبوللو 13" هي التخوّف من أنَّ تراكم ثاني أكسيد الكربون الناتج عن تنفُّسهم في كبسولة القيادة قد يؤدي إلى اختناقهم وموتهم.
من هنا، برزت ضرورة تصميم أنظمة قادرة على إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي للمحطات الفضائية، وهذا ما عمل عليه العلماء بالفعل.
ويمكن إعادة توظيف التقنية نفسها التي استخدمها رواد فضاء "أبوللو 13″، لتقليل الضرر الذي يلحق حالياً بالغلاف الجوي للأرض.
ستستمر الأوضاع المناخية على كوكب الأرض في التدهور لعقود مقبلة حتى لو توقفنا غداً عن ضخ ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. ويأمل العلماء أن يتمكنوا من عكس التأثيرات السلبية لتغير المناخ، عن طريق إزالة الغازات الدفيئة من الغلاف الجوي للأرض، وتُقدّم تكنولوجيا استكشاف الفضاء بعض أفضل السبل لتطوير وسائل تنفيذ هذه المهمة الضخمة.
على صعيد آخر، تتطلب المعركة العالمية ضد تغير المناخ مراقبة مستمرة للطقس والاتجاهات المناخية والأحداث الكونية واسعة النطاق مثل الانفجارات البركانية. ولا يستطيع الباحثون جمع هذه البيانات إلا بالأقمار الصناعية فوق كوكبنا.
3. مساهمة في حل أزمة المياه
بالنسبة للمياه، تعاني أجزاء كثيرة من العالم من نقص المياه. وقد يؤدي الاحترار العالمي على مدى العقود المقبلة، إلى فقدان كامل لمياه الشرب العذبة في جنوب فلوريدا.
قد يصبح نقص المياه كذلك سبباً رئيسياً لاندلاع حروب في العقود القريبة المقبلة. إذ شهدت الهند اضطرابات كبيرة في عام 2016، بسبب نقص المياه، وحدثت مظاهرات مماثلة في إيران للسبب ذاته.
قد يؤدي انعدام الأمن المرتبط بالمياه إلى تفاقم التوترات داخل الدول وفيما بينها. يمكن أيضاً استخدام هذا المورد الحيوي سلاحاً، بحيث تستغله بعض الدول لتحقيق أهدافها من خلال السيطرة على سبل الوصول إلى المياه أو تدميرها أو إعادة توجيهها.
لكن، يطوّر حالياً الباحثون، الذين يصمّمون أنظمة مائية للرحلات الفضائية والمنازل الأولى للبشر على سطح كواكب أخرى، أنظمة ثورية لتنظيف المياه ومعالجتها وإعادة تدويرها، وتمتلك هذه التكنولوجيا المستقبلية اللازمة لتنفيذ هذه الأنظمة القدرة على إحداث ثورة في كيفية دعم الحياة على كوكب الأرض عن طريق توفير مزيد من المياه.
4. حل اللغز الذي حيّر البشرية
منذ ما يقرب من 250 ألف عام مضت (أي قبل ألف قرن من بداية العصر الجليدي الأخير)، جلس البشر القدامى على السهول الإفريقية، رافعين رؤوسهم إلى أعلى نحو السماء يُحدّقون في النجوم الساطعة بسماء الليل.
ربما تساءل كثيرون منهم عن ماهية هذه النجوم وإلى أي مدى تبعد عن الأرض.
اليوم، وبفضل تطور علوم الفضاء، أصبحت أجوبة هذه الأسئلة متاحة للجميع، كذلك نحن قريبون جداً من الحصول على إجابة لواحد من أهم الأسئلة التي شغلت بال البشر منذ القدم : هل نحن وحدنا في الكون؟
سيتمكَّن تلسكوب جيمس ويب الفضائي قريباً من دراسة الغلاف الجوي للكواكب الغريبة بتفاصيل غير مسبوقة.
وقد تكشف هذه الدراسات لأول مرة عن آثار ودلالات تؤكد -أو تنفي- وجود حياة في عوالم أخرى، لتنطلق بذلك باكورة عصر جديد من فهمنا للكون.
5. آفاق جديدة للجنس البشري
تواجه الأرض العديد من التهديدات، سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان. كذلك، يمكن للكويكبات أو المذنبات أن تضرب كوكب الأرض في أي وقت.
وقد تؤدي الكوارث الطبيعية الأخرى -مثل البراكين الهائلة والأعاصير والزلازل- أيضاً إلى إلحاق الدمار بجميع مناطق العالم. وقد تستمر التغيرات البيئية الناجمة عن تلك الكوارث على مدى عقود.
إضافة إلى ذلك، فإنَّ جنسنا البشري ليس محصناً من الزعماء السياسيين الذين قد يقررون استخدام الأسلحة النووية المدمرة في أي وقت.
وقد يؤدي الفشل في التكيّف مع التحديات العالمية الأخرى التي تواجه جنسنا البشري -وضمن ذلك تغير المناخ العالمي- إلى تعريض الحياة على هذا الكوكب للخطر من خلال فقدان التنوع البيولوجي أو التغيرات الجيولوجية التي يفرضها تغير المناخ.
لذا، يعتبر توفير أماكن إقامة بديلة دائمة للبشر في الفضاء الأملَ الوحيد لنا في حماية مستقبل جنسنا البشري من الدمار. طبعاً يبدو ذلك حلماً لا يزال بعيد المنال في الوقت الحالي، لكننا نعلم على الأقل أنه لم يعد مستحيلاً كما كان في السابق.
6. نظرة مختلفة للعالم
يتحدث معظم أولئك المحظوظين الذين سافروا إلى الفضاء عن شعورهم الغامر بالانتماء إلى "كوكب الأرض" بدلاً من الانتماء إلى دولة بعينها، وفقاً لما ورد في موقع The Next Web الهولندي.
ويجادل كثيرون بأن العالم قد يصبح مكاناً مختلفاً تماماً بمجرد أنَّ يُجرّب عدد كافٍ من الناس، لاسيما قادة العالم، ذلك الشعور الذي راود سكان الفضاء.
عندما يشاهد الشخص كوكب الأرض من بعيد، يدرك على الفور حقيقة أنَّ هذا الكوكب الذي يحتضن الجنس البشري مجرد كرة صغيرة هشة معلقة في الفضاء. وتختفي مع هذا الشعور الحدود الوطنية والنزعات القومية وتصبح إرادة التكاتف من أجل حماية هذا الكوكب واضحة وضرورية.