تُعد تجارة الأعضاء البشرية تجارة عالمية غير مشروعة تحقق الملايين من الدولارات سنوياً، وهي شكل من أشكال الاتجار بالبشر، بسبب طبيعتها المعقدة والسرية وغير القانونية.
يربح تجار الأعضاء في الخفاء من تلك المهنة، في حين أن "بصمتهم الطبية المدمرة" هي الشيء الوحيد الذي يمكن توثيق التجارة من خلاله.
وذلك لأن تلك العمليات غالباً ما تترك معظم ضحاياها الذين يُسمون بـ"المانحين" فريسة كثير من المخاطر الصحية.
كما قد يصاب "المُتلقُّون" الذين يحصلون على تلك الأعضاء في نهاية المطاف، ببعض المخاطر الصحية بدورهم، فيكونون عرضة للاستغلال المادي الشديد والعواقب الصحية التي قد تستمرّ مدى الحياة.
في البداية، ما التعريف الرسمي للاتجار بالأعضاء؟
وفقاً لمجلة Acams Today الأمريكية، تنطوي تجارة حصد وزراعة الأعضاء على عملية "شراء" الأعضاء البشرية أو "بيعها" أو تحويلها إلى سلع عبر سماسرة ووسطاء يتحكمون في التجارة.
وهي تجارة مُحرمة يُعترف بها كجريمة خطيرة في الغالبية العظمى من بلدان العالم، باستثناءٍ وحيد فقط: إيران، التي قننت تلك التجارة ووضعت لها بعض القوانين والأسانيد لضبطها، بحسب صحيفة The Guardian البريطانية.
ومن بين تلك الضوابط أن المانحين يحصلون على مقابل مادي من المشتري والدولة معاً، ويتم حصر المتلقين على قوائم الانتظار أيضاً. ومع ذلك، يتم توجيه اتهامات عديدة لهذه التشريعات في إيران بأنها تستغل حاجة الفقراء لكن بشكل قانوني، وفقاً للصحيفة.
وبشكلٍ عمليّ، يتضمن مصطلح تجارة الأعضاء مجموعة واسعة من السلوكيات. وتشمل أكثر الحالات وحشيةً الاتجار بالبشر حتى يتم استئصال أعضائهم لاحقاً.
في تلك الحالة، قد يتم احتجاز الضحايا رغم إرادتهم بعد اختطافهم، وإجبارهم على الخضوع لفحوصاتٍ طبية وإجراء الجراحة في نهاية المطاف دون موافقتهم، بحسب ورقة بحثية بعنوان "الحركة العالمية في الأعضاء البشرية" نشرتها مجلة جامعة شيكاغو الأمريكية.
أما النوع الأكثر شيوعاً لتلك الظاهرة فهو "سياحة الأعضاء"، وهو مصطلح وضعته منظمة الصحة العالمية (WHO)، وفيها يسافر المرضى إلى دولٍ محددة لإجراء عمليات زرع غير مشروعة نظير مبالغ مالية عادةً ما تكون ضخمة.
ومع تنامي الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي في الإعلان والترويج، أصبح الانتشار العالمي لوسائل التواصل الاجتماعي من السهل بشكل متزايد عرض الأعضاء للبيع عبر الإنترنت.
الفقر والاضطهاد السياسي يساهمان في تنشيط تلك التجارة
تشتهر بعض الدول، بشكل خاص، بأنها أسواق غنية بالمتبرعين المانحين مقابل مبالغ مالية؛ نظراً إلى الحالات الاقتصادية المتردية، ومن بينها دول شرق آسيا مثل الهند، أو بعض الدول العربية مثل مصر، وفقاً لصحيفة The Guardian.
في حين يُعتقَد أنّ المستشفيات في الصين مثلاً تحصد ما يصل إلى 11 ألف عضو من السجناء السياسيين كل عام، في شكلٍ آخر من أشكال تجارة الأعضاء بالإكراه، لكن بالطبع لا توجد معلومات رسمية دقيقة عن الأمر.
الطب الحديث والتطور العلمي عملا بدورهما على زيادة معدل نجاح عمليات زرع الأعضاء بشكل كبير خلال العقود الأخيرة، بحسب Acams Today.
ومع ذلك، غالباً ما يخشى المرضى ما إذا كانوا سيحصلون على عضو في الوقت المناسب عند إدراجهم في قوائم زراعة الأعضاء الطويلة بشكل قانوني في دول العالم المختلفة. نتيجة لذلك، يساهم عدم اليقين في النمو السريع لتجارة الأعضاء.
وتشير التقديرات بحسب مجلة The Observer الأمريكية، إلى أن أكثر من 100 ألف شخص على مستوى العالم يضافون إلى قائمة الانتظار لعمليات زرع الأعضاء على أساس سنوي. ويموت 50% من هذا الإجمالي في المتوسط قبل تلقي العضو الذي ينقذ حياتهم.
ولأن الطلب على الأجزاء البشرية يتجاوز العرض بكثير، يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ما يقدَّر بنحو 200 مليون "منتج غير قانوني" مشتق من جسم الإنسان يُباع سنوياً في الأسواق السوداء.
وهذه الممارسة شائعة بشكل خاص في الهند، حيث يُقدر أن 2000 هندي يبيعون كُلَاهم سنوياً لأغراضٍ مالية، بسبب الفقر الشديد.
أنواع تجارة الأعضاء والمشتري المُحتمل
يتم "حصد" الأعضاء المراد زرعها من مَصدرين: المتبرعين المتوفِّين والمتبرعين الأحياء التجاريين سواءً بإرادتهم أو بطرقٍ إجرامية مثل الاختطاف والاتجار بالبشر.
وعادةً ما يندرج المتبرِّعون الموتى والأحياء بشكل قانوني في الدول التي تسن زرع الأعضاء لأغراضٍ طبية وصحية، تحت لوائح مهنية وأخلاقية وقانونية؛ لكي تحكم "المنتج".
على العكس من ذلك، فإن السوق السوداء غير المنظمة هي ما يؤدي إلى استغلال الأفراد الضعفاء من أجل تحقيق الربح المادي.
أما بالنسبة للـ"مُنتج"، فإنه من الممكن بيع أعضاء وأنسجة معينة دون التقليل بشكل كبير من جودة حياة المتبرعين، مثل بيع الشعر أو الدم أو الحمض النووي.
بينما البعض الآخر، مثل التبرُّع بالقلب والكلى وأجزاء من الكبد، قد يؤدي "حصادها" و"زراعتها" إلى تشوه دائم أو عجز أو حتى قد تؤدي إلى الموت.
مخاطر تجارة الأعضاء تقع على "المانحين" و"المستقبِلين"
في "إعلان إسطنبول" الذي نُشر عام 2008، والذي أقرته منظمات زرع الأعضاء الطبية القانونية من جميع أنحاء العالم، ونشرته مجلة NDT لغسيل وزراعة الكلى الطبية، نصت مادة الإعلان على أن الاتجار وسياحة زرع الأعضاء "ينتهكان مبادئ الإنصاف والعدالة واحترام كرامة الإنسان، ويجب حظرهما".
كما أنّ هناك نقاشاً أكاديمياً مستمراً حول أخلاقيات تجارة زرع الأعضاء، ولكن عدم شرعيتها منصوص عليها بوضوح في قوانين معظم البلدان.
وفي حالة تقنين زرع الأعضاء في دولة ما بشكل رسمي، مثلما في أمريكا مثلاً، يتم الأمر وفقاً لمقاييس طبية في المقام الأول بعد قرارات من لجان متخصصة، وتكون من متبرعين أو مانحين وقَّعوا مواثيق للتبرع بأعضائهم بعد وفاتهم.
وبحسب مجلة Cambridge العلمية، يتم في تلك الحالة اختيار المرشحين وفقاً لأعمار وصحة كل من المانح والمتلقي، ومعدلات النجاح المتوقع للعملية، واستعداد جسم المانح لاستقبال العضو الجديد دون تلفه.
ويتكفَّل المتلقّي في تلك الحالة فقط بتكاليف إجراء العملية، وتبعات الرعاية الصحية لحين استقرار وضعه، لا أن يدفع مقابل حصوله على العضو من المانح.
معدلات تجارة الأعضاء العالمية
بالنظر إلى صعوبة تحديد حجم تلك التجارة وقياس معدلاتها العالمية سنوياً؛ نظراً إلى كون معظم تعاملاتها تتم في الخفاء، تشير التقديرات إلى أن ما بين 5 و10% من عمليات زرع الأعضاء في جميع أنحاء العالم تنطوي على تحويلات مالية نظير الحصول على العضو المطلوب.
على سبيل المثال، تشير أرقام رسمية أعلنتها هيئة الصحة الوطنية NHS في المملكة المتحدة عام 2017، إلى أن ما يقرب من 400 مريض بريطاني على أقل تقدير خضعوا لعملية زرع عضو بالخارج في السنوات الـ16 الماضية.
وعلى الرغم من أن بعض هذه الحالات قد تكون قانونية، فإنه يُعتقد أنه قد تم فيها دفع رشاوى مالية للحصول على القبول وفرصة الحصول على تلك الأعضاء.
وبحسب "قانون الأنسجة البشرية" البريطاني لعام 2004 لتشريع الحصول على تبرعات بشرية للمرضى، فإن تقديم الرشوة للحصول على تفضيل في قائمة الانتظار للمتلقين في أي دولة يجعل هذا السلوك غير قانوني بشكل لا لبس فيه.
صحيح أنه عادةً ما تكون الأعضاء البشرية محدودة العرض في مقابل أعداد الراغبين في الحصول على عضو جديد، لذلك قد يميل المرضى المدرجون على قوائم الانتظار الطويلة إلى دفع ثمن عضو في الخارج والحصول عليه بطرق غير مشروعة.
لكن عندما يعود هؤلاء المرضى إلى دولهم، عادةً ما يحتاجون للحصول على رعاية طبية متخصصة في متابعة الحالة إلى حين استقرارها؛ لكيلا يرفض الجسم العضو الجديد ويتعرض لمضاعفات خطيرة.
ومع ذلك، يميل الأطباء ومقدمو الرعاية إلى أن يتجنبوا التبليغ عن تلك الحالات؛ لكيلا يتورطوا في مساءلات قانونية، أو لحماية مرضاهم من الملاحقة القانونية، وهو أحد العوامل الأخرى التي تجعل تتبع معدلات تجارة الأعضاء العالمية صعبة التدقيق.
محاولات للحد من تنامي تلك التجارة لكن دون جدوى
وعلى الرغم من أن العديد من البلدان، سواء المصدرة أو المستوردة للأعضاء، حاولت الحد من تجارة الأعضاء الاستغلالية من خلال قوانين وتشريعات مختلفة، فإن الافتقار إلى التعاون العالمي حال دون حدوث تقدُّم كبير.
ومع ذلك، من الواضح أن النمو السريع للسوق السوداء في تجارة الأعضاء يستغل الفقراء بطريقة منهكة وممنهجة، حيث يتم تقويض حقوق الإنسان للمانحين التجاريين، بسبب إمكانات الأرباح الهائلة، بحسب مجلة The Observer.
الدافع الأساسي للتبرع بالأعضاء هو الفقر، ومع ذلك فإن الفائدة الاقتصادية المتصورة بعد التبرع تقلُّ، بسبب محدودية قابلية المريض للتوظيف والعيش بكفاءة وإعالة أسرته، بسبب تدهور صحته.
وبدون تدخُّل أو وضع حل جذري لتلك الجريمة الممنهجة، ستستمر جماعات الجريمة المنظمة في الاستفادة من الأعمال التجارية التي تتعدى مجرد استغلال الفقراء الذين يعانون من الفقر المدقع.
بل يتورطون أيضاً في التلاعب بالمرضى اليائسين الراغبين في الحصول على فرصة للعيش بشكل طبيعي والمستعدين لإنفاق المال من أجل تحقيق ذلك، حتى وإن كان بطريقة غير مشروعة.