يعتقد الكثير من الناس أن تناول المسكنات هو الحل الوحيد لأي مشكلة صحية تقريباً. حتى أن الأطباء والمتخصصين أصبحوا يصفون مسكنات الألم لمرضاهم في عصرنا الحالي أكثر من أي وقت مضى.
على سبيل المثال، يكتبون ثلاثة أضعاف عدد الوصفات الطبية لمسكنات الأفيونيات التي نصحوا بها المرضى أكثر مما كانوا يفعلون قبل عام 2000، وفقاً للمركز الأمريكي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC).
ويُعد الألم المزمن مشكلة كبيرة تؤثر على ملايين البشر سنوياً من حول العالم، وهذا يضع الأطباء الذين يعالجون الألم في موقف صعب. إذ تأتي مسكنات الألم الأفيونية مع آثار جانبية كبيرة، بما في ذلك التشوش الذهني والغثيان واحتمالية الإصابة بالاكتئاب التنفُّسي الذي يمكن أن يتسبب في الوفاة.
ولكن على رأس تلك المشكلات أن يقوم الجسم بتطوير الاعتماد الجسدي على المسكن، وهو الأمر الذي يجعلها غير مُجدية مع الألم في مرحلة معينة، بل وحتى يجعل الجسم أكثر حساسية للشعور بالألم، ما يدخله في حلقة مفرغة.
لماذا تفقد مسكنات الألم قدرتها مع الاستخدام المستمر؟
إذا كنت ممن يتناولون المسكنات كلما شعرت بصداع خفيف أو بشكلة ما لا تستطيع تفسيرها، فأنت على الأرجح قد تساءلت مراراً: ما الذي يحدث بالضبط عندما لا يتمكن الدواء من تسكين ألمك؟
على الأغلب، لا تكون تلك المشكلة نابعة من مصدر أساسي واحد، إذ إن هناك الكثير من العوامل التي تسهم في جعل مسكنات الألم غير مجدية مع الوقت.
عادةً ما يعمل الطبيب المتخصص على معرفة السبب، ومن هناك يضع خطة جديدة للتعامل مع المشكلة الأساسية.
وتتضمن بعض الأسباب التي قد تجعل المسكن لا يعمل بأفضل شكل ما يلي بحسب موقع EveryDayHealth:
- إذا كنت لا تتناول الأدوية بشكل صحيح أو ربما تتناول أدوية أخرى تتعارض معها، فقد تتوقف مسكنات الألم عن العمل وتصبح غير مجدية.
- تعمل بعض نوعيات تسكين الآلام بشكل أفضل عند تناولها في أوقات معينة من اليوم أو مع مراعاة تناولها مع وجبات الطعام.
- قد تتفاعل أدوية أخرى أيضاً مع المسكن عند تناوله، ما قد يغير طريقة عمله في جسمك. ويمكن أن يتفاعل الدواء مع عناصر أخرى إلى جانب المسكنات، مثل الفيتامينات أو المنتجات العشبية الصحية أو المكملات الغذائية.
- ربما كنت تعتمد نظاماً غذائياً غير متناسب مع تناول مسكنات الألم. قد لا تعرف هذا من قبل، ولكن بعض الأطعمة يمكنها أيضاً أن تتفاعل مع أدويتك.
وبحسب موقع Oxford University Press، يمكن أن تؤثر هذه الأطعمة على كيفية استهلاك جسمك للمسكنات أو كيفية عمل الدواء للسيطرة على حالتك. قد تكون لديك حالات طبية أخرى تؤثر على طريقة عمل أدويتك.
- يمكن أن تؤدي المشكلات الهرمونية أو ضعف التمثيل الغذائي أو قلة النوم أو ارتفاع ضغط الدم أو أمراض المعدة إلى تغيير تأثير المسكنات الخاصة بك.
ويمكن لبعض هذه الحالات تغيير مدى فاعلية الدواء، لذلك من المهم الإفصاح عن حالاتك الأخرى لطبيبك أو الصيدلي ليساعدك في الحصول على المسكن المناسب لألمك وأسبابه، وما الطريقة الأمثل للتعامل.
الجسم يطور حالة من المقاومة لمسكنات الألم
تحدث مقاومة الدواء، أو مناعة المسكنات عندما يعتاد الجسمُ الدواءَ، بحيث تكون هناك حاجة إلى مزيد من الأدوية لإعطاء التأثير المطلوب، أو الحاجة إلى نوع مسكنات مختلف.
واعتماداً على الدواء، يمكن أن يتطور هذا النوع من المقاومة بشكل حاد على مدار أيام، أو بشكل مزمن، على مدار عدد من الأسابيع أو الأشهر أو السنوات حسب الاستهلاك.
وبحسب موقع Very Well Mind للصحة والطب، هناك العديد من الآليات الكامنة وراء مقاومة مسكنات الألم، بما في ذلك التغييرات في التمثيل الغذائي للدواء أو التغيرات الخلوية أو التأثيرات السلوكية للجسم.
من المهم أن نفهم أن المقاومة تلك لا تعني أن الشخص بدأ الإدمان على المسكن. ولكن في حالة إساءة استخدام المسكنات وتناولها بإفراط، فإن المقاومة يمكنها بالفعل أن تؤدي لمشاكل الإدمان مع الوقت.
ما الفارق بين تسامح الجسم مع المسكنات مقابل المقاومة؟
يُعرَّف التسامح مع المسكنات بأنه التأثير المتناقص لدواء بعد تناوله بشكل متكرر بجرعة معينة. وغالباً ما تكون استجابة تكيفية طبيعية للأدوية المستهلكة عبر الفم، بحيث يحاول الجسم الحفاظ على التوازن.
يمكن أن يختلف التسامح مع المسكنات من شخص إلى آخر، وهي تتأثر مع الأدوية الأخرى التي يتناولها الشخص، ومع الحالات الطبية الكامنة الموجودة.
وبحسب EveryDayHealth، يتطور التحمّل أيضاً بمعدلات مختلفة، وفقاً للتأثيرات المختلفة للدواء.
على سبيل المثال، مع المواد الأفيونية، قد يتطور لدى الأشخاص تحمُّل أكبر للنشوة التي يسببها العقار أكثر من اكتئاب الجهاز التنفسي الذي يسببه العقار.
الأعراض مقابل الآثار الجانبية
قد يكون التحمّل نتيجة سلبية، على سبيل المثال، عندما يفقد المسكن فاعليته بمرور الوقت، ولكن يمكن أن يكون إيجابياً أيضاً، مثلما يحدث عندما يتطور التحمّل إلى آثار جانبية مثل الغثيان أو التعب والإعياء الجسدي العام.
وفي بعض الحالات يحدث عكس المقاومة، وهو حالة من التحسس للدواء، ويصبح الدواء أكثر فاعلية مع الاستخدام المتكرر.
التسامح مقابل المقاومة
وتختلف المقاومة عن التسامح مع الأدوية، إذ تعني المقاومة مثل التي يطورها الجسم مع المضادات الحيوية أو أدوية السرطان مثلاً، وهي تحدث لأن البكتيريا أو الخلايا السرطانية تصنع المواد التي تؤدي إلى عدم فاعلية الدواء.
تناول مسكنات الألم وفقاً لنوع الألم وأسبابه
يقول بيري فاين، الطبيب الأمريكي المتخصص في الآلام بجامعة يوتا، لموقع WebMD، إن كسر الساق مثلاً، والألم الحاد الذي يسببه، يمكن علاجه بسرعة نسبياً في كثير من الأحيان.
لكن الألم المزمن أقرب إلى المشاكل الأكبر مثل مرض السكري أو السرطان المتقدم أو الصداع النصفي المزمن، وهي المشاكل الصحية شديدة الألم التي لا يمكن "حلها" بسرعة أو بسهولة.
الهدف عند علاج الألم المزمن ليس بالضرورة أن يكون التخلُّص التام من الألم. بدلاً من ذلك، غالباً ما يكون الهدف هو تحسين نوعية الحياة وإدارة الألم بمستوى مقبول.
وللوقوف على مثل تلك الأزمة، قد يقوم الشخص وطبيبه بالتالي:
- الأدوية التي تعالج الألم من زوايا مختلفة. على سبيل المثال، يمكن أن تساعد مضادات الاكتئاب في "تهدئة" الجهاز العصبي وجعله أقل حساسية للألم، ما يجعلها عقاقير فعالة أيضاً في أنواع معينة من آلام الأعصاب والتهاباتها.
- كما قد ينصح الطبيب أو الصيدلي بحقن مخدر أو منشطات عينة في المناطق المصابة بالألم المبرح الذي لا يجدي معه المسكنات عن طريق الفم، مثل آلام تمزُّق والتهاب العضلات.
- وكخيار أخير، قد يلجأ الطبيب لإجراء عملية جراحية لعلاج مصدر الألم. وهذا يشمل استبدال المفاصل، وإصلاح الأقراص التالفة في العمود الفقري، أو تخفيف الضغط عن الغضاريف أو الأعصاب المضغوطة وغيرها.
تغيير مفهومك عن مسكنات الألم والشعور بالتأثير
معظم الأشخاص الذين يعانون من الألم المزمن لسبب أو لآخر لا يتم "شفاؤهم" بشكل تام مما يعانون منه، وهذا أمر يصعب التعامل معه، بحسب EveryDayHealth.
تقول الطبيبة النفسية الأمريكية بيفرلي ثورن، إن مجتمعاتنا أصبحت تتعامل بشكل خاطئ مع الألم. وهو أنه ما دمت تشعر بأي درجة من درجات الألم فأنت بحاجة لتناول مسكنات الألم للتخلُّص من الشعور في أقرب فرصة.
وهذا سلوك خاطئ وخطير قادر على إصابة الناس بحالات من مقاومة العقاقير وحتى مشاكل الإدمان. ونظراً لأنها تعمل مع الأشخاص الذين يعانون من آلام مزمنة لمساعدتهم على إيجاد طرق جديدة للتفكير في الأمر. تقول إنه يمكن للدماغ أن يكون حليفاً قوياً – أو عدواً – أثناء الألم المزمن.
وذلك يحدث عادة بسبب تركيز عقلك على إشارات الألم القادمة من جسمك وتضخيمها. تلعب أفكارك وعواطفك دوراً في هذا العملية. إذ يمكن للدماغ أن يثبط قوة إشارات الألم هذه أو يزيدها ، كما صرحت لموقع WebMD.
وبمرور الوقت، يمكن أن يصبح الدماغ أكثر حساسية للألم المزمن. كما قد يبالغ في رد فعله حتى مع إشارات الألم الأقل حدة.
وتضيف أن العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، هو نهج يُستخدم مع المرضى لعلاج المشاكل السلوكية وأيضاً الجسدية المتعلقة باستقبال إشارات الألم. ومن خلاله تقوم بتغيير أفكار المصابين المتعلقة بحساسيتهم للأوجاع المختلفة.
مثلاً، إذا رددت على نفسك "لا يمكنني تحمّل هذا بعد الآن، فهذا يدمر حياتي"، يمكن أن يزيد ذلك من شعورك بالألم وتثبيط قدرتك على احتماله.
كذلك تتضمن السيطرة على الألم ملاحظة الحديث السلبي عن النفس واستبدال هذه الأفكار بخيارات واقعية وإيجابية، مثل التركيز على الأجزاء الجيدة من حياتك.
تغيير السلوك الفوري عند الشعور بالألم المزمن يؤثر على احتمالك
تغيير السلوكيات عند الشعور بالألم أيضاً له دور كبير في مساعدتك على مكابدته. تقول ثورن: "عندما يكون لديهم ألم شديد، عادةً ما يذهب الناس إلى الفراش ويسحبون الأغطية فوق رؤوسهم، وينسحبون من العالم".
مضيفة لموقع WebMD: "هذا يجعلهم أكثر عرضة للألم، ويمكن أن يجعلهم مكتئبين وأكثر انتباهاً وتضخيماً لأوجاعهم".
لذلك عند المعاناة من الألم، بدلًا من رد الفعل الذي يجذب انتباهك لشعورك، فإن اليقظة تتضمن ملاحظة الألم بموقف محايد والتركيز فيه وكأنه أمر يحدث خارج الجسم. عندما يكون رد الفعل هذا موجوداً بطريقة محايدة بهذا الشكل، يكون الألم أسهل في التعامل معه.
وما أن يبدأ الناس في إدراك أن هناك الكثير من التباين في آلامهم باختلاف نمط السلوك والتفكير، فإنهم يدركون أنهم في بعض الأحيان لا يعانون من الألم بهذا السوء، وحتى لا يحتاجون في النهاية إلى تناول مسكنات الألم.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.