في أواخر يناير/كانون الثاني 2022، رصدت شبكة فوكس نيوز الأمريكية الرئيس جو بايدن وهو يشتم صحفياً بعد سؤاله عن حالة التضخم التي تشهدها البلاد بسبب سياسات واشنطن.
لم يعلم بايدن أن ميكروفونه ما زال يعمل، فقال: "إنه قيمة عظيمة، مزيد من التضخم، يا له من ابن عاهرة غبي!".
الكلمات البذيئة التي خرجت من فم بايدن، الذي اعتذر لاحقاً من الصحفي، انتشرت على الفور في شتى وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية التي نقلت لأول مرة، زلة لسان بذيئة عن الرئيس. لكن بايدن ليس الرئيس ولا السياسي الأول الذي يسمح لنفسه باستخدام هذه المفردات في أروقة السياسة الخفية أو حتى علناً.
زلة ماكرون
مجلة Foreign Policy نشرت قبل أيام من حادثة بايدن، أحداث اجتماع جمع بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وكبار قادته في قصر الإليزيه لعدة ساعات، بهدف مناقشة تطورات متحور فيروس كورونا أوميكرون.
وللتعبير عن رأيه بأن 8% من الفرنسيين مازالوا يرفضون تلقي لقاح كورونا، وصفهم ماكرون بكلمات مشينة، جاءت ترجمتها على الشكل التالي: "أنا لست هنا لأُغضب الفرنسيين، ولكن غير الملقحين أريد حقاً أن أتغوط عليهم".
جملة ماكرون تحولت لمثار جدال بين اللغويين الذين انقسموا بين من اعتبرها تعابير عامية شائعة ومستخدمة بكثرة للتعبير عن حالة غضب، ومن رفض استخدامها لبذاءتها، خاصة على مستوى القيادات، وتحديداً معارضيه الذين استغلوا الفرصة لمهاجمة ماكرون وانتقاد اختياره للكلمات.
دونالد ترامب يشتم الديمقراطيين
وقبل بايدن وماكرون، سجل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، صولات وجولات من التعابير والكلمات المسيئة التي عج بها موقع تويتر.
في تغريدة له على سبيل المثال، وصف تحرّك الديمقراطيين لعزله من البيت الأبيض بأنه "مضيعة لوقت وطاقة الجميع على فضلات الثيران". ودونت صحيفة Washington Post عنه في أحد الخطابات استخدامه للكلمة 5 مرات لوصف إجراءات العزل.
كامالا هاريس تشتم ترامب
وكان السباق الانتخابي المحموم بين ترامب وبايدن دفع بانحدار مستوى اللغة والألفاظ حتى على صفحات المجلات.
وقالت نائبة الرئيس كامالا هاريس، في لقائها على مجلة Time: "هذا الرجل داس تماماً على سيادة القانون، وتجنب التبعات والمساءلة بموجب القانون. أما لكل الأشخاص الذين جعلوني أتحمل القاذورات لكوني مدّعية عامة، فأعتقد أنه يجب أن تكون هناك مساءلة ونتائج".
بوتين يرد على إهانة بايدن
في العام 2021، وبعد تسلم بايدن منصبه بعد شهور، رد بايدن على سؤال أحد الصحفيين عما إذا كان يعتقد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قاتلاً فأجاب بـ"نعم".
إلا أن بوتين لم يدع الأمر في حال سبيله، وفي مقابلة إعلامية للرد على هذا الوصف قال بوتين: "القاتل هو من يصف الآخر بذلك، دائماً نرى مواصفاتنا في شخص آخر ونعتقد أنه مثلنا"، حسب موقع Bloomberg.
ورغم أن بوتين أقر قانوناً يحظر استخدام الكلمات النابية في الفن الروسي عام 2014، فإن تقارير عديدة أشارت إلى طريقته في استفزاز نظرائه من الرؤساء بطرقه الخشنة.
في عام 2020، على سبيل المثال، استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بوتين، بعد أسبوع من مقتل 34 جندياً تركيّاً في قصف جوي بإدلب شمال غربي سوريا.
أبقى بوتين أردوغان منتظراً لفترة طويلة، ثم جلسه وإياه تحت ساعة ذهبية فوقها إطار للإمبراطورة كاثرين الثانية التي انتزعت شبه جزيرة القرم من الإمبراطورية العثمانية عام 1783.
ورغم البداية المتعثرة للقاء، انتهت المحادثات باتفاق على وقف إطلاق النار بعد 7 اجتماعات دامت 7 ساعات.
حتى المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، طالها بعض من أساليب بوتين غير الدبلوماسية، إذ إنه فاجأها بكلبه "كوني" الذي اقترب منها كثيراً وشمها واحتك بها بقدميه، الأمر الذي تسبب في توترها وإثارة خوفها، خصوصاً أنها تعاني من رهاب الكلاب بعدما تعرضت لعضة كلب في عام 1995.
صرحت ميركل لاحقاً، بأنها انزعجت بشدة، خصوصاً أن بوتين يعرف أنها لا تحب الكلاب!
الرئيس الفلبيني وشتائم دولية
أثار الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي، الجدل أكثر من مرة، حين توجه بالشتائم لأكثر من رئيس.
في عام 2016 وقبل مغادرته إلى لاوس لحضور قمة مجموعة دول جنوب شرقي آسيا، شن هجوماً على الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، مستبقاً سؤاله عن الحرب التي كان يشنها على الجريمة والمخدرات في الفلبين والتي أوقعت أكثر من 2400 قتيل في شهرين.
قال دوتيرتي خلال مؤتمر صحفي لأوباما: "عليك أن تحترم الآخرين ولا تلقِ فقط بالأسئلة والتصريحات، يا ابن العاهرة، سألعنك خلال المنتدى، سنتمرغ فى الوحل مثل خنزيرين إذا فعلت ذلك بي". ما كان من أوباما إلا أن ألغى لقاءه به، ليأتي اعتذار من دوتيرتي بعد عامين.
ولم يكن أوباما الوحيد الذي تعرض لشتائمه، بل وصف قبلها سفير الولايات المتحدة لدى الفلبين، فيليب جولدبيرغ، بأنه "مثلي الجنس وابن عاهرة".
كما طالت شتائمه أيضاً الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون، قائلاً: "قلت لنفسي إن بان كي مون أحمق آخر"، وذلك أيضاً رداً على انتقادات لانتهاك نظامه حقوق الإنسان.
كما وصف رئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، بأنه "أحمق وابن عاهرة"، مشيراً إلى أنه يلعب لعبة خطرة، ومحذراً من مغبة الصراع في المنطقة.
جورج بوش
مثل أي رئيس آخر، قدم جورج دبليو بوش نصيبه من الأخطاء بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض. لكن مجلة تايم ذكرت أن واحداً من أشهر تصريحات بوش البذيئة صدر عنه في عام 2000.
في ذلك الوقت، كان يشغل منصب حاكم ولاية تكساس ويقوم بحملته الانتخابية لمنصب الرئيس. وصف وقتها بوش مراسلَ صحيفة نيويورك تايمز، آدم كليمر، بأنه "ألم كبير جداً في المؤخرة". ذكرت رولينج ستون أنه بمجرد أن أصبح بوش رئيساً، قدم شيئاً من الاعتذار لكليمر.
كما ذكرت قناة NBC أنه في عام 1999، وخلال مقابلة مع Tucker Carlson for Talk Magazine، لفظ بوش أيضاً كلمة F**K النابية، التي ترمز إلى فعل جنسي.
وذكرت شبكة "سي إن إن" أنه في محادثة مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، حول الصراع بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، قال بوش: "ما يتعين عليهم فعله هو حمل سوريا على إقناع حزب الله بالتوقف عن القيام بهذه القاذورات وينتهي الأمر".
حتى إن باراك أوباما الشهير بهدوئه، استخدم نصيبه من الألفاظ النابية أيضاً، وفي مقابلة حول التسرب النفطي لشركة بريتيش بتروليوم، قال إنه كان يتحدث إلى الخبراء من أجل معرفة "مؤخرة من يجب أن يُركَل".
كما وصف أوباما المغني كاني ويست ذات مرة بأنه "حمار". أما المرشح الجمهوري ميت رومني، فلم يَسلم من ألفاظ أوباما، الذي وصفه بأنه "كثير التغوط".
وكان أوباما اعترف لصحيفة The Hill بأنه استخدم الألفاظ النابية في أثناء رئاسته أكثر من حياته ما قبل البيت الأبيض.
شتائم الرؤساء والمسؤولين لم تقتصر على قادة العالم خارج حدود المنطقة العربية، إذ أدى الاحتقان السياسي بين الفرقاء والمتنافسين إلى الخروج عن حدود اللباقة والأدب والتلفظ بمفردات طالت في بعض الأحيان أفراد عوائل السياسيين.
نستعرض في ما يلي بعضاً منها:
وليد جنبلاط يشتم بشار الأسد
لكن ترامب لم يكن وحيداً في شتمه الأسد، إذ سبق أن كال له النائب اللبناني وليد جنبلاط وابلاً من الشتائم بخطابه الشهير في الذكرى الثالثة لاغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005، إذ قال:"يا طاغية دمشق، يا قرداً لم تعرفه الطبيعة، يا أفعى هربت منه الأفاعي، يا حوتاً لفظته البحار، يا وحشاً من وحوش البحار، يا مخلوقاً من أنصاف الرجال، يا منتجاً إسرائيلياً على أشلاء الجنوب وأهل الجنوب".
وأضاف: "يا كذاباً وحجاجاً في العراق، ومجرماً وسفاحاً في سوريا ولبنان".
شتائم السياسيين في لبنان
وفي لبنان أيضاً، أدت التوترات السياسية المتلاحقة إلى اشتعال الخلافات والاحتقان بين الأطراف المتعددة، وفي إحدى جلسات مجلس النواب في عام 2015 على سبيل المثال، اشتبك النواب لفظياً أمام وسائل الإعلام.
تم استخدام عبارات مثل "سد بوزك ولا" أو "أنت سرّاق حرامي، أنت ومعلمك"، وأخرى أكثر إهانة تطرقت إلى أفراد عائلات النواب.
كما شهدت جلسة أخرى في عام 2016، في أثناء مناقشة البيان الوزاري لرئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري، بين النائبين خالد ضاهر ورياض رحال، أسفرت عن استخدام ألفاظ نابية كما يُظهر الفيديو أدناه.
تهديد بـ"تكسير اليدين" في بغداد
وفي بغداد، أثار رئيس مجلس محافظة الأنبار، أحمد حميد شرقي، موجة من الجدل بعدما ظهر في فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي في عام 2019، وهو يلوح بالعصي الخشبية مهدداً ومتوعداً.
شتم "شرقي" في الفيديو زعامات سياسية لم يسمها، وهدد بتكسير يديها ورجليها و"يفتح راسه" لمن يقترب من محافظته.
وعبد الناصر يرد على شتائم BBC
ولكن في عام 1962 وبعد 6 سنوات من تأميم القناة وتعرُّض مصر للعدوان الثلاثي من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عام 1956، سجَّل التاريخ شتيمة ألقاها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في إحدى خطاباته الشعبوية الشهيرة.
إلا أن شتيمة عبد الناصر لم تكن موجهة ضد منافس سياسي داخلي، بل كانت موجهة ضد بوق إعلامي لبريطانيا الاستعمارية آنذاك.
بثت شبكة قنوات BBC برنامجاً وثائقياً عن الحرب التي دارت في ذلك العام باليمن وأرسل عبد الناصر قوات مصرية لدعم الموالين للجمهوريّة العربية اليمنية ضد الموالين للمملكة المتوكلية المدعومين من السعودية والتي استمرت 8 سنوات.
وصفت الشبكة عبد الناصر بأنه "كلب"، الأمر الذي اضطره إلى الرد.
وأثناء إلقائه خطابه، بدا عليه الانفعال وهو يتطرق إلى ما صدر عن شبكة هيئة الإذاعة البريطانية BBC، فقال:"الإنجليز كانوا زمان بيجيبوا مركب هنا يهددوا الحكومة، دلوقتي نقدر نضربهم بالجزمة كمان ونشتمهم من أكبر واحد لأصغر واحد".
وتساءل: "هل جرائدنا عاجزة عن سب ملكة بريطانيا أو رئيس وزراء بريطانيا؟ كان زمان جريدة التايمز تكتب كلمة يسقط رئيس وزراء مصر والنهارده بورسعيد أسقطت رئيس وزراء بريطانيا ومبقاش يهمنا الدول اللي بقت من الدرجة التالتة".
وقال: "نقدر نضربهم بالجزمة ونشتمهم من أكبر واحد لأصغر واحد"، وأضاف "بنقلهم إنتوا ولاد ستين كلب".
ورغم أن الخطاب السياسي يعد لغة صعبة من وجهة نظر الجمهور والناخبين ويتطلب عبارات منمَّقة ودبلوماسية تحمل فنون الرد ولكن بطريقة مهذبة ولبقة، فإن دراسة إيطالية نُشرت عام 2014، أشارت إلى أن عدم الرسمية في اللغة السياسية يُشعر الجمهور بأنه قريب من ذلك السياسي.
وقال الباحثون إن استخدام الكلمات البذيئة يجعل السياسيين أقرب إلى الواقع، فيراهم المواطنون بطريقة أكثر إيجابية.