أعلن الأطباء عن تمكنهم من علاج عدوى متقيّحة منذ فترة ومُقاوِمة للأدوية بمساعدة فيروسات تمت زراعتها خصوصاً، وهي فيروسات تقوم بغزو البكتيريا، غير أنهم أكدوا أنهم قد يكونون بحاجة إلى تجارب سريرية أكبر على الأرجح حتى تصير هذه العلاجات مستخدمةً على نطاقٍ واسع، وذلك حسبما جاء في تقرير لموقع Gizmodo الأمريكي، الجمعة 21 يناير/كانون الثاني 2022.
نُشِر التقرير الجديد يوم الثلاثاء 18 يناير/كانون الثاني في دورية Nature العلمية، وسرد تفاصيل قصة سيدة بلجيكية (30 عاماً)، كانت تعيش بعدوى بكتيريا خارقة، لنحو عامين.
حيث تعرضت السيدة لإصابةٍ خطيرة في تفجيرات بروكسل عام 2016، وبعد خضوعها لجراحة من أجل إصلاح فخذها المكسورة، أُصيبت بسلسلة من الالتهابات البكتيرية والفطرية.
قصة السيدة البلجيكية
بعد أربعة أشهر من العلاج بالمضادات الحيوية، أكّد الأطباء أنّها تحمل سلالةً من بكتيريا "الكَلِبْسيلة الرئوية" شديدة المقاومة للمضادات الحيوية.
فيما بدا أن العدوى أصبحت جزءاً من غشاءٍ حيوي رقيق (بيوفيلم)، وهو عبارة عن مستعمرات بكتيرية متكدسة معاً في طبقةٍ صلبة ولزجة، مما يزيد صعوبة نجاح المضادات الحيوية في مهمتها، وبسبب العدوى، أصبح من المستحيل على جروحها المليئة بالقيح أن تلتئم بشكلٍ كامل.
بحلول نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016، وبعد شهورٍ من المحاولات الفاشلة للقضاء على بكتيريا الكَلِبْسيلة الرئوية، أجازت لجنة الأخلاقيات بالمستشفى للأطباء استخدام العلاج بالعاثيات، وتم توفير الفيروسات العاثية المختارة بعناية عن طريق معهد جورج إليافا للعاثيات والأحياء الدقيقة والفيروسات في تبليسي بجورجيا، لكن أطباءها المعالجين اختلفوا حول أفضل مسارٍ للعلاج، وبالتالي تأجّل العلاج بالعاثيات بينما استمرت هي في تناول المضادات الحيوية.
نتائج مبشرة
في شهر فبراير/شباط وبنهاية المطاف، تحرّك الأطباء وقرروا استخدام العاثيات؛ خشية الوصول إلى "طريقٍ مسدود في العلاج"، وقد تم إعطاؤها العاثيات بعد عمليةٍ جراحية لإزالة الأنسجة الميتة من الجرح، واستبدال الهيكل الذي يُحافظ على اتزان عظامها المكسورة.
كما حصلت على تطعيمٍ عظمي محقونٍ بالمضادات الحيوية، وعلى مدار الأيام الستة التالية، تم حقنها بالعاثيات عن طريق أنبوب قسطرة، ثم تحوّلت في منتصف الفترة إلى مضادٍ حيويٍّ جديد يُعتقد أنّه أكثر فاعلية ضد البكتيريا الخارقة.
بحلول اليوم الثاني من المزج بين العلاج بالعاثيات والعلاج بالمضادات الحيوية، بدأت تبدو على الالتهاب علامات التراجع أخيراً.
بحلول الشهر الثالث من العلاج، كان الالتهاب قد اختفى تماماً، وبعد مضي ثلاث سنوات، أصبحت تستطيع الآن المشاركة بانتظام في فعاليات رياضية مثل ركوب الدراجات، رغم حاجتها إلى عكازٍ في بعض الأحيان، لكن الأهم من ذلك هو أنّه "ليست هناك أي علامات على عودة عدوى الكلبسيلة الرئوية"، بحسب الأطباء.
في حاجة لمزيد من الأبحاث
يبدو أنّ النتائج تُظهر إمكانية استخدام الفيروسات العاثية بالتزامن مع المضادات الحيوية من أجل علاج حالات العدوى غير القابلة للشفاء، رغم أنّ العاثيات تستطيع تقديم الفائدة بمفردها كذلك.
في هذه الحالة تحديداً، كانت العاثيات قد "تكيّفت مع البكتيريا مسبقاً"، أي إنها تعرّضت للبكتيريا مراراً داخل طبقٍ بتري، لتلتقط طفرةً جديدة في كل مرة وتصير أكثر فاعلية في قتل البكتيريا. ويُعتقد أن هذه العملية تُحسّن كفاءة العاثيات، كما تُقلل خطر تعلُّم البكتيريا كيفية التغلّب على العاثيات.
ربما عاد العلاج بالعاثيات إلى دائرة الضوء في مجال الطب، لكن ماتزال هناك كثير من الأسئلة حول أفضل طريقةٍ لاستغلال الفيروسات العاثية، وحتى إن الخبراء المتحمسين لإمكانات العاثيات يقولون إننا مانزال بحاجة إلى أبحاثٍ أكثر ليقبل بها الأطباء على نطاقٍ واسع.
في هذا السياق، قال بول تيرنر، أستاذ علم البيئة وعلم الأحياء التطوري بجامعة ييل، لموقع Livescience الأمريكي: "في الواقع، يعتمد مستقبل العلاج بالعاثيات على توافر بيانات كثيرة من التجارب السريرية".
كما أن هناك بالفعل تجارب جارية حول العاثيات لاختبارها في علاج حالات عدوى البكتيريا الخارقة المستعصية، مثل تلك التي تُؤثر على المصابين بحالات مثل التليّف الكيسي.