لا يستطيعون أن يمنعوا أنفسهم من الغش، سواء بإلقاء نظرة خاطفة على ورق المنافسين أو حتى تبديل الورق أو التلاعب بالنتائج وأماكن الأحجار في لمحة بصر. لماذا يلجأ البعض للغش في الألعاب رغم سجلهم الحافل بالانتصارات؟
من الطبيعي جداً أن يقع نظرك على أوراق الخصم إذا ما أتيحت الفرصة لذلك أو إذا ما أخطأ كاشفاً بعض أوراقه، ولكن هناك فرق بين الغش العارض والغش المزمن، أي ذلك اللاعب الذي يحرص على اصطياد أخطاء الآخرين، ويمارس دائماً أساليبه تحت الطاولة وفوقها.
يبدو أن الأمر شائع جداً، وحتى الأطفال متهمون به!
الأسباب النفسية للجوء للغش
في العام 1999، أنشأ موقع يدعى Whyville منصة للألعاب الإلكترونية للأطفال من عمر 8 إلى 14، في ألعاب هدفها تنمية قدرات الطفل في العلوم والجغرافيا والفنون وغيرها.
تقول مؤلفة كتاب "الغش: اكتساب ميزة في ألعاب الفيديو" وأستاذة دراسات الألعاب والتصميم ودراسات الاتصال بجامعة كونكورديا في مونتريال بكندا ميا كونسالفو لموقع BBC: "قد تبدو لعبة Whyville، كلعبة تعليمية للأطفال، مكاناً غير محتمل لممارسة الغش، لكنها دليل على أن الغشاشين يظهرون في أي مكان".
نصّت اللعبة على منافسة اللاعبين لتجميع عملة "كلامز" أو محار في اللعبة، والتي يمكن استبدالها لاحقاً لتغيير معالم الشخصيات الافتراضية للأطفال وممتلكاتهم، بل وتصميم شخصيات وبيعها للاعبين الآخرين.
لكن مطوّري Whyville لاحظوا تفشي سلوك غير عادي لدى جمهور اللعبة، المكون بنسبة 68% من الفتيات الصغيرات، وهو الغش.
مثل العديد من الألعاب، كانت هناك رموز غش وأدلة إرشادية، كما اخترق اللاعبون حسابات بعضهم البعض، أو أنشأوا حسابات ثانوية للاحتيال والحصول على المزيد من المحار أو عملة اللعبة، وفق ما وجدت ياسمين كافاي، أستاذة التعليم في جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة، وديبورا فيلدز في جامعة ولاية يوتا الأمريكية.
حتى في ألعاب الفيديو الرائجة حالياً توجد مشكلة غش مزمنة في الألعاب متعددة اللاعبين عبر الإنترنت.
وتعج خوادم ألعاب إطلاق النار مثل Call of Duty وPUBG وCounter-Strike بالغشاشين، الذين يحملون برامج خاصة تغير اللعبة لصالحهم، ما يسهل عليهم إطلاق النار على لاعبين آخرين أو اختراق الجدران، والتي تجعل الجدران غير مرئية حتى يتمكن اللاعبون من اكتشاف خصومهم بسهولة، أو الاختراقات السريعة، التي تسمح لهم بالتحرك بشكل أسرع.
تقتصر مثل هذه الاختراقات إلى حد كبير على ألعاب الكمبيوتر، حيث يمكن للاعبين تغيير الكود والشفرات، ولكن ألعاب وحدة التحكم (بلاي ستيشن أو أكس بوكس) فهي أيضاً عرضة للاستغلال باستخدام أخطاء في تصميم اللعبة للحصول على ميزة.
لماذا يغش البعض إذاً؟
رأسمال الألعاب والمكانة
تصف كونسالفو في كتابها فكرة تسمى "رأسمال الألعاب" أن التمرس في لعبة ما يعطي طابعاً اجتماعياً يرفع صاحبه داخل المجتمع الذي يلعب فيه، لذا يرغب اللاعبون المتمرسون في الحفاظ على وضعهم كخبراء، أو أنهم أصحاب رأسمال ثقافي في هذه اللعبة بالتحديد.
وللحفاظ على هذه المكانة، يلجأ البعض للغش، ويعد الخوف من خسارة هذه المكانة العالية أكبر محفز للغش، مقارنة بالرغبة في الفوز من قبل اللاعبين الجدد أو غير المتمرسين.
بدوره، يرى عالم النفس كوري بتلر، الذي كتب عن الغش في ألعاب الطاولة، أن مفهوم "إدارة الانطباع" هو الدافع الرئيسي للغش، فالضغط الهائل للحفاظ على احترام الذات والوضع الاجتماعي قد يكون ساحقاً.
ويشير في كتابه: "الدافع مرتبط بتعزيز الذات وإدارة الانطباع، نود جميعاً أن نشعر بالرضا عن أنفسنا وأن نبدو جيدين أمام الآخرين. في الواقع، يعتبر تقدير الذات دافعاً قوياً في علم النفس الاجتماعي إلى جانب الدوافع الإنسانية الأساسية الأخرى مثل الغذاء والسلامة".
بهجة المخادع
من الأسباب الأخرى ما يسمى "بهجة المخادع"، وهي دفعة عاطفية، أو إثارة، يحصل عليها بعض الناس عندما يغشون أو يخدعون شخصاً أو منظمة أخرى بنجاح.
يحثهم الاندفاع الذي يستمتعون به إلى تكرار خداعهم، حتى عندما لا تكون هناك مكافأة سوى النشوة نفسها، خصوصاً إذا كانت أفعالهم لا تضر بشكل مباشر أي شخص آخر، حسب موقع Mind Tools.
المنافسة للبقاء
عندما سُئل عالِم الأعصاب دون فون عن المعنى الأنثروبولوجي للغش في أحد تقارير شبكة NBC قال: "لم يطور العقل البشري أبداً آلية لفصل اللعبة عن الواقع. إذا كان الأسد يطارد أحد أسلافنا قبل آلاف السنين كان هذا الأمر حقيقياً في كل مرة، لم تكن هناك أفلام أو مسرحيات أو محاكاة. كشف علم الأعصاب الحديث أن مجرد التفكير في المواقف المتخيلة ينشط مناطق الدماغ نفسها مثل التجربة الفعلية".
لذلك عندما يخسر الإنسان في لعبة فيديو افتراضية، فإن العقل يعاني حقاً من الخسارة وكأنها فعلية، بحسب ما نشرته صحيفة The Guardian.
وأضاف أن العقل البشري عبارة عن آلة لحل الألغاز، تم إنشاؤه خصيصاً للعثور على الاختصارات والمزايا التي يتفوق بها على الحيوانات المفترسة والمنافسين، وربما من هنا انطلقت جذور الغش حتى يومنا هذا.