أصبح حلم امتلاك منزل بعيد المنال بشكل متزايد، وتكافح الحكومات الديمقراطية والسلطوية على حد سواء، مع عواقب اندثار هذا الحلم.
وبعدما كان ارتفاع أسعار المنازل في وسط المدن مضموناً مع ازدهار البناء وحرص الناس على العيش بأسلوب حياة حضري، إلا أن خيارات العمل عن بعد وتقليص حجم المكاتب نتيجة أزمة كورونا غيّرا المعادلة، فزادت أسعار المساكن في المناطق غير الحضرية بشكل أسرع من المدن لأول مرة منذ التسعينيات.
ولا يقتصر الأمر على المشترين فقط، فحتى الإيجارات ارتفعت كثيراً في العديد من المدن؛ والنتيجة هي القضية الأزلية المتعلقة بتكاليف الإسكان واللامساواة الحادة بين فئات المجتمع، مع تعريض جيل بأكمله لخطر التخلف عن الركب.
جهود حكومية لتهدئة الأسواق
وتجاهد الحكومات حول العالم لمحاولة السيطرة على أسواق العقارات.
في كوريا الجنوبية، خسر حزب الرئيس مون جاي-إن في انتخابات رئاسة البلدية في العام بعد 2021؛ بعد فشله في معالجة زيادة بنسبة 90% في متوسط سعر الشقة في سيول، منذ توليه المنصب في 2017.
بدورها، كثفت الصين القيود على قطاع العقارات وتتزايد التكهنات بفرض ضريبة على العقارات؛ لخفض الأسعار في العام 2022.
أما في كندا، فوعد رئيس الوزراء جاستن ترودو بفرض حظر لمدة عامين على المشترين الأجانب لتهدئة السوق، حسب موقع Bloomberg.
ما هي فقاعة الإسكان؟
قبل الخوض في أسباب فقاعات الإسكان وما يجعلها تنفجر، من المهم فهم فقاعة الإسكان في حد ذاتها. تبدأ هذه الفقاعة بشكل عام بقفزة في الطلب على المساكن، على الرغم من وجود كمية محدودة من المعروض المتاح.
يزداد الطلب أكثر عندما يدخل المضاربون إلى السوق، ما يجعل الفقاعة أكبر كلما اقتنصوا العقارات الاستثمارية، فترتفع الأسعار بشكل طبيعي.
إلا أن فقاعات الإسكان تؤثر تأثيراً مباشراً على صناعة العقارات ومالكي المنازل وأموالهم الشخصية والاقتصاد ككل (على سبيل المثال: معدلات الفائدة ومعايير الإقراض).
عادةً ما تكون أي فقاعة مجرد حدث مؤقت. على الرغم من أن الفقاعات في أسواق الأسهم يمكن أن تحدث بشكل متكرر، فإن فقاعات الإسكان تستمر فترة أطول، وفقاً لصندوق النقد الدولي (IMF)، وأحياناً لعدة سنوات.
ما الذي يؤدي إلى تفجير الفقاعة؟
تنفجر الفقاعة أخيراً عندما تصبح المجازفة المفرطة منتشرة في جميع أنحاء نظام الإسكان، وعندما يستمر المعروض في التزايد مقابل تراجع الطلب على منازل يعجر الناس عن تسديد ثمنها.
يمكن أن تتعجل هذه الإدراكات بعدد من الأشياء:
- زيادة في أسعار الفائدة تجعل ملكية المنازل بعيدة عن متناول بعض المشترين، وفي بعض الحالات، يعجز أصحاب المنازل عن تحمُّل تكاليف منازلهم الحالية.
- تراجع في النشاط الاقتصادي العام وانخفاض الدخل المتاح، أو فقدان الوظائف، مما يقلل من الطلب على الإسكان. (كما حصل في دبي عام 2009).
- استنفاد الطلب، مما أدى إلى توازن العرض والطلب وإبطاء الوتيرة السريعة لارتفاع أسعار المساكن التي يعتمد عليها بعض مالكي المنازل، خاصةً المضاربين.
تاريخ انهيار سوق العقارات
إن أحدث سوق عقاري يمكن مقارنته بسوق العقارات الراهن هو العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
كانت الولايات المتحدة وبقية العالم تمر بفقاعة إسكان، إذ ارتفع معدل الاحتيال في مجال الرهن العقاري، ودخلت جميع البلدان المتأثرة القرن الجديد بركود مبكر.
بحلول نهاية عام 2006، خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة من 6.25% إلى 1%؛ في محاولة لتأجيل التضخم. وقد أدى ذلك إلى زيادة كبيرة في تكلفة الإقراض وشهد العديد من المقترضين تسديد قروضهم بنسبة 60%، حسب موقع Investopedia.
خلال هذه السنوات القليلة، كان لمجلس الاحتياطي الفيدرالي أيضاً نهج أكثر مرونة للإشراف على البنوك والمقرضين، حيث تخلى كثير منهم عن معايير القروض مثل شروط التوظيف وتاريخ الدخل لدى المقترضين.
ومع زيادة تكلفة الإقراض بشكل كبير، كان على الفقاعة أن تنفجر في وقت ما.
في عام 2007، تحطمت العقارات تماماً مع دخول مئات الآلاف من المنازل في حبس الرهن، وأعلن العديد من المقرضين الرهانات عالية المخاطر إفلاسهم، وتطلبت السوق عمليات إنقاذ حكومية.
لم تكن العقارات هي الصناعة الوحيدة التي تأثرت، حيث عانت العديد من المجالات الأخرى من الإفلاس بسبب أزمات الائتمان، وواجهت أسواق الأسهم العالمية أيضاً تصحيحاً وتقلباً.
ونظراً إلى كون هذه الأزمة أحد أكبر التراجعات الاقتصادية منذ الانهيار الكبير عام 1929، لايزال لسوق الإسكان لعام 2008 آثار ملموسة على الاقتصاد، نشعر بها اليوم.
فقاعة الدوت كوم
في فترة التسعينيات، أدت الشعبية المتزايدة للإنترنت إلى موجة هائلة من المضاربة في أعمال "الاقتصاد الجديد".
ونتيجة لذلك، حققت مئات من شركات الدوت كوم تقييمات بمليارات الدولارات بمجرد طرحها للاكتتاب العام.
ارتفع مؤشر ناسداك المركّب، موطن معظم أسهم شركات التكنولوجيا/دوت كوم، من مستوى أقل من 500 في بداية عام 1990 إلى ذروة تجاوزت 5000 في مارس/آذار 2000.
وبحلول أكتوبر/تشرين الأول 2002، تسبب انهيار المؤشر في ركود الولايات المتحدة. والمرة التالية التي وصل فيها المؤشر إلى مستوى مرتفع جديد، كانت في عام 2015، بعد أكثر من 15 عاماً من ذروته السابقة.
فقاعة سوق العقارات والأسهم في اليابان
في الثمانينيات من القرن الماضي، أدى ارتفاع الين بنسبة 50% إلى حدوث ركود ياباني في عام 1986، ولمواجهة ذلك، أطلقت الحكومة برنامجاً للتحفيز النقدي والمالي.
نجحت هذه الإجراءات بشكل جيد، لدرجة أنها عززت المضاربة الجامحة، مما أدى إلى تضاعف الأسهم اليابانية وقيم الأراضي الحضرية ثلاث مرات بين عامي 1985 و1989 .
في ذروة فقاعة العقارات عام 1989، كانت قيمة أراضي القصر الإمبراطوري في طوكيو أكبر من تلك الموجودة بالعقارات في ولاية كاليفورنيا بأكملها.
انفجرت الفقاعة في عام 1991، مما مهد الطريق لسنوات اليابان اللاحقة من انكماش الأسعار وركود النمو الاقتصادي المعروف باسم "العقد المفقود".
دروس الماضي
مع هذه التداعيات الحديثة جداً في الذاكرة، مازال التأثير محسوساً حتى اليوم، وليس من المستغرب أن يكون لانهيار آخر في قطاع الإسكان عواقب وخيمة.
وزادت آثار تفشي جائحة كورونا من مخاطر حدوث انهيار آخر بنفس خطورة انهيار 2007-2008، ولا بد من التساؤل حول كيفية التعامل معه إذا حدث وكيفية تطبيق دروس الماضي.