تعمل اليونسكو على حماية المعالم والمواقع التاريخية والأثرية منذ تنفيذ اتفاقية التراث العالمي الخاصة بها في عام 1972. إلا أن قليلاً من الناس قد يجهلون أنه منذ عام 2003، بدأت اليونسكو أيضاً بحماية أنواع معينة من التراث الثقافي غير المادي في الثقافات المختلفة بجميع أنحاء العالم، ولكن ما هو التراث الثقافي غير المادي؟
يمثل التراث الثقافي غير المادي التقاليد والعادات التي ورثناها من الأجيال التي سبقتنا مثل فنون الأداء والطقوس والأحداث الاحتفالية والتقاليد الشفوية والمهارات والممارسات والحِرف التي تُميز كل مجتمع وبلد وثقافة.
وفي كل عام يتم إعداد قوائم جديدة بالعادات والتقاليد التي ستتم إضافتها بناءً على طلبات من الحكومات أو جهات أو منظمات أو حتى أفراد. وعلى الرغم من أن بعض هذه الطلبات قد يبدو منطقياً، فإن بعضها الآخر قد يكون غير متوقع بعض الشيء.
من الخط العربي وطبق الكسكس إلى الناعور وصناعة البيتزا، في هذا التقرير ستتعرف معنا على بعض العادات والتقاليد الغريبة التي يحميها اليونسكو في حضارات وثقافات مختلفة حول العالم.
صيد القريدس على ظهر الخيل في بلجيكا
عادةً ما نتخيل الصيد إما من قارب أو سفينة وسط البحر أو من صياد يقف ساعات على الشاطئ ممسكاً سنارته، لكن صيد الجمبري في بلجيكا له طريقة خاصة غير موجودة في أي مكان آخر، من صهوة الحصان!
يقوم صيادو القريدس في مدينة أو وست وينكرك البلجيكية بامتطاء الخيول والعَدو بها مسرعين، ممسكين شبكةً بهدف التقاط القريدس من الشاطئ.
يزوّد هذا التقليد المجتمع بحس قوي بالهوية الجماعية، ويؤدي دوراً أساسياً في المناسبات الاجتماعية والثقافية، خاصةً مهرجان القريدس الذي يُنظَّم على مدى يومين من كل سنة والذي يشرح فيه صيادو القريدس المتمرّسون تقنيات الصيد التي يستخدمونها للصيادين المبتدئين.
وقد تمت إضافة صيد الجمبري من صهوة الخيول إلى قائمة اليونسكو للتراث الثقافي العالمي عام 2013.
جز العشب في البوسنة والهرسك
تم إدراج مسابقة قص العشب السنوية التي تقام في بلدية كوبريس بالبوسنة والهرسك على قائمة اليونسكو في عام 2020، رسمياً، باسم "مسابقة جز العشب المخصصة في كوبريس".
يُعقد هذا التقليد في شهر يوليو/تموز من كل عام، ويُعتبر في الواقع أساساً للهوية الثقافية للمنطقة. وتكون المسابقة مفتوحة لجميع الأفراد في كوبرس، بغض النظر عن الخلفية العرقية أو الدينية، لذلك فهي تلعب دوراً مُهماً جداً في جمع المجتمع بأكمله معاً.
تتضمن المسابقة القص اليدوي للعشب باستخدام منجل تقليدي مع اعتبار الوقت والجهد والكمّ الذي يتم جزُّه، من العوامل الحاسمة عند تحديد الفائز.
طبق الكسكس المغربي
تعتبر طرق تحضير الكسكس وتصنيعه واستهلاكه في الجزائر وموريتانيا والمغرب وتونس من الأشياء التقليدية الاجتماعية والثقافية المرتبطة بالتضامن والعمل الجماعي الذي تشترك فيه مجموعة كبيرة من النساء.
من زراعة الحبوب إلى طحن البذور والطبخ وطريقة تقديم الطبق وتناوله، كل مرحلة من مراحل العملية هي طقسية وتنطوي على مجموعة محددة من الأدوات والأواني.
حتى صناعة الأواني المناسبة أمر مهم، حيث يقوم الخزافون المحليون والمصانع الحرفية بإنتاج الأدوات الفخارية والخشبية بشكل تقليدي.
وقد أدرجت اليونسكو التقليد في القائمة التمثيلية في عام 2020 تحت عنوان "المعرفة والممارسات المتعلقة بإنتاج واستهلاك الكسكس".
حِمية البحر الأبيض المتوسط
يعتبر النظام الغذائي اللذيذ للبلدان الواقعة داخل حوض البحر الأبيض المتوسط (قبرص، وكرواتيا، وإسبانيا، واليونان، وإيطاليا، والمغرب، والبرتغال) والمعروف باسم "حِمية البحر المتوسط" تقليداً مُهماً يستحق موافقة اليونسكو.
ويشمل النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط، الذي تم إدراجه في عام 2013، معرفة ومهارات وطرقاً محددة تتعلق بزراعة الطعام وطبخه واستهلاكه.
توصي الإرشادات العامة لهذا النظام الغذائي بأن يأكل الناس مجموعة واسعة من الخضراوات والفواكه والحبوب الكاملة، والدهون الصحية مثل المكسرات والبذور وزيت الزيتون، وكميات معتدلة من منتجات الألبان والأسماك، والقليل جداً من اللحوم البيضاء واللحوم الحمراء، والقليل من البيض.
ليس ذلك فحسب، بل يلعب الأكل الجماعي في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط دوراً رئيسياً في الهوية الثقافية فهو يمثل فرصاً للتبادل الاجتماعي والعائلي ويعزز القيم المتوسطية للإبداع والضيافة وحسن الجوار والخطاب بين الثقافات واحترام التنوع
فن صنع البيتزا في إيطاليا
بالحديث عن حِمية البحر الأبيض المتوسط، فإن فن صنع البيتزا في نابولي، إيطاليا، هو أيضاً تقليد محميٌّ من قِبل اليونسكو منذ عام 2017 كتقليد فني يتضمن المعرفة التقنية التي تنتقل عبر الأجيال.
يمارس هذا الفن طهاة البيتزا المتخصصون في صنع بيتزا على طراز نابولي والذين يصل عددهم لنحو 3000 شخص يعملون في نابولي، حيث نشأ الفن.
تستلزم الممارسة عملية تبدأ بتحضير العجين وتنتهي بخبزها في فرن يعمل بالحطب. يمكن تدريسها من خلال مجموعة متنوعة من الوسائل، بما في ذلك من خلال الدورات التدريبية والتدريب المهني المحددة.
ومع ذلك، فإن الطريقة الرئيسية للتدريس من خلال ورش العمل المعروفة باسم "بوتيغا"، حيث يمكن للمتدربين الصغار تعلُّم الحرفة من خلال مراقبة المحترفين في العمل.
الخط العربي في الدول العربية
أدرجت اليونسكو في عام 2021 الخط العربي بقائمة تراثها غير المادي للحفاظ على هذه الممارسة الفنية القديمة.
يجسّد الخطّ العربيّ فن كتابة النصوص العربية المفعمة بالتناغم والجمال والزخارف، وهو شائع ومنتشر في الدول العربية وغير العربية على حدّ سواء، ويمارسه الرجال والنساء من جميع المراحل العمرية كفن يميز الحضارة العربية وأحد أشكال الفنون العربية الإسلامية.
ويشير الخط العربي إلى الممارسة الفنية لكتابة اللغة العربية بخط اليد، وقد تم تصميمه في الأساس لجعل الكتابة واضحة وسهلة القراءة، ثم سرعان ما تحوّل بالتدريج ليغدو فناً مستخدماً في طيف من الأعمال التقليدية منها والحديثة والمدارس الرسمية أو المهنيّة.
المهارات والفنون الحرفية التقليدية لصناعة الناعور
تشتهر بلاد الشام، خاصةً العراق وسوريا، بالناعور وهو عجلة خشبية مصنوعة من أربعة وعشرين عموداً وتحمل أربعة وعشرين إبريقاً فخارياً معلَّقة على محيطها الخارجي.
يُركَّب الناعور على تيارات نهر الفرات في العراق، حيث يكون منسوب المياه منخفضاً بالنسبة إلى مستوى الحقول المجاورة، ويكون الناعور متعامداً مع تيارات النهر؛ ويقوم التيار بتحريك العجلة فتمتلئ الأباريق بالمياه وتحملها إلى أعلى الناعور لتسكبها في الساقية التي تتجه إلى الحقول.
ضمت اليونسكو صناعة الناعور التقليدية إلى قائمتها للتراث غير المادي للمهارات والفنون الحرفية التقليدية في عام 2021.
القدود الحلبية في سوريا
للغناء والموسيقى أيضاً نصيب في قائمة اليونسكو للتراث، فقد تمت إضافة القدود الحلبية إلى قائمتها في عام 2021.
وتُعرّف القدود الحلبية على أنها أحد أنواع الموسيقى التقليدية ذات اللحن الثابت التي اشتهرت بها مدينة حلب، وتُغنى في المناسبات الدينية ولأغراض ترفيهية بمرافقة فرقة موسيقية، وتتغير كلمات القدود تبعاً للمناسبة التي تُغنى فيها.
قد حافظت القدود على عناصرها التقليدية على الرغم من تأثرها بالتغيرات الاجتماعية، ولاتزال تُؤدى في جميع أنحاء المدينة. وتعتبر جزءاً حيوياً من الثقافة الحلبية. وقد اشتهر العديد من المغنين بأدائهم إياها مثل الفنان الراحل صباح فخري.