يعد عشاء عيد الميلاد جزءاً أساسياً من الطقوس الاحتفالية برأس السنة الميلادية الجديدة في مختلف دول العالم، ولكن ما يعتبر طقساً "تقليدياً" يختلف باختلاف الثقافات من دولة لأخرى، بدءاً مما هو موجود على الطبق، وأيضاً كيفية تناوله.
وبالنسبة لوليمة عيد الميلاد في أوروبا والدول الغربية، التي تأثرت العديد من الدول العربية بها أيضاً، هي وليمة عامرة بالأطباق الجانبية، التي يترأسها الديك الرومي كنجم للوليمة كلها.
ولكن من أين أتى تقليد تناول الديك الرومي في عيد الميلاد؟ وماذا عن العديد من الثقافات الأخرى التي تحتفل بعيد الميلاد، ولكن لها تقاليدها الخاصة في الطهي؟
بداية رواج تناول الديك الرومي باعتباره "صيحة ملكية"
يعتقد الكثيرون أنه تم اتباع طقس تحضير وتناول الديك الرومي وفقاً للتقليد الأمريكي في إعداد ولائم عيد الشكر أو الفصح المعروفة، بينما يعتقد البعض الآخر أنه أصبح شائعاً لأن الروائي العالمي تشارلز ديكنز كتب عن تناول الديكة الرومية في رواياته.
إذ جاء في رواية "كريسماس كارول" لديكنز العديد من التقاليد التي لا يزال يتم الاحتفال بها في الاحتفاء بأعياد الميلاد ونهاية السنة إلى يومنا هذا.
وتتضمن الرواية الاحتفالية الشهيرة مشهداً يرسل فيه البطل ديكاً رومياً كبيراً لأحد أصدقائه.
واليوم، يُعتبر الديك الرومي هو محور عشاء عيد الميلاد التقليدي في معظم دول العالم التي تحتفل بالكريسماس وحلول العام الجديد.
لكن الديك الرومي هو في الواقع إضافة جديدة نسبياً إلى قائمة طقوس عيد الميلاد، حيث تمت إضافة تناول هذا الطائر إلى المملكة المتحدة في القرن السادس عشر، بعدما كان شائعاً تناول هذا الطائر في الأمريكتين قبل ذلك.
ويمكن إرجاع تقليد الديك الرومي في عيد الميلاد إلى هنري الثامن، الذي قرر جعل الطائر عنصراً أساسياً على مائدة الأعياد. وبعد أن اكتشفت الإمبراطورية البريطانية العالم الجديد (أي الأمريكتين)، ضرب تدفق الديكة الرومية الجديدة بريطانيا.
وإلى جانب قيام إدوارد السابع بجعل الديك الرومي بياناً للموضة في عيد الميلاد بدوره، وإعادة فتح الملكة فيكتوريا للتجارة مع الولايات المتحدة، أصبحت الديوك الرومية هي العنصر الأساسي للموائد الملكية الخاصة، بحسب Food Unfolded لتاريخ الطهي.
لماذا الديك الرومي بالتحديد وليس أي طائر آخر؟
ويُعتقد أن الأمر يعود إلى أن التوقيت يتزامن مع منتصف الشتاء، كان عندما كانت تلك الطيور في أوج وجودها وتكاثرها بالأمريكتين، حيث كانت تجوب المزارع طوال شهر أغسطس/آب، لالتقاط الحبوب السائبة التي انسكبت أثناء فترات الحصاد.
كما أصبح استهلاك الديك الرومي شائعاً بشكل متزايد، لأن المزارعين اعتقدوا أنه سيكون اقتصادياً أكثر لهم للحفاظ على الدجاج والأبقار على قيد الحياة، حتى يتمكنوا من الاستمرار في إنتاج البيض والحليب.
وخلال القرنين الخامس عشر والثامن عشر الميلاديين، أصبح الديك الرومي ببطء وجبة أكثر شيوعاً في عيد الميلاد، خاصة بين الأسر البريطانية الأكثر ثراءً.
حتى إن العائلة المالكة البريطانية انتهجت طقس تناول الديك الرومي في خمسينيات القرن التاسع عشر (لتحل محل خيارهم التقليدي للبجع المشوي).
لكن الديوك الرومية كانت باهظة الثمن آنذاك، لذا ظلت الخيارات الأرخص مثل الإوز والدجاج شائعة على معظم طاولات عيد الميلاد حتى منتصف القرن العشرين، وفقاً لصحيفة Scottish Sun الاسكتلندية.
تم بعد ذلك تصدير الطقس البريطاني الجديد لتناول الديك الرومي في عيد الميلاد إلى جميع أنحاء العالم عبر الإمبراطورية البريطانية، على الرغم من أن بعض البلدان تمسكت بتقاليدها المعتادة في ولائم أعياد الميلاد.
على سبيل المثال، لا تزال معظم العائلات في دولة النمسا تفضل تناول الإوز على مائدة وليمة عيد الميلاد عوضاً عن الديك الرومي، طبقاً للعادة الملكية البريطانية التي أصبحت رائجة.
الديكة العملاقة كانت رائجة قبل أن تصل إلى حجمها التقليدي اليوم
ومع الوقت أصبح الديك الرومي شائعاً جداً، لأنه كان أكبر بكثير من البدائل التي ظهرت من قبله، إذ يمكن أن يصل وزن الديك الرومي القياسي إلى 20 كيلوغراماً تقريباً، ما يعني قدرته على كفاية ولائم أكبر وأكثر تميُّزاً.
وبشكل تدريجي، تراجع تناول الطيور الكبيرة حتى أصبحت أشبه بالحجم الذي اعتدنا عليه اليوم في الأسواق، بحسب صحيفة Scotsman الاسكتلندية.
حتى إن الاتحاد البريطاني للديك الرومي أجرى أكبر مسابقة سنوية للديوك الرومية في العالم، ولكن تم توقيف المسابقة أخيراً في عام 1989، لتعكس الموقف المتغير تجاه الديك الرومي (وقد كان وزن الديك الفائز أكثر من 50 كيلوغراماً).