حلّق صاروخها المنطلق من قاعدة على الأراضي الجزائرية بسرعة تصل إلى ستة أضعاف سرعة الصوت، على ارتفاع ما يقرب من 157 كيلومتراً عن سطح الأرض، كان ذلك في عام 1963 عندما خاضت فيليسيت تجربة مميزة وفريدة من نوعها، ولا نتحدث هنا عن واحدة من أوائل رائدات الفضاء في العالم، بل نتحدث عن قطة فرنسية ذهبت إلى حيث لم يذهب أحد من بني جنسها قط.
فيليسيت.. أول قطة تذهب إلى الفضاء
عندما نتحدث عن الحيوانات التي ذهبت إلى الفضاء تلمع أسماء مثل الكلبة لايكا والشمبانزي هام، بينما يذكر القليلون قصة القطة فيليسيت التي تعتبر في واقع الأمر قصة مثيرة للاهتمام يجب الاحتفاء بها.
لم تكن فيليسيت رائدة فضاء اعتيادية، فقد كانت تزن 2.5 كيلوغرام فقط، وأمضت معظم حياتها في شوارع باريس قبل أن تصبح جزءاً من مشروع فرنسي لتدريب القطط على رحلات الفضاء، فكانت واحدة من 14 قطة أخرى تم تدريبها لأداء المهمة الصعبة.
لماذا اختارت فرنسا إرسال قطط إلى الفضاء؟
بحلول الستينيات بدأ "سباق الفضاء" يحتدم بين الدول الكبرى.
كما هو معلوم كان التنافس الأقوى آنذاك بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، وهما دولتان استطاعتا الوصول إلى الكثير من التطورات المثيرة في مضمار الفضاء، وقد شعر الفرنسيون أن برنامجهم الفضائي متخلف مقارنة بهاتين الدولتين.
كان الفرنسيون قد أرسلوا بالفعل فئراناً بالصواريخ إلى الفضاء، لكن هذا لم يكن مثيراً للإعجاب تماماً مثل إرسال الكلبة السوفييتية لايكا، التي ذهبت إلى الفضاء في عام 1957، أو الشمبانزي هام الأمريكي الذي تبعها في عام 1961.
علاوة على ذلك لم تقدم الفئران الكثير من الإيضاحات الدقيقة للعلماء، فقد كان الهدف من إرسال الحيوانات إلى الفضاء هو فهم كيف يمكن أن تؤثر رحلات الفضاء في فسيولوجيا الإنسان، لذلك حوّل العلماء الفرنسيون انتباههم إلى حيوان آخر: القطط.
لذلك، سعياً وراء هدفهم الجديد، حصل العلماء في مركز التطوير والبحوث الطبية (CERMA) على 14 قطة، جميعها من الإناث، وبدأوا في تدريبها على "ريادة الفضاء".
من الأراضي الجزائرية إلى الفضاء
خضعت فيليسيت والقطط الـ13 الأخرى لعملية فحص صارمة لمعرفة كيفية تفاعلها مع رحلات الفضاء. ووُصِلَت أقطاب كهربائية مع أدمغتها لاكتشاف مدى تحملها للعزلة، وأصوات الصواريخ العالية، وحتى تأثير جلسات الطرد المركزي التي تمخض المعدة لعدة أشهر.
واختار العلماء فيليسيت لأنها حافظت على وزنها، على عكس القطط الأخرى في البرنامج التي زاد وزنها، ولأنها كانت تتمتع بسلوك هادئ ومتوازن.
وقال أحد علماء مركز التطوير والبحوث الطبية لاحقاً: "كانت فيليسيت هي القطة المناسبة للوظيفة، لو كان صدر أي رد فعل مذعور من جانبها لكانت استُبعِدَت من البرنامج لأنه سيجعل من المستحيل قراءة إشارات دماغها".
وفي النهاية، وقع الاختيار على فيليسيت للخروج في البعثة النهائية، وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول 1963، من قاعدة هاماجوير في الجزائر، حُمِلَت في صاروخ Véronique AG1 وأُطِلَقت في الفضاء في الساعة 8:09 صباح ذلك اليوم.
وأوضح ميشيل فيسو، رئيس قسم علم الأحياء الخارجية في المركز الوطني الفرنسي لدراسات الفضاء، أنَّ "الصاروخ صعد عالياً للغاية لارتفاع 157 كيلومتراً تقريباً". وبعد 15 دقيقة من التحليق بين النجوم، عادت فيليسيت بأمان إلى الأرض عن طريق الهبوط بالمظلة في كبسولتها الفضائية الصغيرة، وفقاً لما ورد في موقع Space.
أصبحت فيليسيت بطلة فرنسية بعد عوتها، لكن مع الأسف كانت أيامها التالية معدودة.
قتل رحيم بعد العودة من الفضاء
لم تدُم لحظة مجد فيليسيت طويلاً، فبعد فترة وجيزة من عودتها إلى الأرض قتلها العلماء قتلاً رحيماً حتى يتمكنوا من دراسة دماغها، وفقاً لما ورد في موقع All That's Interesting الأمريكي.
منذ ذلك الحين، بدأ إرث فيليسيت المثير للإعجاب يتلاشى. لكن ما السبب؟
قال روبرت بيرلمان، مؤرخ الفضاء والمحرر في موقع تاريخ الفضاء CollectSPACE: "أعتقد أنَّ الأمر قد يكون متعلقاً بمسار التاريخ".
وأوضح: "الجهد الذي أدى إلى إرسال البشر إلى الفضاء -ثم في النهاية إلى القمر- كان سباق الفضاء بين الولايات المتحدة والروس".
ونظراً لأنَّ الفرنسيين لم يرسلوا بشراً قط إلى الفضاء -فقد دخلوا فيما بعد في شراكة مع وكالة الفضاء الأوروبية- تضاءلت إنجازاتهم المبكرة بجانب الإنجازات الروسية والأمريكية. وبذلك نُسِيَت قصة فيليسيت ببطء.
لكن هذا بدأ يتغير في عام 2017، إذ نظم رجل مقيم في لندن يُدعى ماثيو سيرج غاي حملة تحفيز للحصول على نصب تذكاري برونزي يكرم "أستروكات"، أو القطة الفضائية.
وحققت حملة غاي نجاحاً، وجمعت أكثر من 57000 دولار لإنشاء تمثال لفليليسيت، وهو مُقام الآن في جامعة الفضاء الدولية في ستراسبورغ بفرنسا.
بعد ذلك أعلنت جامعة تولوز الثالثة أنها ستسمي مرصدها القادم تيمناً بفيليسيت. ومن المقرر افتتاح المرصد في عام 2023، وسيحمل شعار "أستروكات".
وهكذا، حصلت فيليسيت أخيراً على التقدير الذي تستحقه، ربما تكون مساهمتها في السفر إلى الفضاء صغيرة -وكانت بالتأكيد غير طوعية- لكنها تظل مساهمة مهمة للغاية.