على 4 أرجل ميكانيكية مُثبَّتة بالأسمنت المصقول، ارتفع الصاري المعدني على علو طابقَي بناء بينما كان يحمل صندوقين: الأول يسيطر على مجموعة من الرادارات والكاميرات، والثاني لا يبدو أكبر من حقيبة غداء طفل، متصل عبر الأثير بمنصة ذكاء اصطناعي تم تصميمها وتشغيلها من مكاتب مجاورة.
هذه الأجهزة مجتمعة ستوفر، وبعد عقود، "جدار العزل الذكي" الذي تحلم به أمريكا.
لم يكن البنتاغون هو الذي طوّر هذه الأداة الغريبة ولا شركات الدفاع الأمريكية المعروفة، بل شركة Anduril، وهي شركة ناشئة أسسها بالمر لوكي، ذلك الشاب الذي اختطف أنظار وادي السيليكون؛ لاختراعه نظام ألعاب الواقع الافتراضي Oculus VR، وقد سمى شركته تيمناً باسم سيف تم استخدامه في فيلم Lord of The Rings أو سيد الخواتم.
غادر مهدَ التكنولوجيا في وادي السيليكون إلى مقاطعة Orange County، المعقل الجمهوري في كاليفورنيا، حيث كان لوكي وموظفوه يخططون لمستقبل الأمن الأمريكي.
جدار العزل الذكي
كان برج الحراسة أو "The Sentry Tower" أول مشاريعهم، وهو في الأساس عبارة عن كاميرا على عمود، لكن ما يقوله التنفيذيون في شركة Anduril يميزه عن أبراج مراقبة الحدود في الماضي، فالبرج قادر على التعلم.
قال مدير الإيرادات مات ستيكمان، لموقع Politico، إن "برنامج الذكاء الاصطناعي يعني أن البرج سيصبح أكثر فاعلية في اكتشاف المهاجرين غير الشرعيين والمهربين".
ووصف العمود بأنه "أكثر كاميرا معقدة ابتكرتها البشرية على الإطلاق".
ولطالما سعى كل رئيس منذ بيل كلينتون لتحقيق هذا الحلم التكنولوجي، فالجدار المادي على حدود المكسيك باهظ الثمن، ومع ذلك لن يستطيع أن يقف مهرباً مجهزاً بسلم مرتفع.
لكن جدار العزل الذكي، وهو عبارة عن خط من أبراج المراقبة الشاملة الموجهة نحو الجنوب، يعِد بإغلاق الحدود من خلال الابتكار والتكنولوجيا.
لن يقتصر الأمر على توفير المال عن طريق تقليل عدد العملاء اللازمين للقيام بدوريات على مسافة 3 آلاف كم أو أكثر، من التضاريس التي لا ترحم، بل سينقذ الأرواح أيضاً، حسب تصريحات الشركة المصنعة.
وباستخدام جدار عزل ذكي، سيتم رصد المهاجرين الذين وجدوا أنفسهم تائهين في الصحاري والجبال على طول الحدود، وترحيلهم بأمان.
وحصلت شركة Anduril على عقد بقيمة مئات الملايين من الدولارات لإنشاء 200 برج حراسة على طول الحدود في تكساس ونيو مكسيكو وكاليفورنيا.
كان مشروع لوكي الأخير ناجحاً، إذ باع Oculus إلى شركة فيسبوك مقابل ملياري دولار في عام 2014 عندما كان عمره 21 عاماً.
وعلى مدى العقدين الماضيين، أنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات في أبراج عالية جداً تصل إلى نحو 25 متراً تعلوها رادارات مع رؤية ليلية أو رؤية حرارية، تم بناؤها من قِبل أقوى مقاولي الدفاع في العالم.
في كثير من الأحيان، انتهت هذه الأنظمة بنتائج مضحكة، كانوا ينظرون في كل مكان إلا إلى أسفلها، لذلك اختبأ المهاجرون والمهربون تحتها.
البرنامج، المصمم لاكتشاف البشر، أرسل عملاء زوراً للقبض على الماشية التي ترعى! وفي بعض الأحيان، استسلمت الأجهزة ببساطة لأشعة الشمس والرياح والأمطار في الجنوب الغربي القاسي.
كانت أبراج المراقبة السابقة تتطلب جهوداً كبيرة لبناء ضاحية في الصحراء من خطوط كهرباء أو مولدات ضخمة وطرق وبنية تحتية للاتصالات في أكثر الحدود عزلة بالولايات المتحدة، لكن أبراج حراسة Anduril تعمل على الألواح الشمسية.
يمكن لعدد قليل من الشاحنات حملها إلى موقع ما، ويمكن للطاقم إعداد واحدة في غضون بضع ساعات.
وبينما استخدمت أنظمة المراقبة الأخرى كاميرات ورادارات باهظة الثمن ومصممة حسب الطلب، تشتري Anduril أجهزتها مما هو متوافر، مما يقلل التكلفة، حسب موقع الشركة نفسه.
يضع الديمقراطيون الجدار الذكي كبديل إنساني للجدار المادي، الذي كثيراً ما يشبهونه بأنه "تقنية عفى عليها الزمن وشبه بربرية".
وحالياً يوجد أكثر من 130 برجاً من "أندوريل سينتري" على الحدود الجنوبية الغربية كجزء من برنامج تسجيل أبراج المراقبة الذاتية للجمارك وحماية الحدود (CBP) وكذلك من خلال عمليات النشر الأولية على طول الحدود الشمالية والبحرية.
وحسب ما هو موضح على موقع حماية الحدود الأمريكية CBP، فإن الأبراج هي "شريك العميل الذي لا ينام أبداً، ولا يحتاج أبداً إلى أخذ استراحة لشرب القهوة، ولا حتى يومض عينيه".