تتجسد مشكلات الخوف من الهجران في صورة توتر شديد وخوف من الشعور بالوحدة، والذي يمكن أن يكون متطوراً مثل الرهاب، أو كشكل من أشكال القلق المزمن.
الطفولة هي أساس إصابة الشخص بأزمة الخوف من الهجر
يمكن أن تؤثر هذه المشكلات على العلاقات العاطفية للشخص المصاب، وغالباً ما تنجم عن التعرُّض لحالة من الفقد أو الهجران أو الضغط في فترات الطفولة.
وتشمل العوامل الأخرى التي تحول الفقد إلى أزمة الخوف من الهجر بشكل يؤثر على حياة الفرد حتى بعد النضج والبلوغ، العوامل البيئية والطبية وعلم الوراثة وكيمياء الدماغ، بحسب موقع WebMD للصحة والمعلومات الطبية.
وتُعد تجارب الطفولة المبكرة أكبر مساهم في تطوير مشكلات الخوف من التخلي عندما يصبح الشخص بالغاً. وقد يشمل الحدث الصادم فقدان أحد الوالدين بسبب الطلاق أو الوفاة أو عدم الحصول على رعاية جسدية أو عاطفية كافية عندما كان الشخص طفلاً.
كما يحدث الهجر العاطفي عند:
- عدم منح الطفل فرصة للتعبير عن مشاعره.
- السخرية من الطفل والتقليل منه.
- الضغط على الطفل لكي يكون "مثالياً".
- معاملة الطفل وكأنه ند أو شخص بالغ.
تحدث مشكلة الخوف من الهجر عندما لا يقوم أحد الوالدين أو مقدم الرعاية بمعاملة الطفل بشكل متسق دافئ أو آمن، ما يتركه شاعراً بالضغط والخوف المزمن.
وغالباً ما تستمر تلك التجارب القاسية التي تحدث أثناء نمو الطفل حتى مرحلة البلوغ. ويكون ذلك هو السبب في أن أزمة الخوف من الهجر النفسية تصبح أكثر وضوحاً مع التقدم في العُمر، ويمكنها أن تؤثر على العلاقات بشكل فادح.
أنواع الخوف من الهجر التي تصيب الشخص باضطرابات عاطفية
1- أسلوب التجنب
الأشخاص الذين يتبعون هذا النمط لا يسمحون لأي شخص بالاقتراب منهم.
لذا قد تشعر أنك لا تستطيع الانفتاح أو الوثوق بالآخرين، ما يجعلك تبدو بعيداً أو انطوائياً أو منعزلاً.
ويقوم الشخص بهذا السلوك خوفاً من التعلُّق بالآخرين، ثم التعرُّض لخيبة الأمل منهم وانسحابهم من حياته، أو "هجره".
2- أسلوب التعلُّق القلق
يتأقلم الأشخاص الذين يعانون من هذا النوع من التعلُّق من خلال تطوير علاقات وثيقة للغاية واعتمادية واتكالية على الآخرين.
قد تشعر بالقلق حيال إبعاد نفسك عن المقربين منك، وتميل إلى رد الفعل العاطفي الحاد. وقد يكون من السهل للمصاب أن يعتبر أي خلافات على أنها مصدر قلق وتهديد مباشر بالتعرُّض للهجر، ما يجعله يتصرف بدافع الخوف والهلع.
3- نمط التعلُّق غير المنتظم
يواجه الأشخاص الذين يعانون من هذا النمط من التعلُّق صعوبة في البقاء حميمين وقريبين، ولكن يمكن أن يكونوا غير منتظمين في تلك المشاعر أيضاً.
بمعنى آخر، قد يشعر المصاب بالقلق من أن يكون متقارباً للغاية ممن حوله، أو يرغب في تجنب التقارب بعد أن يبادر في التقرُّب من الآخرين.
وهو أسلوب مرتبك وغير ملتزم بأي من القرارين بشكل متواصل.
الأعراض التي يتجسد فيها الاضطراب عند المصابين به
علاوة على ما سبق، يعاني المصاب باضطراب الخوف من الهجر من الرغبة الدائمة في إسعاد الآخرين، أو يحتاجون إلى طمأنة مستمرة بأنهم محبوبون ومرغوبون.
وتشمل العلامات الشائعة للاضطراب ما يلي:
- العطاء أكثر من اللازم أو الإفراط في الحرص على الإرضاء.
- الغيرة في علاقتك أو من الآخرين.
- مشكلة في الوثوق بنوايا شريكك.
- الشعور بعدم الأمان حيال علاقتك.
- الشعور بصعوبة من الحميمية العاطفية.
- تعدد العلاقات السطحية.
- الحاجة إلى فرض سيطرتك أو التعرُّض لسطوة سيطرة شريك حياتك.
- الإبقاء على علاقات سامة ومؤذية سواء في العمل أو الصداقات أو الزواج.
كيف يمكن علاج هذا النوع من الاضطرابات النفسية؟
إذا كان خوفك خفيفاً ويتم التحكم فيه جيداً فقد تتمكن من التعامل معه ببساطة عن طريق الوعي والتثقيف حول ميولك، وتعلم استراتيجيات سلوك جديدة. ومع ذلك، بالنسبة لمعظم الناس، فإن الخوف من الهجران متجذر في قناعات عميقة الجذور يصعب حلها بمفردها.
رغم أن معالجة الخوف بحد ذاته أمر بالغ الأهمية، فإنه من الضروري أيضاً بناء شعور بالانتماء والتقدير لذاتك، وبدلاً من تركيز كل طاقتك وتفانيك على شريك واحد، ركز على بناء مجتمع وتعزيز شعورك بالاكتمال.
لا أحد يستطيع حل جميع مشاكلنا أو تلبية جميع احتياجاتنا، لكن يمكن لمجموعة قوية من العديد من الأصدقاء المقربين والأقارب وأفراد المجتمع أن يلعب كل منهم دوراً مهماً في توازن حياتنا.
ومع ذلك، أحياناً تتطور أعراض اضطراب الخوف من الهجر وتتحول إلى أزمة تهدد قدرة الشخص على الحياة والتفاعل مع الآخرين بشكل صحي وطبيعي.
لذلك من المهم استيعاب كيفية التعامل مع الاضطراب النفسي برفق وحزم في ذات الوقت، لكي يتمكن الشخص من تجاوز مخاوفه والارتباط بمن حوله بشكل صحي ونافع له ولمن حوله.
ويركز أساس العلاج على إنشاء حدود عاطفية صحية في العلاقات مع الآخرين.
وأيضاً بناء ترسانة من الاستجابات الواعية والمُهدِّئة عندما تشعر بأن أنماط التفكير القديمة المقلقة والمؤذية تظهر مرة أخرى.
وتشمل العلاجات الأولية للخوف من الهجران ما يلي بحسب موقع Healthline للصحة:
1- العلاج النفسي المتخصص: اطلب المساعدة من أخصائي الصحة العقلية والنفسية، مثل المعالج النفسي أو أخصائي العلاج السلوكي المعرفي.
إذ يمكنهم مساعدتك في التغلب على مخاوفك من هاجس تخلي الآخرين عنك.
كما سيعملون معك على فهم مصدر الخوف وما يمكنك فعله عندما تشعر أن الخوف يتفاقم.
العناية بالنفس والرفق: قد يستفيد الأشخاص الذين يعانون من خوف الهجر من الرعاية الذاتية وتحسين مستوى الروتين اليومي الفردي.
إذ من الضروري التأكد من تلبية الاحتياجات العاطفية للصداقات والعلاقات بأنواعها. بهذه الطريقة ستكون قادراً على الاهتمام بشريكك أو صديقك أو طفلك بشكل أفضل.
لا تكن وحيداً
يقول العديد من الأشخاص الذين يخافون من الهجران إنهم لم يشعروا أبداً بأن لديهم "قبيلة" أو "مجموعة" عندما كانوا يكبرون. مهما كانت الأسباب، فقد شعروا دائماً أنهم شخص "آخر" أو منفصلون عمن حولهم. لكن الخبر السار هو أنه لم يفت الأوان أبداً.
وبحسب موقع Very Well Mind، مهما كانت المرحلة الحالية من حياتك، من المهم أن تحيط نفسك بأفراد آخرين متشابهين في التفكير والميول والاهتمامات.
قم بعمل قائمة بهواياتك وشغفك وأحلامك الحالية، ثم ابحث عن آخرين يشاركونك اهتماماتك.
وفي حين أنه من الصحيح أنه لن يصبح كل من يشاركك الاهتمام صديقاً مقرباً، فإن الهوايات والأحلام هي نقطة انطلاق ممتازة نحو بناء شبكة دعم قوية تشعرك بالأمان العاطفي، الذي يقابل مخاوف من التعرُّض للهجر والتخلي.
ويساعد العمل على شغفك أيضاً في بناء الثقة بالنفس والاعتقاد بأنك قوي بما يكفي للتعامل مع كل ما تواجهه في طريقك.