الثقوب السوداء… وحوش كونية داكنة اللون عظيمة الجاذبية تبتلع كل ما يصادفها في الفضاء، حتى الضوء لا يستطيع الإفلات منها، لكن كيف يمكن اكتشافها وتحديد عددها طالما أنها تتميز بلونها الأسود الشبيه بلون الفضاء المحيط بها؟
لا نستطيع الجزم بالعدد الكلي للثقوب السوداء الموجودة في الكون، لكن نستطيع إيجاد عدد تقديري، وهذا ما فعله العلماء وفقاً لدراسات حديثة بينت أن 1% من المادة الموجودة في الكون مبتلعة في الواقع داخل الثقوب السوداء.
كيف يتكون الثقب الأسود؟
ببساطة شديدة الثقب الأسود هو عبارة عن نجم ميت.
كي نفهم أكثر كيفية تشكل الثقب الأسود ينبغي علينا تتبع دورة حياة النجوم من البداية، وسأشرح لكم الأمر هنا بشكل مبسط:
تحدث تفاعلات نووية داخل النجوم مما يجعلها متوهجة ونابضة بالحياة، ويعتبر الهيدروجين وقوداً لهذه التفاعلات، فاحتراقه يضمن توهج النجم من جهة ويمنع انهيار النجم تحت تأثير جاذبيته من جهة أخرى.
لكن من المؤسف أن هذا الهيدروجين لا يدوم إلى الأبد -مع أنه يستمر في الاحتراق لملايين أو مليارات السنين- وعندما ينفد الهيدروجين أخيراً يبدأ النجم بالانهيار تحت تأثير قوة جاذبيته نفسها.. بمعنى آخر يأكل النجم نفسه تحت تأثير جاذبيته، ثم.. يموت.
عند موت النجوم قد تتحول إلى واحد من ثلاثة أشكال مختلفة، تبعاً لكتلتها:
1. إذا كانت كتلة النجم صغيرة، ستتحول إلى ما يسمى "القزم الأبيض" عندما تموت، والقزم الأبيض هو نجم ذو سطوع خافت وحجم صغير -تقريباً بحجم كوكب الزهرة- أطلق عليه اسم قزم، لأن حجمه صغير جداً مقارنة بأحجام النجوم.
2. وإذا كانت كتلة النجم متوسطة، ستتحول إلى ما يسمى بـ"النجم النيوتروني"، وهو جرم سماوي ذو قطر متوسط يقدر بحوالي 20 كم وكتلته تتراوح ما بين 1,44 و3 كتل شمسية.
3. أما إذا كان النجم عملاقاً ذا كتلة كبيرة، فإنه يتحول إلى ثقب أسود عند موته.
والثقب الأسود هو منطقة في الفضاء ذات كثافة مهولة (أي تحوي كتلة بالغة الكبر بالنسبة لحجمها) تفوق غالباً مليون كتلة شمسية.
وإضافة إلى كثافته الشديدة يتمتع الثقب الأسود بجاذبيته العالية أيضاً، حيث له القدرة على ابتلاع كل المواد المحيطة به، والجاذبية عظيمة لدرجة أنه حتى الضوء لا يستطيع الإفلات منها، ولهذا تسمى ثقباً أسود.
هل من الممكن أن نعرف عدد الثقوب السوداء في الكون؟
وفقاً لما ورد في موقع Black Holes، فإن محاولة عد الثقوب السوداء الموجودة في الكون تشبه محاولة عد حبات الرمال في الصحراء.. مع ذلك لا بأس من المحاولة.
في دراسة تم نشرها في دورية The Astrophysical Journal قام الباحثون برسم نموذج يحاكي تطور المجرات على مدى مليارات السنين لمعرفة عدد النجوم العملاقة الميتة وبالتالي تخمين عدد الثقوب السوداء التي خلفتها.
وقد أخذ العلماء بعين الاعتبار حقيقة أن بعض المجرات تستطيع تشكيل نجوم جديدة بشكل دوري، بينما تعجز مجرات أخرى عن ذلك.
أما العامل الآخر الذي أخذ بعين الاعتبار فهو "معدنية" المجرة، والذي يعتبر مقياساً يحدد كمية العناصر الموجودة داخل كل مجرة -فيما عدا الهيدروجين والهيليوم- حيث إن وجود كمية أكبر من المعادن يمكنه أن يعزز تبريد الغازات الموجودة في المجرة، مما يساعد المجرات على إنتاج نجوم جديدة بصورة فعالة.
ومع مراعاة هذه العوامل، امتلك علماء الفلك نموذجاً لمجموعات النجوم داخل المجرات، وكشف لهم هذا النموذج عن عدد النجوم الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، التي تظهر في الكون.
ولمعرفة عدد الثقوب السوداء التقريبي في الكون المرئي، احتاج علماء الفلك تعقب تطور هذه النجوم، والأهم من ذلك تعقب موتها.
من أجل الوصول إلى ذلك، لجأوا إلى نماذج محاكاة تربط خصائص كل نجم (كتلته ومعدنيته) بعمر النجم وموته في نهاية المطاف. وأوضحت هذه النماذج للعلماء نسبة نجوم المجرة التي تموت سنوياً.
وللحصول على نتائج أقرب ما تكون إلى الدقة تعقب العلماء تطور الأنظمة الثنائية، حيث إن الثقوب السوداء تتغذى على شقيقاتها من النجوم، وتصير محتقنة بغازاتها خلال هذه العملية. ولذا فإن أي ثقب أسود يتشكل في نظام ثنائي سوف يصير في نهاية المطاف أكبر من أي ثقب أسود يولد مفرداً.
وبينما تتقدم الثقوب السوداء في أعمارها، تواصل التغذي على أي غازات محيطة بها، وهو ما أخذه علماء الفلك بعين الاعتبار كذلك.
وأخيراً، لإصدار مسح دقيق قام العلماء بتقدير معدل اندماج الثقوب السوداء داخل المجرة، حيث إن الثقوب السوداء قد تتلاقى في بعض الأحيان وتندمج معاً.
ما هي النتيجة التي توصل لها العلماء؟
وفقاً لما ورد في موقع Live Science الأمريكي، وبعد أن أخذ الباحثون العديد من العوامل بعين الاعتبار، استطاعوا تعقب عدد الثقوب السوداء التي وُجدت على مدى مليارات السنوات.
وأنتج العلماء ما سُمي بـ"وظيفة الكتلة"، وهو نوع من التعداد الفلكي، يخبرهم بعدد الثقوب السوداء ذات الأحجام المختلفة التي وُجدت في مرحلة ما من الزمن.
لم يفاجأ العلماء باكتشاف أن الثقوب السوداء الأكبر، التي تُعرف بالثقوب السوداء فائقة الضخامة، كانت أندر من نظيراتها الأصغر.
ووجد الباحثون أنه في كل ميغا فرسخ فلكي مكعب من الفضاء (حيث تعادل الميغا فرسخ مليون فرسخ، أو 3.26 مليون سنة ضوئية)، يستضيف حوالي 50 مليون كتلة شمسية من الثقوب السوداء.
إذا كان كل ثقب أسود يعادل بضعة أضعاف من كتلة الشمس، فهذا يعني وجود حوالي 10 ملايين ثقب أسود بنفس الحجم.
من أجل وضع هذا في سياق قابل للتصور والقياس، لنعلم أن إجمالي الكتلة التي تحتويها الثقوب السوداء يبلغ حوالي 10% من الكتلة التي تحتويها النجوم. يعني هذا وجود عدد من الثقوب السوداء المتربصة بين كل النجوم التي تراها في السماء ليلاً.
على الجانب الآخر، تكون الثقوب السوداء فائقة الضخامة شديدة الندرة، إذ تحتوي كل مجرة عادة على واحدة فقط من هذه الوحوش الكونية.
وتشكل الثقوب السوداء مجتمعة حوالي 1% من المادة المظلمة في الكون المرئي، ولكن يبقى ذلك شيئاً مثيراً للاهتمام، ويعني أن الثقوب السوداء منتشرة بصورة مرعبة.