رغم نجاحها في الفرار من هول الحرب والأوضاع المزرية بسوريا عام 2015، ووصولها إلى القارة الأوروبية، إضافة إلى حصولها على اللجوء في ألمانيا، فإن محترفة السباحة السورية سارة مارديني لم تنسَ أهوال الهجرة والمهاجرين، وكرَّست حياتها لإنقاذ عدد منهم، لكنها اليوم تواجه تهماً ثقيلة، وتدفع ثمن عداء أوروبا للمهاجرين.
في تصريح لموقع Middle East Eye البريطانية، الخميس 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قالت سارة مارديني: "لقد نجوت من حرب أهلية، واجتزت بحراً محفوفاً بالمخاطر بحثاً عن ملجأ لي في أوروبا، واستطعت الحفاظ على رباطة جأشي طوال ذلك الوقت. لكن شعور الصدمة الذي عانيته بعد اتهامي بتهمٍ جنائية، لأنني ساعدت طالبي اللجوء، هو شيء لا يمكنني أن أنساه أبداً".
قصة كفاح غير مسبوقة
في ذروة أزمة اللاجئين السوريين إلى أوروبا في عام 2015، نجحت سارة، البالغة من العمر 26 عاماً، وشقيقتها يسرا، في الفرار من سوريا، وتصدَّرت أخبارهما عناوين الصحف الدولية؛ لاجتيازهما رحلة مليئة بالأهوال.
فالأختان المحترفتان للسباحة لم تكتفيا بالسباحة عبر بحر إيجة بين تركيا واليونان، لكن تمكنتا أيضاً من إنقاذ لاجئين آخرين بعد أن تخلى قاربهم المطاطي عنهم.
بعد حصولها على حق اللجوء في ألمانيا، شاركت يسرا في دورتي الألعاب الأولمبية لعام 2016 وعام 2020. وفي غضون ذلك، حرصت أختها الكبرى سارة على استخدام مهاراتها في خدمة اللاجئين والاستمرار في مساعدتهم.
عادت سارة إلى اليونان في عام 2016، وبدأت العمل التطوعي مع "المركز الدولي للاستجابة للطوارئ" ECRI، وهو منظمة غير حكومية لم تعد موجودةً الآن، في جزيرة ليسبوس اليونانية.
تقول سارة مارديني لموقع Middle East Eye: "شعرت في اليونان كأني في بيتي الثاني بعد سوريا. أحببت حميمية الناس وعرفت الجميع هناك، سواء كانوا سكاناً محليين أو لاجئين. لذلك كان عليَّ أن أعود إليها".
لكنها لم تكن تعلم أن منزلها الثاني سرعان ما سيعتبرها تهديداً وطنياً.
بعد أشهر قليلة من حمل شقيقتها عَلم فريق اللاجئين في حفل افتتاح الأولمبياد، كانت سارة مارديني واحدة من 24 عاملاً في المجال الإنساني تحاكمهم اليونان هذا الأسبوع، بتهم تسهيل الهجرة غير الشرعية إلى الاتحاد الأوروبي. وإذا أُدينوا بالذنب في هذه التهم، فقد يواجهون عقوبات تصل إلى 8 سنوات في السجن.
وقضية سارة مارديني ليست حالة استثنائية في الاتحاد الأوروبي، فقد أدت أزمة اللاجئين إلى انقسام الرأي العام المدني والسياسي حول ما إذا كان أولئك الذين يساعدون طالبي اللجوء أبطالاً أو مجرمين.
اعتقال سارة
في أغسطس/آب 2018، اعتُقلت سارة مع أحد زملائها المتطوعين في مركز الاستجابة الدولية للطوارئ، المواطن الأيرلندي شون بيندر. واتهمتهما السلطات اليونانية بالتجسس وغسل الأموال والاتجار بالبشر، وهي تهم تصل عقوبتها في اليونان إلى السجن 25 عاماً.
وفقاً لما ذكره زكريا كيسيس، وهو محامٍ جنائي في أثينا يترافع عن مارديني وبيندر، أصدرت الشرطة اليونانية بياناً بعد القبض عليهما، قالت فيه إنها كانت تحقق مع 30 شخصاً يُعتقد أنهم متورطون في تسهيل عبور المهاجرين غير الشرعيين إلى البلاد.
من جهة أخرى، تشير دراسة نشرتها منصة الأبحاث الأوروبية ReSoma إلى ارتفاع عدد الأشخاص المدانين جنائياً بسبب عملهم الإنساني، من 10 أشخاص في عام 2015 إلى 104 في عام 2018.
يقول المحامي كيسيس: "عندما استنفرت اليونان لمواجهة أزمة اللاجئين، بدأت الحكومة اليونانية في تهديد كل من يبدي التضامن مع طالبي اللجوء. لكن التهم الجنائية الموجهة إلى شون وسارة لا أساس لها، لأنهما لم يتلقّيا أي أموال لإنقاذ اللاجئين، وهذا هو ما يسمى التهريب. ما فعلاه كان عملاً إنسانياً محضاً، وهذه ليست جريمة".
قضت سارة وبيندر 108 أيام في الاحتجاز السابق على المحاكمة في اليونان، واحتجزت سارة في زنزانة بأثينا، وهي لحظة تقول إنها لن تنساها أبداً.
بعد ضغوط من مجموعات عديدة للإغاثة الإنسانية، أُفرج عن سارة وبيندر من الاحتجاز السابق على المحاكمة، في ديسمبر/كانون الأول 2018، بكفالة بلغت قيمتها 5655 دولاراً.
محاكمة عن بعد
من المقرر أن تنظر المحكمة اليونانية في قضيتي مارديني وبيندر يوم الخميس 18 نوفمبر/تشرين الثاني. لكن مارديني لن تستطيع تمثيل نفسها في المحاكمة، بسبب الأمر الصادر بمنعها من دخول البلاد.
يوضح محاميها كيسيس، الذي يمثّلها في المحاكمة قائلا: "طلبنا من السلطات اليونانية السماح لسارة بالسفر إلى اليونان؛ لتتمكن من حضور جلسة الاستماع، لكن الجواب جاء بالرفض".
تعذَّر الوصول إلى السلطات القضائية في ليسبوس للتعليق على ما ورد. لكن من المنتظر أن يحضر جيورجوس كوزموبولوس، من منظمة العفو الدولية، في قاعة المحكمة لمراقبة الجلسة.
وقال كوزموبولوس لموقع MEE: "كان مفاجئاً لنا عدم السماح لسارة بحضور المحاكمة. لقد كنا على تواصل مع السلطات اليونانية لفهم سبب اعتقالهم إياها في المقام الأول، ونأمل أن يتخذ القضاة قراراً عادلاً".
وأضاف: "من جانبنا، فإننا نرى أن هذه المحاكمة ما كان يجب أن تحدث على الإطلاق. الخطاب المعادي للاجئين يشتد قوة في أوروبا، لكن لا ينبغي أن يكون العمل الإنساني مجرَّماً. إنه واقع مُحزن الذي نشهده حالياً ويحتاج إلى تصحيح".
هذا الأسبوع، نُظمت عدة مسيرات للتضامن في بروكسل واليونان؛ للمطالبة بإسقاط التهم الموجهة إلى سارة وبيندر العاملَين في المجال الإنساني.
يحضر بيندر المحاكمة في ليسبوس، فيما تأمل سارة مارديني خيراً وتنتظر نتيجة المحاكمة من برلين. وتقول: "أرجو أن ينظر إليَّ القاضي بِعَين الإنسانية ويُبرئني. أنا لست بطلة، كل ما فعلته هو مساعدة الناس. لكنني الآن شخص أقوى بكثير من الاستسلام لهذا العالم، ومستعدة لمواجهة أي شيء تطرحه الحياة في وجهي".