بين العديد من ثقافات العالم، يحمل مفهوم العين الحاسدة أو العين الشريرة منزلة خاصة في المجتمعات العربية، وغالباً ما يُعتبر الحقد والكراهية والغيرة سبباً لحدوث تبعاتها على ضحاياها.
تأثير الحسد وضحاياه المرجَّحون وفقاً للمعتقدات الثقافية
ونتيجة لذلك، شاعت الاعتقادات في الشرق الأوسط بأن العين الحاسدة يمكن أن تتسبب في مشكلات تتراوح من الأزمات المتوسطة وصولاً للكوارث الكبرى، مثل المرض والعقم ومشاكل الولادة ونقص حليب الرضاعة والمشاكل الزوجية والحوادث وغيرها.
كما يُعتقد أيضاً أن العين الحاسدة تؤثر على الأطفال والبالغين والماشية وممتلكات الناس. ويُعتبر الشباب والأثرياء والوسيمون وأصحاب الصحة القوية والأجسام الممتلئة الأكثر عرضة لمخاطر العين الحاسدة من غيرهم.
ونظراً لذلك الاعتقاد القوي في كافة المجتمعات في الشرق الأوسط منذ القِدم، كان من الطبيعي أن تنتشر طقوس وتمائم معينة من شأنها "حماية الشخص" من العين الحاسدة، لكي تحفظه من تأثيرها المؤذي المُحتمل، بحسب Middle East Eye.
ويتوافق الإيمان بالعين الشريرة عربياً مع مفهوم الحسد أو "العيون الخضراء" في الثقافات الغربية. وهي تُعرف بالعربية اصطلاحاً باسم "الإصابة بالعين"، أو "تلقّي العين".
العين الشريرة عبر التاريخ
استخدم قدماء المصريين الكحل لرسم حافة سوداء حول العينين للحماية من دخول الأرواح الشريرة الحاسدة إلى داخل الروح.
ولا يزال هناك تقليد مماثل يمارس حتى اليوم في أجزاء من جنوب آسيا.
وقد نشأت قلادات العين الزرقاء للحماية من "القوى الروحية الخبيثة" في بلاد ما بين النهرين، وكان لدى الإغريق القدماء رموز مماثلة لدرء الشر الناجم عن الغيرة والحسد، وفقاً لموقع Middle East Eye.
وفي بعض المجتمعات البدوية، تترك بعض الأمهات أطفالهن غير مهندمي الهيئة أو اللباس خوفاً من أن جمالهم قد يثير إصابتهم بالعين الشريرة والكوارث.
وقد كان الإيمان بالعين الشريرة وشيوع وسائل الحماية منه موجوداً منذ بداية التاريخ المسجل تقريباً، على الأقل منذ عهد السومريين، قبل 5000 عام.
وهناك مقولة شائعة بين البدو تعكس مغزى العين تقول: "العين الشريرة يمكن أن تدفع بالإنسان إلى قبره، وبالجَمَل إلى إناء الطهي"، بحسب الموقع.
وفي الفلكلور البدوي هناك 3 مستويات للعين الشريرة: شخص يمدح شيئاً عن غير قصد دون أن يبارك بشكل صحيح؛ شخص يدرك حسده ولكنه يتجنب قول أي شيء؛ والإرادة، وهو الشخص الذي يبحث عمداً عن مزايا شخص معين لإصابته بالحسد.
ويمكن العثور على مفهوم العين الشريرة في الديانات الإبراهيمية، ويُقال إن النبي محمد قال: "ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين"، صحيح مسلم.
تجارب حديثة من دول عربية مختلفة مع الحسد والعين الشريرة
وفي إحدى الحكايات الشائعة على نطاق واسع، قيل إن امرأة عراقية طلبت من زوجة ابنها كسر أصيص زرع على مدخل منزلها الجديد لكي تشتت انتباه الزائرين عن جمال بيتها.
وتقول هالة يحيى، ربة منزل سعودية، لموقع Arab News إن العين الشريرة حقيقة موجودة في المجتمع؛ لذلك عند تلقيها أي مديح تطالب الناس فوراً بقول "ما شاء الله" لاتقاء الحسد والعين الشريرة، موضحة أنها عادة ما تردد آيات معينة من القرآن الكريم لتجنب العين الشريرة والحصول على الحماية.
وتقول ناهد أبو عسل، ربة منزل أردنية وأم لطفل، إنها زعمت دائماً أن ابنها مريض وضعيف منذ ولادته لضمان عدم إصابته بالعين؛ لأنه في تقاليد مُجتمعها، تُعتبر ولادة الأبناء أكثر قيمة من ولادة البنات.
أما في شمال إفريقيا، فتقول سعيدة بوشويشة، وهي أم مغربية لثلاثة أطفال، إن العائلات في مجتمعها لا تزال متمسكة بتقاليدها القديمة لتجنب العين الحاسدة.
ولتجنب العين الشريرة يتم رش الماء في الأماكن التي جلس فيها الحاسد في المنزل، كما أنهم يرشون الماء على الباب بمجرد أن يغادر شخص مشكوك في أمره.
وتتابع بوشويشة: "في تقاليدنا، لحماية المولود الجديد من العين الشريرة، نضع سكيناً تحت وسادته. عندما أنجبت ولديَّ، أصبحت والدتي مهووسة للغاية وأصرت على اتباع التقاليد القديمة لتجنب العين الشريرة. أنجبت طفلي الثالث في السعودية ونسيت ما فعلته أمي. أنا أقرأ القرآن فقط من أجل حمايته".
الحسد جزء من التراث الشعبي في الشرق الأوسط
قال منصور بن عسكر، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود، لموقع Arab News، إن الإيمان بالعين الحاسدة يُعد جزءاً من التراث العربي، موضحاً: "الإيمان بالعين الشريرة جزء لا يتجزأ من التراث الشعبي لجميع مجتمعات الشرق الأوسط التقليدية".
وقد نصح الإسلام الناس باتباع أساليب مختلفة لحماية أنفسهم من العين الحاسدة وعلاج أعراضها. وطرق الحماية والعلاج هذه يقوم بها المعالجون الدينيون الذين يلعبون دوراً حيوياً في علاج العين الشريرة، على حد قوله.
كما أضاف أن تلك الطرق تعمل أحياناً في علاج الشخص المصاب بالحسد، وأحيانًا لا يكون مقدراً لها أن تُحدث أي تغيير.
وتابع: "أوضح الإسلام أن العين الشريرة موجودة بالفعل ويجب تجنُّبها. وقد تغضب معظم العائلات عندما يشتكي الناس من العين الشريرة، لكن لا ينبغي لهم ذلك"، مضيفاً أنها "مذكورة في القرآن".
طقوس وتمائم عربية شائعة لدرء الحسد والعين الشريرة
العين الزرقاء وكف اليد
هذه الوسائل ينتشر اقتناؤها في العديد من المنازل العربية، ويمكن حتى رؤيتها متدلية من مرآة الرؤية الخلفية للسيارات، أو يتم ارتداؤها حول الرقبة أو المعصم كمجوهرات للنساء.
ويوضح موقع Evil Eye Store للتمائم الزرقاء أن حبات الزجاج الأزرق، مع بقعة بيضاء ونقطة سوداء أصغر في المنتصف، في شكل عين تُسمى "نزار" باللغة التركية، ويُعتقد أنها "تحدِّق في العالم لدرء العين الشريرة والحفاظ على سلامتك من الأذى".
وقيل إنها استُخدِمت للحماية من الحسد لدى الشعوب الآشورية والفينيقية والرومانية والعثمانية واليونانية.
ومنذ ذلك الحين، كان الناس يربطون حبة العين الزرقاء في كل ما يرغبون في حمايته من الأعين الشريرة. بداية من الأطفال حديثي الولادة إلى الخيول أو حتى أبواب المنازل.
وهناك تميمة شهيرة أخرى تُسمّى "يد فاطمة"، على اسم ابنة النبي محمد. وغالباً ما يكون لها عين زرقاء في وسط راحة اليد للحماية من سوء الحظ وحماية صاحبها من قوى العين الشريرة.
قراءة الآيات القرآنية للحفظ من الحسد
على الرغم من الانتشار الواسع للتمائم في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، يؤمن العديد من المسلمين أنها غير مسموح بها في الإسلام ويعارضون بشدة استخدامها باعتبارها "شكلاً من أشكال الشرك".
وهم يؤمنون أن الله وحده هو القادر على حماية الإنسان من العيون الشريرة.
وبالتالي فإن تقاليد المسلمين ضد العين الشريرة متجذرة في آيات قرآنية بعينها، مثل المعوذتين وهما سورتا "الفلق" و"الناس" وقراءة سورة "الفاتحة" و"البقرة"، وقول عبارات مثل "ما شاء الله" و"تبارك الله" والصلاة على النبي محمد.
كما يستخدم المسلمون "الرقية الشرعية"، وهي مجموعة من السور القرآنية والأدعية، لكي تتم حماية الشخص وعلاجه من العين الشريرة إذا ما كان يعاني من مشاكل غير مفهومة يُرجح أنها نتيجة تعرُّضه للحسد.
حرق البخور لطرد الأرواح الشريرة والحسد
يُعد حرق البخور لدرء الأرواح والقوى السيئة ممارسة شائعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وجنوب آسيا وشرق آسيا.
ويحرق البدو العود أو البخور حول الشخص الذي يُعتقد أنه مصاب بالحسد، وذلك لـ"تنظيف الطاقة السلبية التي أصابته بها العين".
وبحسب دراسة بعنوان "العين الشريرة والمعتقدات الثقافية"، تم نشرها بمجلة Folklor العلمية للتراث عام 2005، يُفضَّل في مصر حرق الحبة السوداء (حبة البركة) أو الزعتر والملح.
وقد أصبحت البخور عادة لطرد الأرواح الشريرة والطاقة السلبية حتى في مختلف الدول الغربية مؤخراً، وذلك مع تنامي صيحات اليوغا والتأمُّل والإيمان بالطاقة.
وغالباً ما يتم حرق البخور بأنواعها، في المنازل والمتاجر وغيرها، إيماناً أنها قادرة على طرد الطاقة السلبية من المكان وزيادة الرزق والوفرة والحماية من الأرواح الشريرة.
البصق 3 مرات للحماية من الحسد
البصق الوهمي مع عدم طرد أي لعاب من الفم، أو ما يُسمى التفل، تتم ممارسته ثلاث مرات في المرة الواحدة من أجل إزالة تأثير الحسد والعين الشريرة أيضاً.
وقد مورس هذا الطقس من قِبَل العديد من الثقافات، بما في ذلك الإغريق والرومان، حيث سموا تلك العملية اسم "despuere malum"، التي تعني "البصق على الشر".
وكان يتم استخدام هذه الطريقة للوقاية من الحسد وطرد الشؤم والحظ السيئ.