تركز العديد من تقنيات إدارة الإجهاد الفعالة على فوائد النظرة الإيجابية وضرورة التعامل مع مجريات الأمور بروح رياضية مرحة؛ إذ يجلب التفكير الإيجابي فوائد عظيمة على الصحة الجسدية والنفسية، كما يمكن أن يكون الموقف المبهج معدياً فيمتد تأثيره لمن حولك.
في المقابل، يمكن للتركيز المستمر على الجوانب السلبية أن يحجب الكثير من مباهج الحياة عن أنظارك، ويمكن أن يُضعف الشعور العام بالرفاه والامتنان، ويمكن أيضاً أن يُعتبر "استنزافاً" لطاقة الآخرين من حولك، وفقاً لموقع Very Well Mind للصحة النفسية.
ومع ذلك، تعتبر الشكوى "هواية رائجة" بين الكثير من الناس، إن لم يكن معظمهم. وقد اتضح أن هناك بعض الفوائد لتخفيف التوتر من خلال الشكوى، لكن في ذات الوقت يمكن لتلك الفائدة أن تتضاءل إذا ما تطورت الشكوى لحالة من الغضب والاجترار.
في هذا التقرير نستعرض كيف من الممكن عند التعبير عن الإحباط بجرعات صغيرة أن يتم تخفيف الشعور بالقلق والتوتر والإجهاد، ومتى قد يتحول الأمر إلى ضده ويبدأ في الإضرار بالشخص ومن حوله.
لماذا نقوم بالشكوى من مختلف الأمور؟
عادة ما نقوم بالشكوى عندما نشعُر بفجوة كبيرة بين الواقع والتوقعات.
ويتحدث عالم النفس جاي ونش، مؤلف كتاب The Squeaky Wheel: Complaining the Right Way to Get Results أو "كيف يمكنك الشكوى بالطريقة الصحيحة لتحقيق النتائج""، حول قيمة الشكوى وكيفية استخدامها لتحسين العلاقات وتعزيز احترام الذات.
ويقول عالم النفس: "يمكن للشكوى أن تجعلنا نشعر وكأننا نتواصل مع شخص ما لأننا نشعر بعدم الرضا المتبادل بشأن شيء ما"، ومع ذلك، يميل الناس إلى الخلط بين الشكوى والتشكّي.
فنحن عندما نشكو، نريد إصلاح المشكلات والعقبات. على سبيل المثال، إذا قام ميكانيكي بتحصيل رسوم إضافية مقابل تغيير الزيت، فمن المحتمل أن تشتكي له إلى أن يقبل تخفيض السعر.
ولكن عند التشكي، نشعر بالإحباط من أنفسنا ومن كل شيء – على سبيل المثال، الصراخ في زميل العمل لأن الزحام المروري جعلك تتأخر.
ويقول ونش بحسب NBC News، إن الشكوى بنسب معينة أمر صحي – لكن الكثير منها يمكن أن يملأنا بهرمونات القلق والتوتر، ويضيف أنه يمكن أيضاً أن يصيب من حولنا بسلبيتنا وبمشاعر الضيق والحزن والغضب.
ولتحديد ما إن كنت تمارس هذا النمط بشكل يزيد عن حده الصحي المسموح، ألقِ نظرة على رسائلك النصية ورسائل البريد الإلكتروني لمعرفة ما إذا كان هناك نمط سلبي عام لكيفية تواصلك مع الآخرين.
ماذا يحدث لو تم منعنا من الشكوى على الإطلاق؟
ويقول إن معظم الناس إنهم يتواصلون بإيجابية بنسبة 80% إيجابية و20% بشكل سلبي؛ لذلك إذا كانت تجد نفسك تتحدث بشكوى بنفس قدر حديثك الإيجابي، فاعلم أن لديك مشكلة.
ومع ذلك، السبب الأكثر وضوحاً للشكوى هو أن الحياة ليست مثالية.
ويأتي التوقع غير الواقعي للأحداث والأمور من حولنا وأننا يجب أن نكون سعداء دائماً هو السبب الذي يجعلنا نشعر بالسوء باستمرار.
وفي حال تم منعنا من الكشف عن عدم رضانا "يمكن أن ينتج عن ذلك تأثيراً سلبياً، لأنه يمنعنا من تحديد مشكلتنا والوصول إلى جذرها".
كيف يمكننا ممارسة الشكوى بطريقة صحية؟
وفقاً لصحيفة New York Times، هناك طريقة صحيحة وخاطئة للشكوى.
ويوضح روبن كوالسكي، أستاذ علم النفس في جامعة كليمسون الأمريكية: "نعم، من الجيد الشكوى من كل ما هو سيئ أو على غير المستوى المرجو، لكن هناك طريقة صحيحة للقيام بذلك".
تتمثل الخطوة الأولى لإتقان فن الشكوى الصحية في تحديد نوع الشكوى الذي تشارك فيه وتشارك به الآخرين.
ويقسم خبراء علم النفس هذا السلوك إلى 3 فئات رئيسية: التشكي وحل المشكلات والاجترار – واتضح أننا لا نمارس جميع أنواع تلك الشكوى.
وفي حين أن التشكي وحل المشكلات يمكن أن يكونا سلوكيات بناءة، فإن اجترار الأفكار يميل إلى أن يكون أقل إنتاجية، ويمكن أن يؤدي حتى إلى حدوث المشكلات والإصابة بالقلق والاكتئاب.
وتقول تينا جيلبرتسون، أخصائية نفسية ومؤلفة كتاب "الانشغال البناء: الشكوى، من الناحية المثالية، تركز على الحلول": "الاعتراف بالمشاعر أمر صحي، إنه مفيد لك من الناحية الفسيولوجية وهو مفيد لصحتك العاطفية".
ويُعد مفتاح الشكوى البناءة التي تستفيد من هذه الإمكانات هو اليقظة والوعي عند ممارستها، مما يعني الاعتراف بما تفعله، ولماذا، وتأثير ذلك عليك وعلى الآخرين.
ويمكن أن يساعدك اتباع نهج مدروس وقائم على الحلول للشكوى ليس فقط في التخلص من التوتر، ولكن أيضاً في بناء العلاقات، وإذا تم القيام به بشكل صحيح، فقد يساعدك أيضاً على حل المشكلات.
متى تصبح الشكوى نمطاً سلبياً ضاراً بالصحة النفسية؟
على الرغم من أن الشكوى تحدث بصورة عشوائية على الأغلب، فإن التركيز على الأمور غير المريحة ليس بالضرورة أمراً جيداً على الدوام، وفقاً لصحيفة New York Times.
وتقول مارجوت باستين، أستاذة التواصل والعلاقات في قسم علم النفس المدرسي والتنمية في الجامعة البلجيكية، إن اجترار المشاعر السلبية وتعزيزها من خلال المناقشة المستمرة مع الآخرين يمكن أن يؤدي إلى كارثة، وهو "شيء يمكن أن يساهم في إصابتك بالاكتئاب الحاد".
وتوضح أنجيلا جريس، أخصائية علم أمراض النطق واللغة في جامعة هوارد ومختبر المعرفة العصبية للغة في جامعة كولومبيا، أن الشكوى المستمرة قد تكون طريقة سهلة لإحباط المقربين منا كذلك.
كيف يتم بناء عادة الشكوى الصحية للتنفيس عن الإحباط؟
وبحسب مجلة Forbes العالمية، فإن بناء عادة التفكير الواعي في الغرض من محادثتك والشكوى للآخرين مهمة ومحورية في اكتساب فوائد من هذا النمط.
وبدلاً من الدخول في الطيار الآلي السلبي، ينبغي الحفاظ على جرعات شكوى قصيرة ولطيفة، وهو أمر مهم لبناء علاقات لا تركز فقط على المشاعر السلبية.
حينها ستبدأ في ملاحظة عدد المرات التي يشكو فيها الأشخاص الآخرون أيضاً، مما يخلق فرصة للمساهمة بشكل إيجابي في تلك المحادثات وطرح الأسئلة للمساعدة في إيجاد الحلول.
كذلك تُعد كتابة اليوميات طريقة رائعة أخرى لتسهيل هذه الاكتشافات. ففي بعض الأحيان نمتلك مشاعر نكون لسنا متأكدين تماماً من مصدرها، لذلك يساعد السماح لنفسك ببعض المساحة والوقت للجلوس وتنظيم أفكارك في ترتيبها.
ويمكن أن يساعدنا التدوين في تنظيم عواطفنا ومعرفة كيفية العمل من خلالها.
وفي حال الشكاوى الأصغر والأقل تأثيراً، يمكن أن يساعدنا تسجيل اليوميات في إخراج المشاعر المكبوتة، أما بالنسبة للشكاوى الأكبر حجماً، فإن التدوين سيسمح لك بتوثيقها وتحديد ما تريد تغييره لحياة أقل توتراً وإرباكاً.