بينما تستخدم "الغيرة" غالباً كمرادف لكلمة "الحسد"، إلا أنها في الحقيقة مشاعر مختلفة في معناها وتأثيرها. فالحسد هو مزيج من الرغبة في الحصول على ما يُحسد الآخر عليه، والاستياء من المحسود لكونه على الطرف المتلقي للخير، والشعور بأنهم لم يفعلوا شيئاً خاصاً لاستحقاق ما لديهم.
على النقيض من ذلك، الغيرة هي مزيج من الخوف من فقدان ما لديك (على سبيل المثال، حب شخص معين واهتمامه)، والاستياء من طرف ثانوي بسبب ملاحقته ما لديك، والاستياء من شريكك لعدم صد هذا الطرف الثانوي وحماية ما تراه "حقك منه".
مشاعر خطيرة لكنها تتواجد بنسب معقولة في معظم العلاقات تقريباً
تختلف الغيرة عن الحسد في الخصائص، ففي حين أن الغيرة يمكن أن تكون عقلانية، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة للحسد. ويتضمن الحسد وفقاً لموقع Psychology Today، الاستياء تجاه الشخص الذي تحسده على امتلاك شيء لا تملكه والاعتقاد أنه لم يبذل ما يخوله الحصول على ما لديه.
وبالرغم من سلبية وعمق تأثير هذين الشعورين، فإن الكثير من العلاقات العاطفية لا تخلو من أحدهما.
وبجرعات صغيرة جداً، يمكن أن تكون الغيرة مكوناً طبيعياً تماماً في العلاقات الرومانسية والصداقات الوثيقة والعلاقات الأسرية، إذ يمكن للقليل من الغيرة أن تضيف الإثارة والحماس إلى علاقات الزواج مثلاً وبين الأصدقاء المقربين.
ومع ذلك، عند المبالغة في النسبة والوتيرة، يمكن أن يكون لكلٍّ من الحسد والغيرة تأثيرات مدمرة على كافة العلاقات، خاصة بين الزوجين.
آثار وجود مشاعر الحسد في العلاقات
الحسد هو شعور بعدم الرضا أو الطمع فيما يمتلكه شخص ما، سواء كممتلكات أو سمات شخصية مثل الجمال أو النجاح أو الموهبة.
وهو أيضاً دفاع نابع عن مشاعر بالخزي، يحدث عندما نشعر بأننا أقل من الآخرين ولا نستحق ذات القدر من الحب والتقدير والاحترام.
وعندما نبدأ في المعاناة من الشعور يكون متمثلاً أكثر في شعور بالدونية وعدم الكفاءة. ومع ذلك قد نشعر بالتفوق والاستخفاف بالشخص الذي نحسده.
قد يذهب النرجسي إلى حد تخريب أو اختلاس أو تشويه سمعة الشخص المحسود، وينخرط في ذلك بصورة لا واعية نابعة من الشعور بالنقص، وفقاً لموقع Psych Central لعلم النفس.
الغطرسة والعدائية تُعدان بمثابة دفاعات لشعور الحسد، وبشكل عام تتناسب درجة القيمة الذاتية المهزوزة وإحساس الخزي مع درجة العدوان المُمارس مع الطرف الذي تغير منه.
الغيرة في العلاقات ومدى تأثيرها على الطرفين
تنبع الغيرة أيضاً من الشعور بعدم الكفاءة ومشاعر الخزي والدونية، وهي عادةً ما تبدُر من المصاب بها بشكل أكثر وعياً من الحسد.
ومع ذلك، في حين أن الحسد هو الرغبة في امتلاك ما لدى شخص آخر، فإن الغيرة هي الخوف من فقدان ما لدينا بالفعل، نشعر بالضعف والخوف من فقدان انتباه أو مشاعر شخص قريب منا.
ويتم تعريف الغيرة وفقاً لموقع Psych Central على أنها اضطراب عقلي بسبب المعاناة من مشاعر الشك أو الخوف من المنافسة أو الخيانة، وقد تشمل الحسد أيضاً عندما يكون لمُنافسنا جوانب نرغب فيها.
وبالرغم من أنها أحياناً تحمي الطرف المصاب من التعرُّض للخيانة الزوجية والإبقاء على سلامة الأسرة والأطفال، فإنها يمكن أن تكون سمة مدمرة وحتى قاتلة؛ إذ تُعد الغيرة هي السبب الرئيسي لجرائم القتل الزوجي عالمياً، وفقاً للموقع.
تأثير المعاناة من الغيرة والحسد في آنٍ واحد أكثر تدميراً
في بعض الأحيان يمكن أن يشعر الشخص بالحسد والغيرة في آنٍ واحد تجاه شريكه، ويحدث هذا غالباً كرد فعل على علاقات أخرى يتمتع بها الطرف الآخر.
على سبيل المثال قد تبدأ في الشعور بالحسد لأن شريكك يبدو أنه يتمتع بعلاقة أوثق مع أطفالك، وقد يؤدي هذا أيضاً إلى الغيرة إذا شعرت أن قربهم يهدد علاقتك بأطفالك.
وبحسب موقع Foundation Counseling للاستشارات النفسية، يمكن أن يكون السلوك الغيور والحسود في آنٍ واحد مدمراً جداً في العلاقات الزوجية.
إذ يميل الشركاء الغيورون إلى التطلُّب في الاحتياج. كما يميلون أيضاً إلى طلب تطمينات مستمرة بأنه لا يوجد أحد يهدد باستبدالهم أو سرقة مكانتهم.
وفي حال تُركت الغيرة دون رادع أو علاج فعّال فقد تؤدي إلى مشاكل انعدام الثقة والرغبة في السيطرة على سلوك الآخرين، وحتى قد تصل إلى الإساءة العاطفية أو الجسدية.
من غير المألوف كذلك أن يقوم الشركاء الغيورون بمراقبة شركائهم عن كثب، والتأكد باستمرار من مكان وجودهم والنظر في هواتفهم ورسائلهم الخاصة.
هذا السلوك المُضر يمكن أن يجعل الشريك يشعر بأنه محاصر ويدفعه في النهاية إلى ارتكاب الخيانة الزوجية لتعويض إحساس الاستقرار والأمان المفقود.
وفي النهاية، غالباً ما يخلق الشخص الغيور نبوءة تحقق ذاتها تؤدي في النهاية إلى نهاية العلاقة.
كيف يمكن التعامل مع هذه الحالة عند وقوعها بين الزوجين؟
يتطلب التغلب على الغيرة والحسد في العلاقة تبادلاً قوياً للثقة.
لسوء الحظ، قد يكون هذا صعباً للغاية إذا كان أحد الشركاء غير آمن أو تعرض بالفعل للخيانة بشكل متكرر في الماضي.
يتطلب تجاوز الغيرة فعلياً التواصل والصبر وتغيير المعتقدات وعملية طويلة من الاجتهاد المتبادل، التي ينصح موقع Foundation Counseling بالحصول على استشارة متخصصة خلالها.
صحيح أنه قد يكون من الصعب للغاية السيطرة على السلوك الغيور، ونادراً ما تختفي الأسباب الكامنة من تلقاء نفسها، لكن عادة ما تكون الغيرة علامة على الخوف وانعدام الأمن وتدني احترام الذات، وهي الأسباب التي غالباً ما تنبع من الصدمة أو التجارب السلبية السابقة في مراحل الشباب أو أثناء الطفولة، وهي كلها قابلة للعلاج عند الحصول على الدعم النفسي المتخصص.
ومن خلال العلاج، يمكنك تعلم السيطرة على مشاعر الغيرة لديك من خلال تعلم كيفية التعامل مع الأسباب التي تدفعك إلى ذلك الشعور.
ويمكن أن يساعدك المعالج أيضاً في التغلب على مشاعر الحسد، والتي تنبع عادةً من الشعور بتدني قيمة الذات والتوقعات غير الواقعية التي تضعها لنفسك، أو في بعض الحالات، بسبب توقعات الآخرين المؤذية بالنسبة لصورتك الذاتية، مثل الزوج المتطلب أو الوالدين المتطلبين.
خطوات عملية لتخفيف تلك المشاعر السلبية
1- امتنع عن التصرُّف وفقاً للمشاعر السلبية
كثير منا يعتاد على التصرف وفق ما يشعر به، وفي حين أن التصرف ضد عواطفنا لا يأتي بشكل طبيعي، فنحن قادرون على القيام بذلك في كثير من الأحيان.
نوبات الغيرة والحسد الشديدة والمتكررة لا تهدد إلا بإحداث فوضى في علاقتك عندما تتصرف بناءً عليها، لذلك إذا شعرت بالحسد الشديد أو الغيرة بشكل متكرر فلا تزال لديك القدرة على منع مشاعرك السامة من تدمير علاقتك بالتوقف عن الاسترسال معها، يمكنك أن تشعر بالأمر، لكن لا تتصرف.
وإذا دعت الحاجة قم بشرح مشاعرك لزوجك أو صديقك، ربما يمكنهما المساعدة، لكن لا تحاول إجراء هذه المحادثة عندما تستهلكك هذه المشاعر المدمرة، وانتظر حتى تشعر بالهدوء، بحسب Psychology Today.
2- استعِدْ ثقتك بنفسك
غالباً ما تقترن الغيرة بقضايا تدني احترام الذات وانعدام الأمن.
إذا كنت لا تعتبر نفسك جديراً بحب أو رعاية زوجك أو صديقك، فستسعى دائماً للحصول على الطمأنينة والدعم والثقة منهما.
لكن الظهور كشخص محتاج وضعيف يمكن أن يفسد علاقتك، والشعور فقط بأنهم يستحقون حب الآخرين أو اهتمامهم ليس طريقة صحية للعيش.
إذا كنت تعاني من ذلك فأنت بحاجة إلى بذل بعض العمل الجاد لاستعادة ثقتك بنفسك وتقديرك لذاتك، وإذا لم تتمكن من القيام بذلك بمفردك فاطلب المساعدة المهنية.
3- عالج ميولك النرجسية
في حين أن الغيرة ترتبط بانخفاض احترام الذات، فإن الميل نحو الحسد مرتبط بالنرجسية. كلما ارتفعت مستويات النرجسية لديك رغبت في مزيد من الاهتمام والإعجاب من الناس من حولك.
وبحسب Psychology Today، إذا لم يحصل النرجسي على الاهتمام الذي يعتقد أنه يستحقه، فسيكون أكثر عرضة للتفاعل مع الغضب كغطاء لحسده. ويكون الحسد وراء غضبهم هو نوع من "الأذى النرجسي".
وتشير الإصابة النرجسية إلى أن النرجسي يشعر بعدم الارتياح الشديد عندما لا يحظى باهتمام وإعجاب الآخرين، ويُعرف التعبير عن الغضب رداً على إصابة نرجسية أيضاً باسم "الغضب النرجسي".
العلاج النفسي خطوة ضرورية من أجل التعافي وحماية العلاقة
مهما كانت الحالة، من المهم أن تطلب المساعدة إن كنت أنت أو شريك حياتك تعانيان من مشاعر الحسد أو الغيرة.
ومن خلال العمل على حل المشكلة بتعاون وثقة مع معالج نفسي متخصص يقوم بإرشادكما للخطوات اللازمة، وتقوم بحماية العلاقة قبل فوات الأوان.