المحاكاة الحيوية هي محاولة حل المشكلات الحياتية من خلال العثور على الإلهام في الطبيعة، ويتم من خلالها تطوير مواد جديدة قادرة على إحداث تغييرات جذرية في حياتنا اليومية.
لكن هل تعلم أن أسماك القرش على وجه الخصوص قد ألهمت هذا النهج لابتكارات تساعد على حمايتنا من الأمراض والألم وتطوير العدوى؟
كيف وجدت المحاكاة الحيوية إلهامها في أسماك القرش؟
معهد محاكاة الطبيعة بالولايات المتحدة الأمريكية يُعرّف المحاكاة الحيوية على أنها "نهج للابتكار العلمي يسعى إلى إيجاد حلول مستدامة للتحديات البشرية، من خلال محاكاة أنماط واستراتيجيات الطبيعة".
ومن بين إنجازات المحاكاة الحيوية الأبرز ما تم التوصُّل إليه من تكنولوجيا طبية متطورة قادرة على منع التقاط العدوى والالتهابات عند المرضى، وذلك من خلال ملاحظة ودراسة أسماك القرش.
وفي حين أن جلد أسماك القرش قد يبدو ناعماً إلى حد ما من بعيد، إلا أنه مغطى بحوافّ صغيرة، تجعل من المستحيل على البرنقيل والطحالب والكائنات الحية الأخرى الإمساك بالسمكة أو الالتصاق بجسمها.
ومن هذا المنطلق، يتم الآن استخدام نفس المبدأ الذي يمنع الطحالب من التشبُّث بأسماك القرش في مكافحة جراثيم والعدوى لدى المرضى في المستشفيات.
وتستخدم شركة أبحاث مقرها كولورادو نمط نسيج مجهري حاصل على براءة اختراع، مُصمم لمحاكاة جلد القرش، ويتم استخدامه لخفض معدلات الإصابة.
ومن هذه المواد الطبية المتطورة يتم تصنيع أنابيب القسطرة الطاردة للجراثيم وضمادات للجروح، وغير ذلك.
القسطرة البولية المضادة للجراثيم والعدوى
أولاً، لنبدأ بالقسطرة البولية، نعم الإلهام من أسماك القرش وصل إلى القسطرة البولية، ولكن هنا تبدأ المشكلة، إذ تُعتبر القسطرة البولية من أكثر الأجهزة الطبية شيوعاً والأكثر تسبباً في الإصابة بالعدوى والالتهابات.
واتضح أن منع تراكم المواد غير المرغوب فيها على أسطح القسطرة بعد تركيبها في جسم الإنسان أمر بالغ الأهمية لتقليل مخاطر العدوى.
ويمكن أن تؤدي الإصابة بالعدوى إلى استعمار البكتيريا على السطح الخارجي للقسطرة، والتسبب في مضاعفات صحية خطيرة ومؤلمة لمريض بالفعل يعاني من تبعات الخضوع لعمليات جراحية.
والجدير بالذكر أن البكتيريا التي تلتصق بالجزء الخارجي من القسطرة وتتحرك على طول القسطرة نحو المثانة هي السبب الرئيسي وراء التهابات المسالك البولية المرتبطة بالقسطرة (CAUTIs) الأكثر انتشاراً بين نزلاء المستشفيات من الخاضعين للعمليات.
ما هو القاذورات البحرية التي تصيب الأسماك أحياناً؟
لاحظ العلماء أن القاذورات تحدث لدى العديد من الأنواع البحرية الكبيرة، باستثناء أسماك القرش، ويحدث التلوث البحري نتيجة تجمّع ونمو المواد البحرية التي تحدث على الحيتان والسلاحف البحرية وغيرها من الحيوانات البحرية.
ولكن كيف يمكن لكائن بحري أن يحمي نفسه تماماً من القاذورات والبكتيريا والجراثيم المسببة للعدوى؟
تتكيف أسماك القرش مع الظروف البيئية بسبب امتلاكها نسيجاً على جلودها يقاوم التلوث، وبالإضافة إلى أهمية نسيج جلد سمك القرش المضاد للتلوث من المحتمل أيضاً أن يكون للسوائل على طول النسيج دور مهم.
التوصل لحلّ مستوحى من أسماك القرش
وفقاً لموقع TedX Mile High، قام الطبيب والباحث أنتوني برينان مع فريقه في جامعة فلوريدا بدراسة تأثير نسيج جلود سمك القرش على علم الأحياء. وفي البداية ركز الدكتور برينان حول فهم كيفية ارتباط البكتيريا بالأسطح في ظروف معينة.
ثم ركز الدكتور برينان على كيفية تأثير استخدام المواد الدقيقة على منع العدوى المتكررة في القسطرة البولية.
وجرى استخدام نمط دقيق معين في المواد المُصنعة للقسطرة، ثم تم تطويره بطريقة معينة لمنع التلوث العام والتعلق البكتيري والحركة البكتيرية على الجهاز.
واستخدم الباحث نماذج لاختبار فرضياته التي سمحت له باستنباط معادلات تنبؤية مهمة تصف الأنماط الدقيقة المرتبة، التي لها تأثيرات طاقة سطحية محددة، تستشعرها الكائنات البيولوجية في ظل ظروف محددة.
وأظهرت التجارب البشرية الأولى التي تم تقديمها في اجتماع الجمعية الأمريكية لجراحة المسالك البولية وجود تلوث أقل فعلاً باستخدام المواد المصنوعة من ذلك النمط، كما لاحظ المرضى أنهم يعانون من ألم أقل من استخدام القسطرة المتقدمة.
استخدامات متعددة في المعدات الطبية
ووفقاً لموقع Mental Floss المعرفي، أدى تطوير القسطرة البولية من نسيج جلد سمك القرش إلى اختبار تطبيقات أخرى للنمط الدقيق للتحكم في آليات العدوى على الأجهزة الطبية الأخرى، أو حتى الأسطح الطبية في المستشفيات.
وفي نهاية المطاف، أدى استخدام الأنماط الدقيقة للتحكم في سلوك الأجهزة الطبية إلى منع حدوث المضاعفات فعلاً لدى المرضى.
وبالتالي تم حل مشكلات مثل انسداد الأنابيب أو تخثر الدم على الأجهزة.