قد يمضي الإنسان كل حياته في خوض التجارب والتعلُّم، ومع ذلك يشعر بالعجز حيال الأمور المجهولة بالنسبة له. ويُعد الخوف من المجهول أحد أبرز أسباب الخوف لدى الكثير من الناس، لذلك شاع القول إن "الإنسان عدو ما يجهل".
وعلى الرغم من أن بعض المخاوف تكون مبنية على معلومات حقيقية؛ مثلاً: يعاني البعض درجات من رهاب العناكب، ويكون ذلك مبنياً على معلومات مُكتسبة بأن هذه المخلوقات سامة ويمكن للدغتها أن تسبب الموت.
لكن غالباً لا تكون كل المخاوف مبنية على معلومات ملموسة، بل تستند على مجهول لا يمكن معرفة عواقبه بشكل مُسبق، وفقاً لموقع Psychnet للصحة النفسية.
وكما يخاف المضاربون والمستثمرون في البورصة عندما يخشون حدوث ما لا يُمكنهم التنبؤ به، كذلك يشعر الناس بالخوف من التحدث على المسرح بسبب عدم القدرة على توقع ردة فعل الجمهور.
لذا يُعد الخوف من المجهول جزءاً أساسياً من العديد من حالات القلق والرهاب الأخرى.
الاضطرابات الناجمة عن الخوف من المجهول
المصطلح النفسي للخوف من المجهول هو "رهاب المجهول" أو Xenophobia. وفي الاستخدام الحديث لعلم النفس، تم تطوير الكلمة لتعني الخوف من الغرباء أو الأجانب، لكن معناها الحقيقي أوسع بكثير.
وهي تتضمن أي عوامل أو شيء أو شخص غير مألوف أو معروف بالنسبة للإنسان.
ويُعرِّف موقع Science Direct للأبحاث وعلم النفس ظاهرة الخوف من المجهول على أنه الميل إلى الخوف من شيء ليس لدينا معلومات عنه على أي مستوى. لكن بالنسبة لبعض الناس، قد تصل هذه المرحلة إلى درجة متقدمة قد تعيق الشخص عن ممارسة الحياة بصورة طبيعية.
ومن بين الحالات المتطورة لهذا النوع من الخوف، حالة تُعرف بـ"العجز عن احتمال عدم اليقين"، أو Intolerance of Uncertainty.
وأعراض تلك الحالة تكون الشعور بالضيق والقلق الشديدين عند مواجهة المواقف غير المألوفة والظروف غير المؤكدة، ما يسبب موجة لا تطاق من المشاعر السلبية عند المصاب.
تتشابه أيضاً أعراض هذا الخوف مع الأعراض العادية لنوبات الفزع والشعور بالتهديد، وتشمل: معدل سريع لضربات القلب، توتر العضلات وصعوبة التنفس بُعمق وهدوء، الشعور بالضعف العام والدوار وارتفاع جلوكوز الدم.
وتختفي تلك الأعراض المؤلمة بسرعة عندما يكون التهديد قصير الأجل. لكن عند الشعور بتلك المخاوف بصورة متكررة وبوتيرة ثابتة، قد تسبب أضراراً جسيمة على الصحة الجسدية والنفسية.
كذلك إذا كنت عرضة للقلق وتعاني الخوف من المجهول بشكل متواتر، فربما تكون قد طورت عادة "التهويل – Catastrophising"، وتعني تخيل أسوأ السيناريوهات وتوقع حدوثها، وفقاً لموقع Healthline للصحة والمعلومات الطبية.
ويُعد اضطراب التهويل تشوهاً معرفياً يتسبب في اختلاق واقع مُحرَّف وغير حقيقي عند حدوث أي أمر غير متوقع أو مألوف. ولكن لماذا قد نُصاب بمثل هذه المخاوف القوية؟
1- عدم القدرة على التنبؤ
يوضح موقع Healthline أن الشعور بعدم وجود معلومات كافية لدى الفرد يجعله يشعر بشكل تلقائي بالتوتر والقلق، وبالتالي فإن عدم القدرة على التنبؤ قد تقوي تلك المشاعر.
وتتمثل أولى الخطوات لمواجهة عدم القدرة على التنبؤ في الحصول على المزيد من المعلومات لبناء صورة واقعية عن الحدث.
على سبيل المثال، إذا كنت تشعر بالخوف من المجهول فيما يتعلق بالانتقال إلى حي جديد، فيمكن البدء باستكشاف المنطقة قبل انتقالك. أيضاً عند الحصول على وظيفة جديدة، يمكن القيام ببحث عبر الإنترنت لمعرفة المزيد حول مهامك المتوقعة، أو التعارف على الزملاء بشكل ودي مسبق وتبادل المعلومات.
2- فقدان الشعور بالسيطرة
من المؤكد أن فقدان التحكُّم والسيطرة على الأمور سيزيد من المخاوف ومشاعر القلق.
ويلعب العمر والخبرات السابقة دوراً في تقوية الشعور المزيف لدى الإنسان بأنه يمكنه بعد مرحلة معينة السيطرة على الأمور والتحكُّم بمجرياتها. وهي المشاعر التي غالباً ما يتم إثبات عدم صحّتها خلال مراحل الحياة المختلفة.
وبحسب موقع NCBi العلمي للأبحاث، توصل علماء علم النفس إلى أنه من أجل استعادة التوازن الصحيح لمشاعر السيطرة على الأمور، ينبغي بدايةً تحليل الظرف بموضوعية وتحديد المجريات التي من الممكن التحكم فيها بالفعل.
ثم بعد ذلك يأتي وقت استيعاب أن المجريات الأخرى غالباً ما تعتمد على الآخرين أو الظروف المختلفة وأقدار الحياة الطبيعية.
3- حكم العادة
يميل البشر عادة إلى المألوف، ويفضلون الالتزام بالروتين والطقوس ومساحات الراحة. ويعتبر تقبُّل التغيير والمجهول بشكل عام أكثر صعوبة خاصة عند تقدمنا في السن، بسبب حُكم العادة.
ويلفت موقع Medium للمعرفة إلى أنه قد يكون من الصعب للغاية التوقف عن الاستجابة للعادات التي تسيطر على سلوكياتنا، مما قد يهدد الاختيارات التي نتخذها في حياتنا.
ولا يُمكن تجاوز هذه المرحلة المُسببة لرهاب المجهول من دون الرغبة القوية في المقام الأول لاكتساب المرونة في تغيير عاداتنا التي تدفعنا للخوف من كل شيء لم نختبره من قبل.
4- الخوف من الإخفاق
لا أحد يحب الفشل، خاصة في مجتمعات باتت تقدِّسُ النجاحات الملموسة.
ومع ذلك، فإن ارتكاب الأخطاء هو جزء ضروري من التجربة والتعلم. وكثيراً ما تدفعنا مشاعر الخوف من الفشل إلى الفشل الواقعي بتجنُّبنا أي فرص ممكنة لخوض التجارب والمحاولة.
وتوضح مجلة Fearless Culture المهتمة بعلم الاجتماع أنه "كلما زادت المخاوف من الفشل، زادت فرص حدوث الأخطاء. لذا يجب أن نعرف أن الأخطاء جزء من الطبيعة البشرية ونعيد صياغة الأخطاء على أنها خبرات تعليمية. وبدلاً من مقاومتها، نسأل أنفسنا ما هو الدرس المُستفاد هنا؟".
وتؤكد المجلة أنه لمحاولة النضج، ينبغي علينا غالباً القيام بقفزة من الثقة تجاه ما لا نعرفه، وعدم وصم التجارب غير الناجحة بـ"الإخفاق".
وفي الختام، يقول الكاتب والشاعر الأيرلندي الشهير أوسكار وايلد: "إذا تعلمنا شيء من أخطائنا، فهذا ليس فشلاً، ولكنه خبرة مُكتسبة وتجربة تعليمية".
لذا لا بأس من بعض الخوف الطبيعي من المجهول خلال مراحل الحياة، لكن لا تدع ذلك يوقفك عن التعلُّم والنُضج واستغلال كافة الفرص التي تقابلك.