بالنسبة لملايين البشر، تعد كلمة الملاريا تعبيراً آخر عن الموت والحسرة والخسارة؛ كل سبع ثوانٍ يصاب شخص ما بالملاريا، وكل دقيقتين يتسبب المرض في وفاة ضحية أخرى دون سن الخامسة. وبعد أكثر من 37 عاماً من العمل عليه، أقرت منظمة الصحة العالمية، في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2021، لقاحاً تاريخياً يحمي ملايين الأطفال.
أظهرت سنوات من التجارب السريرية أن اللقاح المعروف باسم RTS أو S / AS01 أو Mosquirix، آمن ويساعد في الحماية من المرض، خاصةً بالتنسيق مع أدوات مكافحة الملاريا الأخرى.
ومع فعالية تصل إلى 12 شهراً بنسبة 56%، يفتقر لقاح RTS، S إلى فعالية اللقاحات الحديثة الأخرى التي تلفت الأنظار.
ومع ذلك، فإنّ هدف اللقاح هو الطفيلي Plasmodium falciparum، وهو أكثر تعقيداً من الفيروس، حسب ما نشره موقع New Scientist.
ما هي الملاريا؟
الملاريا طفيلي يغزو خلايا الدم ويدمرها من أجل التكاثر، وينتشر عن طريق لدغة البعوض الماص للدم، علماً أنه يوجد أكثر من 100 نوع من طفيلي الملاريا.
تساعد الأدوية لقتل الطفيلي والناموسيات لمنع اللدغات والمبيدات الحشرية لقتل البعوض، في الحد من الملاريا. لكن العبء الأكبر للمرض محسوس في إفريقيا، حيث توفي أكثر من 260 ألف طفل بسبب المرض في عام 2019 وحده.
يستغرق الأمر سنوات من الإصابة المتكررة بالعدوى لبناء المناعة، وحتى هذا لا يؤدي إلا إلى تقليل فرص الإصابة بمرض شديد.
وكل عام، يصيب المرض أكثر من 200 مليون شخص على مستوى العالم ويقتل ما معدله 400 ألف شخص.
تقع الغالبية العظمى من الحالات في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ويقع العبء الأكبر على عاتق الشباب.
وتسبب الملاريا العديد من المضاعفات للأطفال مثل فقر الدم وفشل الأعضاء واليرقان ومضاعفات الكبد.
وعلى الرغم من أن الملاريا توجد في 87 دولة، فإن 95% من الحالات تحدث في 29 دولة فقط بإفريقيا.
وتعد نيجيريا الأكثر تضرراً، حيث تمثل 27% من الإصابات المعروفة و23% من الوفيات بشكل عام.
في عام 2007، قدَّر البنك الدولي أن الملاريا تكلف إفريقيا 12 مليار دولار سنوياً في العلاج وفقدان الإنتاجية.
قصة لقاح الملاريا
عكف الباحثون على تطوير واختبار لقاح RTS، S منذ عام 1987، بتكلفة تزيد على 750 مليون دولار أمريكي، حسب موقع Nature.
تم تمويل اللقاح بشكل أساسي من قِبل مؤسسة بيل وميليندا غيتس الأمريكية وشركة الأدوية GlaxoSmithKline (GSK) ومقرها لندن.
على الرغم من انتهاء التجارب السريرية في عام 2015، أوصت منظمة الصحة العالمية بعد ذلك بإجراء دراسات تجريبية لتحديد جدوى وسلامة هذا اللقاح متعدد الجرعات خارج التجارب السريرية.
ساعد تحالف اللقاحات Gavi، وهو شراكة صحية مقرها سويسرا، في تمويل البرامج التجريبية التي وزعت 2.3 مليون جرعة لقاح بجميع أنحاء غانا وكينيا وملاوي.
وتشير الدراسات إلى انخفاض عدد حالات دخول المستشفى من الملاريا الحادة بنحو 30%.
أعطت هذه النتائج منظمة الصحة العالمية الثقة للتوصية بإعطاء أربع جرعات من اللقاح للأطفال الذين يعيشون في مناطق ذات مستويات معتدلة إلى عالية من انتقال الملاريا.
بدورها أصدرت شركة GSK المصنِّعة للقاحات بياناً تعهدت فيه بتوفير 15 مليون جرعة سنوية بسعر أعلى بقليل من تكلفة الإنتاج.
ومع ذلك، ستكون هناك حاجة إلى ما يقرب من 100 مليون جرعة سنوياً إذا كان جميع الأطفال في البلدان ذات العبء الثقيل سيحصلون على الحقنة الثانية.
لماذا صعب التغلب على الملاريا؟
بعد أن طوَّر الأطباء لقاحاً ضد فيروس كورونا في وقت قياسي، قد تتساءل: لماذا استغرق الأمر وقتًا طويلاً مع الملاريا؟
تنجم الملاريا عن طفيلي أكثر خبثاً وتعقيداً من الفيروس المسبِّب لكورونا، والمقارنة بينهما تشبه المقارنة بين شخص وأحد أنواع الفاكهة.
تطوّر طفيلي الملاريا ليهرب من جهاز المناعة، لهذا السبب يجب أن يصاب الإنسان بالملاريا مراراً وتكراراً قبل أن تبدأ في الحصول على حماية محدودة.
ولهذه الطفيليات دورة حياة معقدة عبر نوعين (البشر والبعوض)، وحتى داخل أجسامنا، فإنها تتحول بين أشكال مختلفة، لأنها تصيب خلايا الكبد وخلايا الدم الحمراء.
إن تطوير لقاح الملاريا يشبه تسمير شيء هلامي على الحائط ولقاح RTS، S قادر فقط على استهداف شكل sporozoite للطفيلي (هذه هي المرحلة بين لدغة البعوضة ووصول الطفيلي إلى الكبد)، حسب موقع BBC.
ولهذا السبب فإن اللقاح فعال بنسبة 40% فقط. ومع ذلك، لا يزال نجاحاً ملحوظاً يمهد الطريق لتطوير لقاحات أكثر فاعلية.