الخوف الطبيعي من الحشرات قد يعطّلك عن الحياة بصورة طبيعية، خاصة إذا ما رغبت في التواصل مع الطبيعة على فتراتٍ متقاربة وقمت بزيارة الحدائق والمتنزهات بشكل أسبوعي، لكن من بين الحشرات يحمل الخوف من العناكب مكانة خاصة لدى الكثير من الناس.
يُطلق علمياً على ظاهرة الخوف من العناكب أو فوبيا العناكب مصطلح Arachnophobia. وفي حين أنه من المألوف أن يكره الناس العناكب أو الحشرات، إلا أن رهاب العناكب يمكن أن يكون له تأثير أكبر بكثير على حياتك.
أولاً: ما الفارق بين الرهاب والخوف الطبيعي؟
بشكل عام، يُشير الرّهاب إلى أكثر من مجرد حالة خوف طبيعية من شيء معين، فهو شعور قوي وساحق يمكن أن يجعلك تشعر وكأنك تحت تهديد خطير يكاد يودي بسلامتك وحياتك.
ويمكن أن يمنعك رهاب العناكب من المشاركة في أحداث أو مناسبات معينة، لأن عقلك يقول لك إنك ستكون في خطر من العناكب إذا ما انخرطت فيها.
مثال على ذلك، الخوف من زيارة الأماكن المفتوحة كالغابات والشواطئ والمدن الترفيهية، والأماكن المغلقة التي لا يتم تنظيفها بمستوى عالٍ من الدقة، كالمقاهي والمطاعم وغيرها، وذلك لأن بعض أنواع العناكب الشائعة تتواجد في كل مكان تقريباً.
وبحسب موقع Very Well Mind للصحة النفسية والعقلية، تم تشخيص ما بين 3% و15% من الناس حول العالم بأحد أنواع الرهاب المحدد، وعلى رأسها الرهاب أو الفوبيا من الحيوانات والمرتفعات والعناكب.
أسباب الإصابة بفوبيا العناكب
يشير الرهاب إلى حالة الخوف الشديد وغير العقلاني من الأشياء والأماكن والمواقف المعينة، وغالباً ما تنبع هذه المخاوف الشديدة من التجارب السلبية السابقة.
لذلك، في حالة فوبيا العناكب، من الممكن أن يكون قد تطور هذا النوع من الخوف الحاد نتيجة لتجربة مؤلمة في وقتٍ سابق من حياة الشخص مع هذا النوع من الحشرات.
وبحسب موقع Healthline للمعلومات الصحية، عادة ما تحدث معظم حالات الرهاب المحددة مثل فوبيا العناكب قبل سن العاشرة، ومع ذلك من الممكن أن تصاب بالرهاب في أي مرحلة من مراحل الحياة، وفقاً للموقف الذي تعرّضت له.
ويرتبط سبب الفوبيا بمعاناة الشخص باضطرابات القلق أيضاً، والتي قد تكون وراثية، وتشمل هذه اضطرابات: القلق العام، واضطراب ما بعد الصدمة PTSD، واضطرابات الهلع Panic Attacks، وغير ذلك.
وقد تؤدي الإصابة باضطراب القلق إلى زيادة خطر الإصابة بالرهاب، بما في ذلك طبعاً فوبيا العناكب.
من الممكن أيضاً أن يُصاب الشخص بالرهاب من العناكب، بسبب الظروف والعوامل البيئية من حوله، لأنه إذا نشأ مع والدين أو أشخاص مقربين يعانون بدورهم من الخوف الشديد من العناكب فقد يصبح تلقائياً مثلهم تماماً.
وبحسب تصريحات الطبيب النفسي الأمريكي، آلان مانافيتز، لموقع Psycom للصحة النفسية: "نعلم أن العديد من أنواع العناكب سامة وتلدغ، نعلم ذلك من التجربة المباشرة والعلوم والبيولوجيا والتلفزيون ورؤية أشخاص آخرين يتعرضون للدغاتها".
ولذلك حينما نرى عنكبوتاً قريباً فإن الاستجابة الطبيعية لنا هي أن نشعر بالخوف ونبتعد عن هذا العنكبوت.
والدليل على أن العوامل البيئية محورية في تطوير هذا الرهاب، هو أنّ معدلات الإصابة بفوبيا العناكب في كمبوديا مثلاً أقل بكثير من مثيلتها في أمريكا، والسبب أنه يتم تناول العناكب العملاقة "الرتيلاء" ضمن الأطعمة الشهية والمقرمشات الخفيفة في تلك الدولة، وفقاً لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
فما الذي تتسم به العناكب ويولّد هذا التفاعل السلبي معها؟ كل ذلك يعود إلى "شعور الاشمئزاز"، وفقاً لمجلة Psychology Today. وأوضحت العديد من المقالات البحثية أنه لا يوجد شيء محدد في العناكب يثير مشاعر الاشمئزاز. فالبعض يلقي باللوم على شعر عنكبوت الرتيلاء مثلاً في إثارة مخاوفهم، بينما يخاف البعض من سمّية بعض أنواعها، ويرتعب البعض الآخر من حركاتها غير المتوقعة.
وكل هذا يشير إلى أن شعور الناس الفعلي ربما يكون الاشمئزاز وليس الخوف في حد ذاته.
أعراض فوبيا العناكب والرهاب من الأشياء الأخرى متطابقة تقريباً
عادة ما تحدث أعراض الفوبيا عند التعرُّض للشيء أو الموقف الذي تخافه، وفي حالة فوبيا العناكب قد لا تواجه أية أعراض خلال حياتك إلا عند رؤية تلك الحشرة فقط، سواء عبر الصور والمجلات والتلفاز، أو في الحياة الواقعية.
وتُظهر الأدلة وفقاً لموقع WebMD للمعلومات الطبية والصحة أن العديد من الأشخاص المصابين برهاب العناكب يبالغون في تقدير احتمالية مواجهة العناكب خلال حياتهم اليومية. كما يمكن أن يؤدي هذا الرهاب أيضاً إلى المبالغة في تقدير حجم العنكبوت ومحيطه ومستوى الخطر الناجم عن التعرُّض له من قريب أو بعيد.
هذا الخوف والمبالغة في تقدير مواجهة العناكب يمكن أن يسبب أعراضاً جسدية أيضاً.
وقد تشمل الأعراض الجسدية لفوبيا العناكب ما يلي:
- الدوخة والدوار وعدم الاتزان.
- اضطرابات المعدة.
- الغثيان والقيء.
- التعرُّق والقشعريرة.
- الرعشة والارتجاف.
- الشعور بضيق في التنفس.
- زيادة معدل ضربات القلب.
- البكاء والانهيار.
كذلك قد تكون لديك بعض العادات التالية لا إرادياً بسبب هذه المخاوف:
- تميل إلى تجنُّب الأماكن والمواقف التي قد ترى فيها العناكب أو تصادفها.
- تفاقم القلق مع اقتراب لقاء وشيك أو التواجد في مكان مفتوح.
- الشعور بصعوبة عامة في التركيز والأداء.
- المعاناة من الحرج والعزلة الاجتماعية.
العلاج وطرق التعامل مع فوبيا العناكب
قد يكون من الأسهل علاج أنواع معينة من الرهاب مثل المتعلقة بالعناكب مقارنة بمرض الرهاب المعقد من مواقف معينة لا يمكن السيطرة على احتمالية حدوثها.
من الممكن أيضاً مع التقدُّم في العُمر أن تعاني من أعراض أقل من رهاب العناكب عما كان عليه الأمر وأنت طفل.
تلقَّ المشورة النفسية والعلاج المختص
تعتبر استشارات الصحة العقلية هي الطريقة الأكثر فاعلية لعلاج الرهاب بأنواعه، بما في ذلك فوبيا العناكب، ولا تعالج الأدوية هذه الحالة بشكل مباشر لأنها لا تساعد في حل المشكلات الأساسية التي تسبب الرهاب.
ومع ذلك يمكن أن تساعد الأدوية في علاج القلق الأساسي والتوتر المزمن.
كما قد يكون من البدائل المثيرة للاهتمام التعرُّض غير المباشر للعناكب كوسيلة للتغلب على مخاوفك.
وبحسب دراسة أُجريت عام 2019، ونشرها موقع Frontier in Psychiatry حول رهاب العناكب، اتّضح أن المرضى الذين تعرّضوا لمحتويات إعلامية إيجابية للعناكب (في هذه الحالة، أفلام "الرجل العنكبوت") تضاءلت نسب مخاوفهم.
وفي حين أن مشاهدة فيلم Spider-Man لن تساعدك بالضرورة في علاج رهاب العناكب إذا كنت تعاني منه، فإن رؤية العناكب في سياق إيجابي قد تكون خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح.