كشفت دراسة جديدة أن المواد الكيميائية الاصطناعية التي تسمى "الفثالات"، الموجودة في مئات المنتجات الاستهلاكية التي نستعملها يومياً مثل حاويات تخزين الطعام، والشامبو، والمكياج، والعطور، وألعاب الأطفال، تتسبب في حدوث نحو 91000 إلى 107000 حالة وفاة مبكرة سنوياً بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 55 و64 عاماً في الولايات المتحدة الأمريكية، وفقاً لما نشرته شبكة CNN الأمريكية، الثلاثاء 12 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
فقد أظهرت الدراسة، التي نُشِرَت في دورية Environmental Pollution ، أنَّ الأشخاص الذين لديهم أعلى مستويات من "الفثالات" معرضون لخطر أكبر للوفاة من أي سبب، وخاصة الوفيات القلبية الوعائية.
فيما قدَّرت الدراسة أنَّ هذه الوفيات يمكن أن تكلف الولايات المتحدة ما بين 40 إلى 47 مليار دولار كل عام في الإنتاجية الاقتصادية المفقودة.
من جهته، قال المُعِد الرئيسي للدراسة، الدكتور ليوناردو تراساندي، وهو أستاذ طب الأطفال وطب البيئة وصحة السكان في مركز NYU Langone Health الطبي في مدينة نيويورك: "تضيف هذه الدراسة إلى قاعدة البيانات المتنامية حول تأثير البلاستيك في جسم الإنسان، وتعزز موقف الصحة العامة والأعمال التجارية للحد من استخدام البلاستيك أو القضاء عليه".
من المعروف أنَّ "الفثالات" تتدخل في آلية الجسم لإنتاج الهرمونات، المعروفة باسم نظام الغدد الصماء، وهي "مرتبطة بمشكلات النمو والتناسلية والدماغ والمناعة، من بين مشكلات أخرى"، وفقاً للمعهد الوطني لعلوم الصحة البيئية.
الاضطرابات الهرمونية
في حين يؤكد المعهد الوطني لعلوم الصحة البيئية أنه حتى الاضطرابات الهرمونية الصغيرة يمكن أن تسبب "تأثيرات بيولوجية ونمائية كبيرة".
يذكر أنه غالباً ما يطلق على "الفثالات" مصطلح "كيماويات الأغراض المتعددة" لأنها شائعة جداً، إذ تُضاف إلى المنتجات الاستهلاكية مثل السباكة البلاستيكية وأرضيات الفينيل والمنتجات المقاومة للأمطار والبقع والأنابيب الطبية وخراطيم الحدائق وبعض ألعاب الأطفال لجعل البلاستيك أكثر مرونة وصعب الكسر.
كما يشيع تعرض المستهلكين لهذه المواد بسبب استخدام "الفثالات" في تغليف المواد الغذائية والمنظفات والملابس والأثاث والمواد البلاستيكية للسيارات؛ حيث تضاف "الفثالات" أيضاً إلى مواد العناية الشخصية مثل الشامبو والصابون وبخاخات الشعر ومستحضرات التجميل لجعل العطور تدوم لفترة أطول.
في السياق، يتعرض الناس عندما يتنفسون هواءً ملوثاً أو يأكلون أو يشربون الأطعمة التي لامست البلاستيك، بحسب المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها التي قالت أيضاً: "يزحف الأطفال ويلمسون أشياء كثيرة، ثم يضعون أيديهم في أفواههم. وبسبب سلوك اليد إلى الفم هذا، قد تمثل جزيئات الفثالات الموجودة في الغبار خطراً أكبر على الأطفال مقارنة بالبالغين".
بدوره، ذكر أحد المُعِدين الرئيسيين للدراسة، الدكتور ليوناردو تراساندي، أنَّ الدراسة الجديدة قاست تركيز الفثالات في البول لدى أكثر من 5000 بالغ تتراوح أعمارهم بين 55 و 64 عاماً، وقارنت تلك المستويات بخطر الموت المبكر على مدى 10 سنوات في المتوسط.
ليست دراسة نهائية
حيث أخذ الباحثون في الاعتبار أمراض القلب والسكري والسرطان والحالات الشائعة الأخرى، وعادات الأكل السيئة، والنشاط البدني وكتلة الجسم، ومستويات اضطراب الهرمونات الأخرى المعروفة مثل بيسفينول أ أو بيسفينول إيه.
تراساندي أردف: "مع ذلك لن أخبرك أبداً أنَّ هذه دراسة نهائية. بل هي لقطة في الوقت المناسب، ولا تُظهِر إلا ارتباطاً بين الأمرين".
كما تابع تراساندي: "لكننا نعلم بالفعل أنَّ الفثالات تحدث اضطراباً في إفراز هرمون الذكورة (التستوستيرون)، وهو مؤشر على الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية لدى البالغين. كما نعلم بالفعل أنَّ هذه التعرضات يمكن أن تسهم في حالات متعددة مرتبطة بالوفيات، مثل السمنة ومرض السكري".
في المقابل، أشار إلى إمكانية تقليل التعرض للفثالات ومُسبِّبات اضطرابات الغدد الصماء الأخرى مثل بيسفينول إيه، التي لا يزال من الممكن العثور عليها في بطانات البضائع المعلبة والإيصالات الورقية.
تجنب البلاستيك
على إثر ذلك، اقترح تجنب البلاستيك قدر المستطاع؛ فيجب ألا يضع أحد أوعية بلاستيكية في الميكروويف أو غسالة الصحون، حيث يمكن للحرارة أن تكسر البطانات مما يجعل امتصاصها أسهل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي الطهي في المنزل وتقليل استخدام الأطعمة المصنعة إلى تقليل مستويات التعرض لهذه المواد الكيميائية.
كانت دراسة أخرى أجراها باحثون من جامعة رود آيلاند ومعهد Green Science Policy، قد كشفت عن نتائج خطيرة مرتبطة بمُركّبات PFAS السامة التي تُلوث الهواء داخل المنازل والفصول الدراسية والمخازن بمستويات مقلقة، والتي قد لا يخلو منها بيت أو جهاز، ما يهدد الآلاف من الأشخاص بالإصابة بأمراض عدة.
ومُركّبات PFAS، أو مواد الألكيل المشبع بالفلور والمتعددة الفلور، مجموعة مكونة من نحو 9000 مركب تُستخدم لجعل المنتجات مقاومة للماء أو البقع أو الحرارة. ولأنها فعالة جداً، تُستخدم هذه المواد الكيميائية في عشرات الصناعات وصناعة آلاف المنتجات الاستهلاكية اليومية مثل منظفات البقع والسجاد والأحذية.
كما تستخدمها مصانع الأنسجة لإنتاج الملابس المقاومة للماء، وتُستخدم في شمع الأرضيات، وأدوات الطهي غير اللاصقة، وتغليف المواد الغذائية، ومستحضرات التجميل، ورغوة مكافحة الحرائق وكثير من المنتجات الأخرى.