بينما يتهافت شباب المغرب على أحدث صيحات الموضة في اللباس والإكسسوارات وقَصات الشعر، يُفضل كل من الشابين المغربيين كريم شاطر وهاجر البهيوي العيش في نمط ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
واختار الشابان المغربيان أن يعيشا في سنوات القرن الماضي، من ناحية الملابس التي تعود لموضة هذه السنوات، وأيضاً شكل الشعر، والحلي والمجوهرات، التي تُعيد كل من شاهدها إلى حنين الزمن الذي ولّى.
ينشط الشابان الاستثنائيان على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً على الإنستغرام، حيث يشاركان صوراً وفيديوهات عن نمط عيشهما الاستثنائي.
ضغوط البدايات
لا تفارق النظرات كريم وهو يمشي في الشارع والأماكن العامة بالعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، يبدو للناس كأنه قادم من زمن بعيد بلباسه وشكل شعره وشاربه.
يقول هذا الشاب (25 عاماً)، إن صور والديه القديمة كانت مصدر إلهامه في هذا الطريق: "عندما كنت أشاهد ألبوم الصور كانت تستحوذ عليَّ رغبة جامحة في العيش وفق هذا الأسلوب".
يتذكر كريم اليوم الذي فتح فيه دولاب والده، حيث يحتفظ بملابسه القديمة، حينها اختفى في الغرفة للحظات قبل أن يخرج على أسرته وهو يرتدي ملابس تعود لسنوات الثمانينيات والسبعينيات، يحكي عن تلك اللحظة فيقول: "عندما رآني أبي قال إنني أُذكّره بأيام شبابه، وهذا الأمر شكَّل حافزاً لي".
لم يكن سهلاً على كريم شاطر أن يعيش وفق موضة القرن الماضي، فقد واجهته صعوبات وصفها بضغوطات من المجتمع حوله.
يقول كريم لـ"عربي بوست": "لم تكن ثقتي بنفسي قوية في البداية، عندما كنت أخرج للشارع بملابسي المستوحاة من موضة القرن الماضي كان الناس ينظرون إليَّ باستغراب ولا يتوقفون عن التحديق، بعضهم يحاول التعرف عليَّ وآخرون يضحكون، شكَّل هذا الوضع ضغطاً كبيراً عليَّ، لكني اعتدت فيما بعد".
ويضيف كريم "أخذت الموضوع بجدية، وعملت على تقوية ثقتي بنفسي وباختياراتي، فأصبحت لا أهتم لنظرات الناس أو تعليقاتهم، أنا حالياً مرتاح والناس تقبَّلتني كما أنا".
سعى كريم إلى مشاركة أسلوبه في العيش وفي اللباس مع الناس جميعاً، على مواقع التواصل الاجتماعي، وينشر على إنستغرام حيث يتابعه حالياً 167 ألف متابع صوره وفيديوهات خاصة به.
"أول محتوى نشرته كان عبارة عن صورة التقطتها على سطح منزلي، وكنت أرتدي ملابس والدي، وجدت تفاعلاً كبيراً لم أتوقعه فقررت الاستمرار"، يحكي كريم بداياته ويؤكد حرصه في الصور التي ينشرها، على المزاوجة بين لباسه المستوحى من الماضي ومواقع تصوير قديمة لها معنى في ذاكرة سكان مدينته.
هاجر.. روح الماضي في الصور والأغاني
ويستهوي نمط العيش في الماضي المغربية هاجر البهيوي أيضاً، تحب هذه الشابة الملابس التقليدية والكلاسيكية القديمة وتعشق الأغاني الشعبية، خاصةً فن العيطة.
تتذكر هاجر أولى خطواتها في هذا الطريق، عندما كانت طالبة في السنة الأولى بالجامعة، فتقول: "كنت أدرس في كلية قريبة من المجال القروي، تحيط بها أراضٍ شاسعة من الحقول، فكرت أنا وصديقتي في التقاط صور وسط تلك الأجواء القروية ونحن نرتدي قفطاناً وسبنية (غطاء رأس)، كانت الصور رائعة جعلتني أرى نفسي من منظار آخر، في تلك اللحظة استولى عليَّ حُب كل ما يتعلق بثقافتنا المغربية وتقاليدنا الماضية التي اختفت".
تنشر هاجر محتوى على مواقع التواصل يعكس روح فترات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، وتنشر أيضاً فيديوهات لها وهي تؤدي أغاني العيطة الشعبية، وتلقى صفحاتها تفاعلاً من معجبيها الذين ينتظرون منها الجديد.
وتختار هذه الشابة أماكن مفتوحة من أسواق وأزقة المدن القديمة والحقول لالتقاط الصور والفيديوهات وهي ترتدي ملابس وإكسسوارات من القرن الماضي، فتظهر مرة بالحايك وأخرى بالجلباب والقفطان بتصاميم قديمة.
تقول هاجر إن نظرات الناس إليها تكون في العموم إيجابية، وتحمل في طياتها حنيناً إلى أيام الماضي، "عندما أرغب في التصوير بأحد الدكاكين يتساهل أصحابها معي ويسمحون لي بالتصوير، بل إنهم يشجعونني ويدعمونني"، وتفخر بأن متابعيها على مواقع التواصل الاجتماعي لهم ذوق راقٍ ويهتمون بالتراث المغربي.
تحاول هاجر تنفيذ أفكارها بوسائل بسيطة، فهي لا تستعين بمصورين محترفين، بل تعتمد على نفسها وأصدقائها وعائلتها، تقول: "ليس لديَّ فريق محترف يساعدني، أغلب الصور والأغاني التي أنشرها أستعين في إعدادها بصديقاتي وأحياناً قد تصورني ابنة أختي الصغيرة، وأحياناً أخرى يكون أبي في الكواليس، وراء كل صورة أو فيديو أنتجته قصة وأشخاص يحبونني، وكلما خرجت للتصوير أذهب وأنا أعرف أنني سأعيش تجربة جديدة في حياتي، سألتقي أناساً جدداً وسأقوم بأشياء جديدة".
السوق المستعملة.. مصدر ملابس هاجر وكريم
منذ أن اختار العيش وفق أسلوب القرن الماضي أصبح دولاب كريم شاطر يحتوي على ملابس بموضة السبعينيات والثمانينيات، في البداية أخذ ملابس والده القديمة، وبعدها بحث عن ضالته في سوق الملابس المستعملة، حيث كان يعثر على ما يحتاجه من ملابس وأحذية وإكسسوارات، وحالياً يلجأ إلى خيّاط يخيط له ملابس خاصة وفق التصميمات القديمة، فهذا النمط في اللباس أصبح جزءاً من حياته اليومية وليس فقط لإنتاج المحتوى.
وبالنسبة لهاجر البهيوي، فهي تستعين بملابس جدتها وأفراد عائلتها الذين يحتفظون بقفاطين وجلابيب وحُلي تعود إلى عقود من الزمن، ولم تعد تُستعمل حالياً، أما فيما يتعلق بالملابس الكلاسيكية الغربية مثل القبعات والقفازات فتعثر عليها في سوق الملابس المستعملة أو ما يسمى "البال" في المغرب، بأثمنة مناسبة.
تمر كواليس التصوير، كما تحكي هاجر، في أجواء ممتعة وأيضاً متعبة، فهي تحرص على إظهار كافة التفاصيل التي تمنح الصورة أو الفيديو صفة الكمال والمثالية، "لذلك أصوّر وأعيد وأعيد، وهذا أمر متعب لكنه ممتع"، وفق تعبيرها.
تؤكد هاجر أنها تحاول من خلال المحتوى الذي تنشره أن تقدم التراث المغربي بصورة جميلة، وترى أن الحاجة اليوم ماسَّة لإظهار هذا التراث ونشره بين الشباب على الخصوص، سواء كانت ملابس أو موسيقى.
تفخر هذه الشابة التي تبحث كثيراً في التراث المغربي بما تفعله، وتقول: "المغرب غنيٌّ بتنوعه، إنه لوحة فنية متكاملة، وأنا أفخر بانتمائي لهذا البلد الغني، وسأعمل كل جهدي لأمثّل الثقافة المغربية والمرأة بصورة جميلة تشرفها وتستحقها، وهذا ما أحاول القيام به من خلال المحتوى الذي أنشره".