ينظُر معظم الناس إلى النباتات المنزلية على أنها مجرد وسيلة لتجميل المساحات الداخلية شأنه شأن أي وسيلة ديكور لتعديل هيئة المكان بغرض فني بحت. ولكن بخلاف الجماليات التي لا يختلف عليها أحد، فإن وجود عدد من النباتات المنزلية في منزلك قد يوفر لك أيضاً فوائد مهمة للغاية متعلقة بالصحة النفسية والعقلية.
النباتات المنزلية ليست محبوبة فقط بسبب الطريقة التي يمكن أن تزين بها المكان ولكن أيضاً للطريقة التي تفيد بها صحتنا العقلية. ويمكنها إنعاش مساحاتنا وتجديد الهواء وهي تذكير يومي بالاعتناء بأنفسنا من خلال رعايتها والعناية بها.
بدايات النباتات المنزلية والداخلية وربطها بالصحة العقلية
كان الناس يحتفظون بالنباتات المحفوظة في أصص داخل المنازل والبنايات منذ وقت طويل بداية من تاريخ مصر الفرعوني القديم وصولاً إلى بابل والحضارة الرومانية. وقد احتفظ الفيكتوريون الأثرياء بالنباتات المنزلية كطريقة لكسر كآبة فصول الشتاء الإنجليزية الطويلة، بحسب موقع Live Kindly.
وبدأت جمعية العلاج البستاني الأمريكية غير الربحية بالتأكيد على القوة العلاجية لرعاية النباتات في المنزل وتأثيرها على الصحة النفسية والعقلية. فقد تم استخدام العلاج البستاني منذ أواخر القرن التاسع عشر عندما وثّق بنجامين راش، الذي يُدعى "أبو الطب النفسي الأمريكي"، الآثار الإيجابية لرعاية النباتات على المرضى الذين يعانون من أمراض عقلية.
وفي القرن العشرين، لم يعد العلاج البستاني علاجاً حصرياً للأمراض العقلية فقط. وقد كانت ضمن تقنيات علاج قدامى المحاربين في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي.
وبالتقدم إلى العصر الحديث، أصبحت الحدائق العلاجية تُرفق في المستشفيات ومرافق الرعاية المختلفة، كما كشفت العديد من الدراسات فوائد وجود نباتات مكتبية وفي الشركات والأماكن المغلقة.
ميل للاعتناء بالنباتات المنزلية في الأوقات العصيبة
تسببت العزلة الاجتماعية المصاحبة لتفشي وباء كورونا خلال السنوات الأخيرة في إعادة تسليط الضوء على أهمية النباتات المنزلية بالنسبة للصحة النفسية والعقلية.
ووجدت دراسة حديثة تم نشرها أبريل/نسيان من عام 2021 الجاري بمجلة Urban Forestry & Urban Greening، وأُجريَت على أكثر من 4000 شخص من جميع أنحاء العالم، أن وجود حضور نباتي في المنزل يعزز الرفاهية العاطفية لنحو 74% من المشاركين بعد العزل المنزلي.
كما اتضح أن الأشخاص الذين لديهم نباتات منزلية اختبروا كذلك مشاعر سلبية أقل تكراراً من أولئك الذين ليس لديهم أي نباتات في المنزل.
ووضعت الدراسة استبياناً مكوناً من 38 سؤالاً لجمع معلومات عن المشاركين، ومدة الوقت الذي قضوه في العزل المنزلي، والوضع المعيشي لكل منهم، وعدد النباتات التي كانت لديهم في المنزل، ومدى ميلهم واهتمامهم بالبستنة، وبعض التفاصيل الأخرى ذات الصلة.
وأظهرت النتائج أن 3 من كل 4 مشاركين شعروا أن النباتات كان لها تأثير إيجابي على مزاجهم أثناء بقائهم الطويل في المنزل. وقال أكثر من 55% من المشاركين أنهم يتمنون لو كان لديهم المزيد من النباتات في منازلهم في ذلك الوقت العصيب من العزل الاجتماعي.
وعلاوة على ذلك، فإن المشاركين الذين لم يكن لديهم نباتات داخلية وقليل من الضوء الطبيعي في المنزل عانوا من مشاعر سلبية (مثل الحزن والخوف والتوتر) بشكل متكرر أكثر من أولئك الذين كان لديهم نسبة كبيرة من النباتات المنزلية.
كيف تؤثر النباتات المنزلية على الصحة العقلية والنفسية؟
ويوضح الطبيب النفسي الأمريكي راشمي بارمار، لموقع Very Well Mind، أن الاعتناء بالنباتات يمكن أن يقلل من الإجهاد البدني والعاطفي، من خلال تأثيره على نظام القلب والأوعية الدموية، لا سيما عن طريق تقليل النغمة الودية لخفقان القلب، وخفض ضغط الدم مع تعزيز الاسترخاء والمشاعر المهدئة.
كما يمكن للنباتات المنزلية أيضاً أن تذكرنا بالتجارب الإيجابية التي مررنا بها في المساحات الخضراء العامة مثل المتنزهات والحدائق والغابات، وبالتالي تحسين مزاجنا.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للنباتات أن تخفف بعضاً من مشاعر الوحدة وفقاً لتصريحات الطبيبة النفسية ليلا ماجافي لذات الموقع.
وتقول موضحة: "النباتات المنزلية تحسِّن الحالة المزاجية للشخص من خلال السماح له بالعناية بشيء آخر غير نفسه، وهذا يمكن أن يخلق إحساساً بالترابط، والذي يمكن أن يخفف من مشاعر القلق والوحدة".
لذلك فإن الفوائد المنوطة بالحصول على نبات منزلي تنبع من أكثر من مجرد رؤيتها المحببة والنظر إليها، إذ تنبع أيضاً من عمليات الري والتقليم والعناية بالنبات والعمل على رعايته والعناية به.
وبحسب موقع الجمعية الملكية البستانية، فإن الحصول على نبات منزلي له عدة تأثيرات إيجابية للصحة العقلية والنفسية والجسدية أيضاً، وهي كالآتي:
- تحسين المزاج العام.
- خفض مستويات التوتر.
- زيادة الإنتاجية.
- تحسين معدلات الانتباه.
- زيادة تحمل الألم.
- خفض ضغط الدم.
- تقليل التعب والصداع.
وفي دراسة نُشرت في مجلة الأنثروبولوجيا الفسيولوجية عام 2015، وأجريت على 24 شاباً وشابة بالغين، بهدف إثبات أن التفاعل مع النباتات الداخلية يقلل من الإجهاد النفسي والفسيولوجي عن طريق قمع نشاط الجهاز العصبي اللاإرادي لدى الشباب، اتضح أن المشاركين الذين شاركوا في مهمة الزراعة والاعتناء بالنباتات المنزلية شعروا بالهدوء والراحة والاسترخاء أكثر من أولئك الذين انخرطوا في مهمة متعلقة بالتكنولوجيا والحواسيب.
ويلفت موقع Greatist إلى أن أفضل جزء من ملكية النباتات المنزلية هو كيف أنها تعطينا لمحة صغيرة عن كيفية تعاملنا مع مسؤولياتنا؛ لأنه إذا لم تزدهر نباتاتك بسبب رعايتك وعنايتك بها، فمن المحتمل أن يكون هذا هو الوقت المناسب للنظر في كيفية تعاملك مع بقية شؤون حياتك أيضاً.
والحقيقة هي أنه لا يمكنك فقط ملء منزلك بالنباتات والانتظار أن تتحسّن نفسيتك؛ لأن العمل من أجل تحسين الصحة العقلية والنفسية عملية تستحق الجهد والعمل المستمر. ومع ذلك فلتبدأ وتحصل على نبتة منزلية اليوم كخطوة أولى.