أياً كان عملك أو عمرك، وأينما كنت تعيش، ومهما كانت خلفيتك الثقافية والاجتماعية، فعلى الأغلب تستخدم وسيلة أو أكثر من وسائل التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وإنستغرام وتويتر وسناب شات.
وفقاً لدراسة ضخمة قام بها مركز بيو الأمريكي عام 2018 عن الاستخدام المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي، أفاد 88% من المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً باستخدام نوع من وسائل التواصل الاجتماعي، كما قال 78% ممن تتراوح أعمارهم بين 30 و49 عاماً نفس الشيء.
عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ينخفض بالنسبة للفئة العمرية التالية، ولكن ليس بقدر ما تعتقد، فقد أفاد 64% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و64 عاماً باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متكرر. بالنسبة لجيلٍ لم يكبر مع الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هذه الإحصائية قد تكون مفاجئة وتساعد في تفسير انتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في ثقافتنا.
نظراً لأن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في تزايد مستمر، فإن المزيد من الباحثين ينضمون إلى هذا المجال لتحليل وفهم سيكولوجية وسائل التواصل الاجتماعي.
في هذا التقرير سنناقش لماذا يشارك الناس تفاصيل حياتهم على السوشيال ميديا، وفقاً لما يخبرنا به العلم.
وسائل التواصل الاجتماعي والدماغ
من منظور عصبي، تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على وظائف الدماغ المختلفة بطرقٍ فريدة. فهي تحتوي على أنواع مختلفة من المنبهات التي يمكن أن تثير ردود فعل مختلفة، ولهذا السبب تظهر تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على الدماغ بعدة طرق.
الاهتمام الإيجابي على وسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال، يؤثر على أجزاء متعددة من الدماغ. وفقاً لمقالٍ نُشر في موقع Oxford Academic، عن تأثير التفاعل الذي نتلقاه على السوشيال ميديا على الدماغ، فإن تراكم الإعجابات على فيسبوك أو تويتر أو إنستغرام يؤدي إلى "تنشيط في دائرة الدماغ المعنيّة بـ"المكافأة"، والمناطق المسؤولة عن تلقي الإعجابات من الآخرين.
المنطقة السقيفية البطنية في الدماغ (VTA) هي أحد الأجزاء الأساسية المسؤولة عن تحديد نظام المكافآت في أجسام الأشخاص.
عندما يتلقى مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي ردود فعل إيجابية (مثل الإعجاب والتعليقات)، فإنّ أدمغتهم تطلق مستقبلات الدوبامين (وهو الهرمون المسؤول عن الشعور بالسعادة)، التي يتم تسهيلها جزئياً في المنطقة السقيفية المذكورة أعلاه.
وفي دراسة قامت بها جامعة كاليفورنيا عام 2016 عن تأثير "الإعجاب" في عالم السوشيال ميديا على المراهقين، تم استخدام تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي لمراقبة نشاط الدماغ أثناء تلقي الإعجابات والتعليقات على قصصهم ومنشوراتهم على السوشيال ميديا. عندما قام الباحثون بتحليل أدمغة المراهقين الذين يتصفحون إنستغرام وجدوا أن "مشاهدة الصور مع العديد من الإعجابات كان مرتبطاً بنشاط أكبر في المناطق العصبية المرتبطة بمعالجة المكافآت والإدراك الاجتماعي والانتباه".
كما يمكن أن تؤثر محفزات وسائل التواصل الاجتماعي على صنع القرار في الدماغ ووظائف المعالجة العاطفية.
ناقش مقال لموقع NCBI، المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية، العديد من الدراسات عن استخدام السوشيال ميديا وتأثيره على تطور الدماغ فترة المراهقة. وقد وجد الباحثون أن أجزاء الدماغ التي تتعامل مع المعالجة العاطفية والحسية تفاعلت بشكل ملحوظ عندما شعر المشاركون بالاستبعاد.
سلَّطت هذه الدراسة الضوء على آثار "الاستبعاد الاجتماعي عبر الإنترنت" على العقول النامية للمراهقين. ما يعنيه هذا هو أنه عندما يتم استبعاد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من المجموعات أو المحادثات أو الأحداث عبر الإنترنت، فإن الدماغ يتفاعل في هذه المناطق المحددة بشكل مباشر.
الأسباب النفسية للنشر على وسائل التواصل الاجتماعي
قد يكون تحديد الدوافع والأسباب الفردية لمشاركة الأشخاص تفاصيل حياتهم على السوشيال ميديا أمراً مستحيلاً، ومع ذلك، من خلال فهم بعض سلوكيات وسائل التواصل الاجتماعي المهمة، يصبح من السهل فهم الدوافع العامة التي تدفعهم لمشاركة هذه التفاصيل مع الناس.
في بحثٍ قام به موقع The New York Times الأمريكي عن نفسية مشارك المحتوى، وضح المستويات المختلفة لدوافع النشر. شرح مؤلفو هذا المقال العوامل والحوافز النفسية لمشاركة المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، وربطوها بذكاء مع التسلسل الهرمي للاحتياجات البشرية لعالم النفس الشهير أبراهام ماسلو.
في عام 1943، أنشأ عالم النفس الأمريكي أبراهام ماسلو هرماً يصور الشكل الأساسي للسلوك البشري. بدءاً من قاعدة الهرم، توجد الاحتياجات الفسيولوجية، التي وصفها ماسلو بأنها أهم الاحتياجات البشرية الأساسية للجميع.
بدون تلبية هذه الاحتياجات لا يمكننا المضي قدماً لتحقيق أي شيء آخر في الحياة، ثم يأتي بعدها الشعور بالأمان، يليه الشعور بالحب والانتماء، وبعده الحاجة للتقدير، وأخيراً تأتي في قمة الهرم أهم الاحتياجات؛ تحقيق الذات.
إليكم بعضاً من أبرز الأسباب التي تجعل الأشخاص ينشرون ويشاركون على منصات التواصل الاجتماعي، وفقاً للبحث السابق ذكره، ووفقاً لهرم ماسلو:
1. الاحتياجات الفسيولوجية
تشمل الاحتياجات الأساسية للبشرية من الطعام والملبس والمأوى والنوم، وكلها تدخل في فئة "الفسيولوجية" في أسفل هرم ماسلو. من المرجح أن تتم مشاركة المنتج أو الخدمة التي تفي بهذه الاحتياجات الأساسية عبر الإنترنت.
على سبيل المثال، إذا رأيت مطعماً يروج لطعامٍ لذيذ، فمن المحتمل أن يتم تحفيز حواسك، ما يدفعك إلى مشاركة الرابط مع زملائك من عشاق الطعام.
في الواقع، وفقاً للبحث الذي أشرنا إليه أعلاه، قال 49% من الأشخاص إن المشاركة تتيح لهم إبلاغ الآخرين بمنتج أو خدمة معينة، ما قد يكون مفيداً للأصدقاء والعائلة.
2. السلامة/ الأمان
السلامة هي إحدى الاحتياجات الإنسانية الأساسية في هرم ماسلو التي يسعى الإنسان للوصول إليها والحفاظ عليها طوال حياته. ومن المثير للاهتمام أن المحتوى المتعلق بالصحة والتوظيف والسلامة الجسدية وما شابه يتم مشاركته بانتظام على المواقع الاجتماعية.
يستفيد فيسبوك من ذلك بشكلٍ فعال من خلال ميزته، "التحقق من الأمان"، والتي يستخدمها الأشخاص لتمييز أنفسهم بأمان خلال فترات الكوارث الطبيعية، التي من صنع الإنسان. ثم تتم مشاركة هذا التحديث على الجداول الزمنية الخاصة بهم حتى يراها الأصدقاء والتعليق عليها.
3. الحب/ الانتماء
يحتاج البشر إلى الشعور بالانتماء والقبول، وهذا ما يفسر سبب مشاركة الأشخاص للصور وكتابة الحالات من أجل الحصول على "الإعجابات". كلما زاد عدد الإعجابات التي يحصل عليها الأشخاص زاد شعورهم بالتقدير والقيمة والقبول. للأسف، هذا أيضاً له جانب سلبي، ويمكن أن يثير مشاعر سلبية في حال عدم الحصول على الإعجاب المتوقع.
4. التقدير
إن الرغبة في الاعتراف والمكافأة على الإنجازات هي غريزة أساسية للإنسان. ويميل المسوِّقون إلى الاستفادة من هذه المشاعر من خلال حملات مشاركة الوسائط الاجتماعية.
يتم تنشيط الجزء الساعي للمكافأة في دماغنا عندما نشارك مشاعرنا وخبراتنا على وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا يفسر لماذا نرى أيضاً الكثير من صور الإجازات على منصات مختلفة والوصف التفصيلي للزواج والعلاقات.
5. إدراك الذات
في القمة من هرم ماسلو تأتي رغبة البشر في الوصول إلى إمكاناتهم القصوى. قد يعني هذا التفوق في رياضة معينة أو إتقان حرفة صعبة.
قد يعني أيضاً اجتياز اختبار معين، غالباً ما نشارك نتائج اختباراتنا التي قمنا بها أو اجتيازنا مرحلة صعبة في حياتنا بنجاح أو تفوقنا بإنجاز ما عبر الإنترنت لتعزيز غرورنا بأنفسنا.