هل جرّبت من قبل أن تنتظر حتى تبرد البيتزا تماماً لكي تتناول شريحة منها وأنت تشعر بأن المكونات الملتصقة عليها أصبحت أشهى مذاقاً بعدما تجمدت نسبياً بهذا الشكل؟ حسناً، هل قمت بتسخين صحن من المعكرونة في المايكروويف لكي تستعيد مذاق كرات اللحم التي عليها؟
بالتأكيد، جميعنا يفعل مثل تلك الأمور. إذ تلعب درجة حرارة الطعام عاملاً كبيراً في التأثير على مذاق الكثير من المكونات، وذلك إما أن تصبح أشهى وهي باردة، أو غنية بمذاق أقوى بينما ينبعث منها البخار الساخن.
كيف يؤثر الطهي ودرجة حرارة الطعام على الوجبات؟
قبل اكتشاف النار، تناول الإنسان الأطعمة التي تمكّن من قطفها ومضغها وهي نيئة، وبطبيعة الحال كان ذلك يستلزم مجهوداً أكبر عند الهضم وعملية التمثيل الغذائي. لكن بعد النار واكتشاف الطهي، تغيَّر كل شيء.
وبحسب موقع HuffPost الإنجليزي، تمكّن الإنسان من خلال تسخين الطعام وطهيه، أن يمنح الجسد فرصة لبذل مجهود أقل في هضم الطعام، وبالتالي زيادة عدد السعرات الحرارية المتاحة لنا لامتصاصها والتقوّي بها.
ولا يضيف الدخان والنار نكهة فحسب لتلك الوجبات المطبوخة، بل نحصل على المزيد من الطاقة والبروتين من الحبوب واللحوم المطهوّة. كما لا يتعين علينا مضغها كلها بنفس القدر، ما يتيح لنا فرصة القيام بأمور أخرى عند الطعام، مثل مشاهدة التلفاز أو تصفّح الجريدة مثلاً.
درجة حرارة الطعام المرتفعة قد تشتت تركيزنا عن المذاق
ومع ذلك، تؤثر درجة حرارة الطعام بشكل كبير على رائحة الوجبة أيضاً، فتجعل ذرات المذاق تفوح ما يثير جوعنا أكثر، ولكن عند الأكل تمنع درجة حرارة الطعام المرتفعة براعم التذوق على اللسان من صبّ كل طاقتها في تذوق النكهات؛ لأنها تحاول أيضاً إعادة ضبط درجة حرارة تلك القضمة التي التهمتها لكي تتمكن من تناولها دون أن تحرق حلقك أو معدتك.
ووفقاً لموقع NDTV Food، تقول أستاذة الطب الجزيئي والخلوي البلجيكية، تالافيرا بيريز، إن الدراسات التي تسجل النشاط الكهربائي لأعصاب التذوق تظهر أن "إدراك الذوق يتناقص عندما ترتفع درجة حرارة الطعام عن 35 درجة مئوية".
لذلك في حالة تناول الطعام الساخن جداً، يمكن أن "يخفي" الشعور بالحرقان أحاسيس التذوق؛ لأنه يعمل كإشارة إنذار لتحذيرنا من الخطر الذي يلحق بنا. وتتابع الطبيبة: "ربما نتذوق نكهة الطعام بدرجة معينة عند تناول الطعام الساخن، لكننا لا نهتم بذلك بالقدر الكافي لأننا نشعر بالقلق من الشعور بالسخونة والحرقان".
وهنا يكمُن السبب الحقيقي وراء محبتنا غير المفهومة لبواقي الوجبات الباردة.
كيف تغيِّر درجة حرارة الطعام مذاق المكونات؟
وجدت ورقة بحثية نشرت عام 2005 في مجلة الدراسات الحسية، أن درجة حرارة جبن الشيدر مثلاً عند تناولها قد أثرت على كيفية إدراك مذاقها.
وتم تقديم الجبن في درجة حرارة 5 مئوية و12 درجة مئوية و21 درجة مئوية، واتضح أن درجة حموضة الجبن زادت مع ارتفاع درجة حرارة الطعام. ومع ذلك وجد المتذوقون صعوبة في تقييم الجبن الأكثر دفئاً.
وفي نفس العام، بحثت دراسة أخرى نشرتها مجلة Nature العلمية حول أسباب تحول مذاق الآيس كريم ليصبح أكثر حلاوةً عندما يصبح دافئاً.
ووجدت الدراسة أن الآيس كريم في هيئة سائل مثلاً لا يمكن احتمال حلاوته، في حين أنه يكون مناسباً تماماً إذا ما كان في صورته المجمدة الأصلية.
وتحدث هذه التأثيرات لأن مستقبل الطعم والمذاق في الفم TRPM5 (الذي يميّز المذاق الحلو والمر والمالح) يرسل إشارة كهربائية أقوى إلى الدماغ عندما يكون الطعام أكثر دفئاً.
ومع ذلك، فإن تفسيرنا الكامل، حتى الآن، لكيفية تأثير درجة حرارة الطعام على توازن الأذواق هو أكثر تعقيداً وتبايناً مما نظن. نظراً لكون تركيز مركبات التذوق في الطعام عاملاً رئيسياً آخر يجب حسابه، إلى جانب الاختلافات في حساسية التذوق بين الأفراد، وحقيقة المكونات الحسية الأخرى في اللسان التي تمتلك حساسية للحرارة أيضاً، وفقاً لصحيفة Guardian البريطانية.
الحرارة والبرودة تؤثران على حساسيتنا لمذاق الأشياء
وبناءً على ماسبق وأسلفنا، فإنه من الممكن أن يؤدي تسخين أو تبريد أجزاء معينة من اللسان إلى إيهامنا بتذوق بعض النكهات المعينة.
ووجدت دراسة علمية أخرى نُشرت في مجلة Nature أنه عند تدفئة الحافة الأمامية للسان (حيث يوجد عصب Chorda tympani)، من خلال درجة الحرارة الباردة، فإنه من الممكن حث الشعور بالمذاق الحلو.
كما اتضح أن تبريد نفس المنطقة يستحضر الحموضة و/أو الملوحة بدرجات معينة. ثم، في الجزء الخلفي من اللسان (حيث يوجد العصب glossopharyngeal nerve)، تحدث مجموعة مختلفة من التأثيرات. وخلص باحثو جامعة ييل الذين أشرفوا على تلك الدراسة إلى أن الخلايا العصبية الحساسة حرارياً تلعب دوراً يومياً في تحديد الشفرة الحسِّية للتذوق.
هناك الكثير بعد لاكتشافه!
الطريقة المعقدة التي تختلط بها حواسنا مع درجات حرارة الوجبات دائماً ما ستبهر العلماء. وقد توصلت دراسة علمية أخرى بجامعة أكسفورد وتم نشرها في مجلة العلوم الحسية العلمية، إلى أنه في كثير من الأحيان، يمكننا معرفة ما إذا كان السائل ساخناً أم بارداً فقط من خلال سماعه وهو يُسكب في فنجان. هل تتخيل هذا؟!
لذلك من المُنتظر أن تكشف الدراسات المستقبلية الكثير والكثير من الإعجاز فيما يتعلق بالحساسية البشرية تجاه درجة حرارة الطعام والمشروبات، وذلك بشكل قد يطوّعها لمصلحتنا في نهاية المطاف وتجعلنا نكتشف مثلاً تركيبة معينة يمكنها أن تضمن مذاق رائع للبيتزا المتبقية حتى اليوم التالي دون الحاجة للتسخين! من يدري.