قد نكسب احترام وثقة الآخرين ونقلل من مشاعرنا بالوحدة.. إليك سبب حبنا للنميمة وتبادل “القيل والقال”

هذا الأسلوب شائع بين الناس من مختلف الثقافات والأعمار والأجناس

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/18 الساعة 14:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/18 الساعة 14:06 بتوقيت غرينتش
يميل الإنسان إلى عشق التفاصيل وتداول القيل والقال للشعور بالاتصال والثقة - iStock

مَن منَّا لم يمارس تلك اللذة المذنبة في تداول وتبادل النميمة مع الأصدقاء أو الزملاء في ساعة من الملل خلال أحد أيام العمل الطويلة؟

سواء كان الأمر يتعلق بالثرثرة في مكان العمل أو مشاركة الأخبار العائلية أو الرسائل الجماعية بين الأصدقاء، فمن الشائع تماماً أن يتحدث الناس عن بعضهم البعض لأناس آخرين في مختلف المناسبات.

وفي دراسة كلاسيكية تم إجراؤها عام 1993، اتضح أن الذكور يمضون 55% من محادثاتهم مع الآخرين في تبادل النميمة، في حين أمضت السيدات 67% من محادثاتهن مع الآخرين في "مناقشة الموضوعات ذات الصلة اجتماعياً".

النميمة ليست سلبية بالضرورة - iStock
النميمة ليست سلبية بالضرورة – iStock

ويميل الناس إلى التفكير في "القيل والقال" أو النميمة، كمرادف للشائعات الخبيثة أو الإهانات المباشرة أو تداول الكلام اللاذع عن شخصيات معينة عبر الصحف الصفراء مثلاً، لكن الباحثين غالباً ما يعرّفونها على نطاق أوسع من ذلك.

وبحسب تصريحات ميغان روبينز، أستاذة علم النفس المساعدة في جامعة كاليفورنيا لمجلة Times، فقد تم تعريف النميمة على أنها "الحديث عن أشخاص غير موجودين أثناء لحظة إجراء النقاش"، وهو في العادة بات جزءاً لا يتجزأ من المحادثات وجلسات تَشارك المعلومات، وحتى عمليات بناء المجتمعات، وفقاً لتعبيرها.

إيجابيات النميمة في بناء المجتمعات

ويضيف أستاذ علم النفس في كلية جورجيا الأمريكية ديفيد لودن، لذات المجلة، أن النميمة ليست أمراً سلبياً بالضرورة، إذ يمكن أن تكون إيجابية أو محايدة في كثير من الأحيان، وهو عكس المفهوم الشائع للنميمة السلبية أو الجارحة والمهينة للآخرين.

ويعتقد علماء الأنثروبولوجيا أنه عبر تاريخ البشرية كانت النميمة بمثابة وسيلة للتواصل مع الآخرين، وأحياناً أداة لعزل أولئك الذين لا يدعمون المجموعة أو ينتمون لها، وفقاً لموقع Psychology.

وتُعد رغبة البشر في معرفة تفاصيل ومعلومات عن حياة الآخرين من أكثر الأمور التي باتت تجارة تُقدر بمليارات الدولارات سنوياً حول العالم، بداية من مانشيتات الصحف الفنية وصولاً لبرامج المشاهير التي يستعرضون فيها تفاصيل حياتهم الشخصية بأنفسهم، بشكل يُدرّ عليهم الملايين من المتابعين والأرباح.

فوائد النميمة في بيئة العمل.. لكن بشروط

ويجادل البعض بأن النميمة في مكان العمل مثلاً قد تكون أمراً مفيداً في الحقيقة. وبحسب أستاذ علم النفس بجامعة نورث إيسترن الأمريكية، جاك ليفين، فإنه يمكن أن يكون تبادل النميمة جيداً لصحتنا العاطفية، ولكن طبعاً بخلاف نوعية النميمة التي قد تؤذي أحداً أو تذكرهم بسوء بين الآخرين.

ويقول أستاذ علم النفس إنه يعتقد أن القيل والقال هي "القوة التي تربط بين الشبكات الاجتماعية والتجارية، وتصنع حلقات من العلاقات التي يعرّفها آخرون على أنها طريقة لرؤية ما وراء ستار الرسميات المتعلقة ببيئة العمل".

هناك بعض الإيجابيات للنميمة من بينها بناء العلاقات الوثيقة - iStock
هناك بعض الإيجابيات للنميمة من بينها بناء العلاقات الوثيقة – iStock

ومع ذلك، فإن كلاً من الأبحاث والتجارب التي شارك فيها أولئك الذين كانوا أهدافاً للنميمة والقيل والقال، فإن الأمر يمكن أن يضر بالعلاقات ويخلق مناخاً من الخوف والترهيب والاستياء، وكل ذلك يغذي الإجهاد وتدهور الصحة النفسية للشخص.

وتُظهر دراسات متعددة، وفقاً لموقع Psychology، أن الإجهاد في مكان العمل يسبب مشاكل تتراوح من انخفاض الإنتاجية إلى زيادة المرض والتغيب عن العمل، وصولاً لخسارة الفرص المهنية والترقيات وتراجع المدخول المادي.

النميمة كوسيلة للشعور بالاطمئنان والمتعة

هناك جوانب أخرى للنميمة كذلك، إذ يقول الطبيب النفسي فريديريك فانجيت لموقع Psychologies لعلم النفس: "من خلال النميمة نستطيع أن نتحدث عن مخاوفنا ونطلب الطمأنينة والدعم، وهي طريقة غير مباشرة للتحدث بشكل جيد عن نفسك لمستمعيك". 

من الممتع أيضاً إثارة فضول الآخرين والسيطرة على زمام المحادثة، وذلك يحدث عندما تكون لديك معلومات لتكشفها وتشاركها مع الآخرين، وعادة ما يكون مستوى ما تشاركه من نميمة مع الآخرين مؤشراً بشكل غير مباشر عن قيمك وأخلاقياتك الشخصية.

بمعنى أوضح، قول أشياء سيئة عن شخص غائب مثلاً يعني أنك تخاطر بأن تبدو سيئاً ولا تستحق الثقة، لذا فإن القيل والقال يُظهر مستوى مصداقية وأخلاقيات الأفراد، ويعني بالتبعية مدى ثقة المستمعين في الشخص المتكلِّم بشكل سيجعلهم يميلون أكثر لمشاركة أسرارهم أيضاً ما يوطد العلاقات.

وتكشف جلسات القيل والقال عن العلاقات التي تربط الناس ببعضهم البعض، ومدى قوتها وحميميتها. وتقول ستايسي توريس، الأستاذة المساعدة في علم الاجتماع بجامعة كاليفورنيا، إن "هناك علاقة حميمة يجب أن تتأسس" لتبادل الخبرات والشعور بأنك على نفس الصفحة مع الآخرين، لكي تُبادلهم النميمة.

وفي بحث لها تناولته مجلة Oxford Academic العلمية، وجدت أيضاً أن النميمة يمكن أن تخفف مشاعر الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية، وهي تسهِّل الترابط والتقارب وتعمل بمثابة شكل من أشكال الترفيه، ما يجعلنا نحب تبادله والانخراط فيه في مختلف دوائرنا الاجتماعية.

رغم ما أسلفنا.. لا يجب أن ننسى سلبيات النميمة

بالطبع لا يمكننا أن ننسى أن النميمة قد تصبح قبيحة للغاية وخطيرة، وهناك عواقب سلبية للنميمة السلبية التي تستهدف الهدم أو التجريح والإيذاء لشخصيات بعينها، وقد تكون لها عواقب وخيمة، تبدأ من تدمير سمعة الشخص أو طرده من العمل، وصولاً إلى إصابة الشخص المستهدف بالاكتئاب، وإقدامه حتى على الانتحار في بعض الحالات القصوى.

هناك بعض السلبيات الخطيرة للنميمة، وتكون عند تشويه سمعة أحد أو فضح حياته الشخصية - iStock
هناك بعض السلبيات الخطيرة للنميمة، وتكون عند تشويه سمعة أحد أو فضح حياته الشخصية – iStock

وبحسب موقع Health الصحي، الضرر للنميمة السلبية يشمل المتورطين فيها كذلك وليس المستهدف منها فحسب، وذلك ما إذا اكتشف الهدف ما يُقال عنه في غيابه وقام برد مماثل أو بالانتقام، أو إذا استنتج المستمعون أن المسؤول عن القيل والقال هو شخص غير جدير بالثقة ولا يستحق احترام الآخرين.

لذلك يمكن أن تكون النميمة نشاطاً محفوفاً بالمخاطر: فقد تؤدي سريعاً إلى الإحراج وعدم الثقة وفقدان العلاقات كذلك، وقد يترك الضحية غير قادرة على الدفاع عن نفسها ومعرضة للتهديد بسبب طبيعة انتشار الأخبار السلبية بشكل أوسع من أي أخبار أو أحداث إيجابية لطبيعة الفضول البشري في تداول الأخبار.

لذا بالرغم مما سبق طرحة في التقرير، هذه لا تعد دعوة مفتوحة لتداول النميمة والقيل والقال في بيئات العمل أو أي دوائر اجتماعية أخرى، وإن كان لديك شيء ملّح تريد مشاركته مع الآخرين تذكَّر أن تشاركه على مسؤوليتك الخاصة.

تحميل المزيد