تعرف الجزائر، منذ أيام، حرائق غابات هائلة طالت 16 ولاية كاملة، وتسببت في وفاة العشرات من المدنيين والعسكريين، أغلبهم بمنطقة القبائل، التي تعدّ الأكثر تضرراً في البلاد.
وأعلنت الرئاسة الجزائرية حداداً وطنياً على أرواح المتوفين من جرّاء الحرائق، في الوقت الذي وجّهت فيه وزارة الداخلية أصابع الاتهام إلى مجموعات إجرامية لم تسمهم، قالت إنهم يقفون وراء الحرائق؛ في محاولة لـ"تركيع الجزائر"، على حدّ تعبيرها.
ووفق بيانات الحماية المدنية ومديرية الغابات، فإن منطقة القبائل وعاصمتها تيزي وزو، تعد أكثر المناطق تضرراً من الحرائق، إذ خسرت عشرات الآلاف من الهكتارات من الغطاء النباتي، والمئات من الحيوانات البرية والأليفة، فضلاً عن آلاف أشجار الزيتون التي تشتهر المنطقة بها.
ما هي منطقة القبائل الجزائرية؟
تعد منطقة القبائل من أهم المناطق في الجزائر، تقع شمالاً وتطل على حوض المتوسط، وتضم أربع ولايات رئيسية، هي: تيزي وزو، وبجاية، وبويرة، وبومرداس، ويطلق عليها "القبائل الكبرى"، وتمتد إلى أجزاء أخرى من الولايات المجاورة على غرار سطيف، وبرج بوعريريج، وجيجل، وتسمى بـ"القبائل الصغرى".
يتحدّث سكان منطقة القبائل اللهجة القبائلية، وهي إحدى اللهجات الأمازيغية التي يتحدث بها الجزائريون، وتختلف اللهجات بين القبائل الكبرى والقبائل الصغرى.
ويقطن معظم سكان المنطقة في قرى ومداشر بأعالي الجبال، حيث تُعرف المنطقة ككل بتضاريسها الصعبة وجبالها الوعرة وغاباتها الكثيفة.
منطقة ثورية تاريخية
تعد منطقة القبائل في الجزائر من بين المناطق التاريخية الثورية التي واجهت الاستعمار الفرنسي لسنوات طويلة منذ 1830، وعُرفت المنطقة بتجدّد ثوراتها الشعبية، ومن أبرزها ثورة "لالا فاطمة نسومر"، والشريف بوبغلة، وثورة المقراني، وغيرها وصولاً إلى الثورة التحريرية، بحيث كانت مقراً للولاية الثالثة بقيادة كريم بلقاسم.
وعرفت المنطقة، وبالتحديد ولاية بجاية، عقد أهم مؤتمر ينظم الثورة التحريرية وهو مؤتمر الصومام، الذي فتح المجال سياسياً وعسكرياً أمام توسع الثورة وتمهيد انتصارها فيما بعد.
كما كُتب وطُبع بيان أول نوفمبر/تشرين الثاني، وهو بيان إعلان الثورة في ولاية تيزي وزو، ثم وُزع على باقي ولايات الوطن.
صراع دائم مع السلطة
كثيراً ما عرفت منطقة القبائل اضطرابات بسبب مطالبها الهوياتية، بحيث لا يكف أهلها عن المطالبة بإدراج لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم في المناهج الدراسية، وتعميم لغتهم طبقاً لما ينص عليه الدستور الجزائري، الذي يُقر في نسخته الجديدة المستفتى عليها قبل سنة، بأن اللغة الأمازيغية لغة رسمية، كما جعل الدستور الجديد هذه المادة مادة أساسية لا يمكن المساس بها أو تعديلها.
وتتعامل السلطات الجزائرية بخصوصية كبيرة مع المنطقة، إذ تعمل دائماً على احتواء أي غضب شعبي بسرعة، كما تستجيب لطلبات السكان في أوقات قياسية؛ لتفادي أي انزلاق يُستغل خارجياً، على حد قولها.
وقاطع سكان المنطقة الاستحقاقات الانتخابية الماضية، حيث لم تتعدَّ نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية 3%، سجَّل الاستفتاء على الدستور نسبة مشاركة أقل من 2%، فيما لم تتجاوز نسبة المشاركة في التشريعيات 1.5%.
آخر معاقل الحراك الشعبي
بعد أن تمكنت السلطة الجزائرية الجديدة من السيطرة على مسيرات الحراك الشعبي في مختلف أنحاء البلاد وعلى رأسها العاصمة، بقيت المسيرات تخرج في منطقة القبائل وبالضبط في كل من تيزي وزو، وبجاية، وبويرة.
وتعاملت السلطة بطريقة مختلفة مع مسيرات الحراك الشعبي في منطقة القبائل، بحيث فضّلت عدم التعامل معها أمنياً على غرار باقي المناطق الأخرى؛ في محاولة لتجنب الصدام الشعبي مع سكان المنطقة.
وقرر المواطنون طواعيةً إيقاف المسيرات مؤخراً بصفة مؤقتة، بسبب انتشار فيروس كورونا في البلاد.