ماذا لو استيقظت ذات يوم ووجدت نفسك فجأة تتحدث بصوت جنوبي أو بلهجة مائلة للفرنسية أو البريطانية أو بمخارج حروف تكاد تكون من دولة مختلفة كلياً عن محل إقامتك ونشأتك طوال حياتك؟
إنه اضطراب اللكنة الأجنبية أو ما يعرف بمتلازمة FAS، وهو يحدث لدى الأشخاص في حالات نادرة عندما يتعرضون لإصابة دماغية أو حادث شديد القوة والتأثير على الدماغ.
أنواع اضطراب اللكنة الأجنبية وأسبابه الأساسية
تتطور متلازمة اللكنة الأجنبية عادة بعد تلف عصبي معين، مثل التعرض للسكتة الدماغية نتيجة الحوادث أو الجلطات. وتؤثر المتلازمة على كلام الشخص، وتحديداً إيقاعه ونغمته وطريقة إلقاء مخارج الحروف.
ويمكن أن يشير التغيير المفاجئ في الكلام إلى مشكلة دماغية خطيرة، وفقاً للأبحاث الطبية. ويمكن أن يحدث التغيير في طريقة الكلام بأي شكل من الأشكال، بما في ذلك تغيُّر اللهجة أو تغيُّر مخارج بعض الحروف والألفاظ.
وتشير دراسة نُشرت في وقت سابق في مجلة Frontiers in Human Neuroscience العلمية، إلى أن ما يقرب من 86% من الحالات مرتبطة بأضرار عصبية في مراكز النطق في الدماغ، سواء من السكتات الدماغية أو الصدمات أو أمراض أخرى مثل التصلب المتعدد.
وعادة لا يتحدث هؤلاء المرضى بلهجة بعينها، فالشخص المصاب لن يتحدث بلكنة لبنانية أو ألمانية في اليوم التالي من الإصابة، ولكن تحدث لديه تغيرات عامة في نبرة الصوت وطريقة الحديث والكلام بصورة طبيعية.
من ناحية أخرى، لا يرتبط النوع الثاني من متلازمة اللكنة الأجنبية بأي تغيرات في الدماغ على الإطلاق. وغالباً ما تكون هذه الحالات نفسية الأساس.
على سبيل المثال، يمكن أن يغير القلق أو الاكتئاب أو الصدمة العاطفية جوانب كيفية تفسير الدماغ للمعلومات بما يمكن أن يتسبب في قيام الشخص بتغيير نمط وطريقة حديثه لا إرادياً.
وبحسب المجلة العلمية المذكورة، يمكن أن يحدث هذا على الرغم من عدم وجود صدمة للدماغ أو أي حادث ارتطام من أي نوع. ومع ذلك، هذا لا يعني أن المريض "يزيف الأمر"، بل يعني فقط حدوث تغييرات في دماغه على مستوى اللاوعي بشكل تسبب في حدوث هذا النوع من التغيير.
وترتبط المتلازمة بالظروف التي تؤثر على منطقة تُدعى Broca في الدماغ ما يتسبب في تلفها. وعادة ما ترتبط هذه المنطقة، في الجانب الأيسر من الدماغ، بإنتاج الكلام والحديث.
وتشمل الحالات التي يمكن أن تؤثر على هذه المنطقة من الدماغ ما يلي كذلك:
- السكتة الدماغية، عندما ينقطع تدفق الدم إلى الدماغ.
- إصابات الدماغ الرضية، وخاصة من صدمة القوة الحادة والحوادث.
- أمراض الدماغ أو تمدد الأوعية الدموية، مثلاً عندما يضعف أحد الأوعية الدموية ويتمزق مما يسبب نزيفاً داخلياً.
- مرض التصلب المتعدد (MS)، وهو حالة تصيب الجهاز العصبي المركزي.
- الصداع الشديد المزمن، والصداع النصفي Migraine.
أعراض اضطراب اللكنة الأجنبية
تنتج اللهجة الطبيعية عن نظام من أنماط الأصوات التي تعلمتها بلغتك الأم دون وعي وأنت تكبر، ويُعرف هذا بالنظام الصوتي.
ويمكن أن تتغير لهجتك في وقت مبكر من الحياة حيث تتعرض للهجات متعددة وأنماط كلام مختلفة. ولكن بعد سنوات المراهقة، غالباً ما يظل نظامك الصوتي ثابتاً وغير قابل للتغير على الغالب.
وهذا ما يجعل اضطراب اللكنة الأجنبية محيراً للغاية؛ إذ تؤثر أعراضه على النمط الكامل لنظامك الصوتي. وفي الأعراض المحددة للاضطراب يحدث ما يلي، وفقاً لموقع Healthline:
- ستواجه مشكلة في نطق مجموعات من الأصوات حرف الراء والتاء والسين.
- مواجهة مشكلة في الأصوات التي تتطلب "الضغط" على اللسان من خلف الأسنان الأمامية العلوية، مثل حرف التاء أو الدال.
- نطق حروف العلة بشكل مختلف، مثل حروف الياء والألف.
- إضافة أصوات أو إزالتها أو استبدالها في بعض الكلمات نتيجة صعوبة ربط الحروف ببعضها البعض، مما يعزز شعور أنها لكنة أجنبية عند الشخص المتحدث المصاب بالاضطراب.
ومن بين الأعراض الشائعة الأخرى لمتلازمة اللكنة الأجنبية:
- ما زلت تتحدث لغتك الأم، لكن لهجتك تبدو مثل تلك الخاصة بشخص تعلمها كلغة ثانية في وقت لاحق من الحياة.
- صحتك العقلية جيدة بخلاف ذلك، ولا تؤدي المتلازمة لأي حالة صحية عقلية أساسية إلى هذه التغييرات في اللهجة.
حالات من الإصابة بمتلازمة اللكنة الأجنبية تم توثيقها علمياً
متلازمة اللهجة الأجنبية نادرة جداً. وفي الواقع، يقدر أحد التحليلات لعام 2018 أن ما لا يقل عن 80 شخصاً في جميع أنحاء العالم يعانون من هذه الحالة.
لهذا السبب، غالباً ما يدرس الأطباء الأشخاص الذين يعانون من هذه الأعراض ثم ينشرون النتائج، وهي غالباً حالات أجنبية في أوروبا والدول الأخرى نظراً لانعدام الدراسات المختصة في هذه الحالة عربياً.
ومن بين الحالات المنشورة حول اضطراب اللكنة الأجنبية، ما أورده موقع Medical news today:
واحدة من أولى الحالات التي تم توثيقها كانت لامرأة نرويجية أصيبت بشظية خلال الحرب العالمية الثانية. وطورت بسبب الإصابة لهجة ألمانية تسببت في نبذ الناس لها وهددت حياتها.
وفي حالة عام 2016 لامرأة أمريكية من أصل إفريقي تبلغ من العمر 34 عاماً، ربط أطباؤها متلازمة اللكنة الأجنبية لديها بمرض انفصام الشخصية. وظهرت في غرفة الطوارئ بلكنة بريطانية، على الرغم من أنها لم تعِش في بريطانيا قط.
وكانت المصابة قد واجهت ضائقة مالية وعاطفية هائلة في الأشهر التي سبقت هذه الزيارة إلى قسم الطوارئ، وشخصها الأطباء بمرض انفصام الشخصية.
ووفقاً لقصة نشرتها إذاعة National Public Radio الأمريكية في العام 2011، طوّرت امرأة أمريكية ناطقة بالإنجليزية لكنة أجنبية بعد جراحة الأسنان. وبدا وكأنها تتحدث لهجة أيرلندية وبريطانية فور الاستيقاظ من الجراحة. واستمر التغيير لديها حتى بعد تعافيها من الجراحة.
ما هي طرق علاج الاضطراب المعروفة وسُبُل التعامل معه؟
متلازمة اللهجة الأجنبية نفسها ليست خطيرة. ومع ذلك، قد يحذر الأطباء من وجود حالة طبية خطيرة وراءه، مثل ورم أو مرض في الدماغ أو الخرف أو مرض التصلب العصبي المتعدد MS. لذلك سيركز العلاج على معالجة سبب متلازمة اللكنة الأجنبية الأصلي.
وقد يصف الطبيب دواءً لحالات مثل مرض MS أو جراحة لورم دماغي معين. وعندما يكون هناك سبب نفسي وراء الإصابة بالاضطراب، قد يوصي الطبيب بالعلاج أو الدواء أو كليهما.
ولا يمكن علاج العديد من أسباب متلازمة اللكنة الأجنبية في الواقع، على الرغم من أن الأدوية يمكن أن تساعد في إدارة الأعراض وتخفيفها بعض الشيء.
لكن وفقاً لموقع Medical news today، سيوصي الطبيب المختص في معظم الحالات بجلسات علاج النطق لمساعدة الشخص على استعادة عاداته الطبيعية في الحديث ونطق الحروف.