في دراسات علم النفس المختلفة يتم استخدام مصطلح "الألم الاجتماعي" في الغالب للإشارة إلى ردود الفعل التي تنبع منا عند فقدان العلاقات بالآخرين، سواء أكان ذلك من خلال الرفض أو الهجر والطلاق أو الموت أو الهروب أو أي شيء آخر.
ولكن ليس هناك شك في أن الافتقار إلى الاتصال المنتظم مع الآخرين الذين تربطهم علاقة ما بنا، يخلق مشاعر سلبية تشمل الحزن والوحدة، وهي مشاعر قاسية ومؤلمة.
لماذا نشعر بالألم الاجتماعي في المقام الأول؟
يقول مارك ليري، أستاذ علم النفس والأعصاب في جامعة ديوك، لموقع Healthline إن الشعور بالفقد هو على الأرجح السبب الرئيسي الذي يجعل الناس ينتهكون قناعاتهم بالصواب والخطأ، وذلك لمحاولة الهروب من الشعور.
وعلى سبيل المثال، في فترة العزلة الاجتماعية المرتبطة بوباء فيروس كورونا خلال العامين الماضيين، تجاوز الناس التعليمات التوجيهية للسيطرة على الوباء، مثل الخروج مع الأصدقاء وحضور المناسبات الاجتماعية والسفر خلال العطلات.
وقال مارك ليري إن "الدافع للحفاظ على الروابط الاجتماعية قوي للغاية -والعواطف المرتبطة بالشعور بالانفصال عن الآخرين شديدة النفور- لدرجة أنه يتجاوز الاعتبارات العقلانية للبقاء في صحة جيدة وحماية الآخرين من الفيروس".
ما هو الألم الاجتماعي؟
يعرّف ليري الألم الاجتماعي على أنه تسمية واسعة وغير رسمية للمشاعر المؤلمة التي تُسببها المواقف التي تشمل أشخاصاً آخرين، مثل الشعور بالرفض، أو العزلة، أو النبذ، أو التقليل من القيمة، أو التخلي، أو الانفصال.
ويقول ليري "عادة ما نفكر في الألم الذي تُسببه أحداث جسدية مثل كسر ذراع، أو المشي على قطعة زجاج مكسورة، أو لدغة نحلة حتى، لكن الأحداث الشخصية البحتة يمكن أن تؤذي بقدر ما تؤذي التجارب الجسدية تماماً".
وقد تتضمن هذه الأحداث مشاعر الحزن المؤلمة عند وفاة أحد أفراد الأسرة، أو عند الحزن على انتهاء علاقة زواج أو ارتباط، أو الشعور بالتجاهل والرفض من قِبل أقرانك وأصدقائك وزملائك.
ويتابع موقع Healthline توضيح وظيفة هذا الألم، فهو في الأساس نفس وظيفة الألم الجسدي، لتنبيهنا إلى التهديدات التي تمسّ رفاهيتنا وسلامتنا الاجتماعية (تماماً كما يشير الألم الجسدي إلى التهديدات لرفاهيتنا وسلامتنا الجسدية)، ولردعنا عن القيام بأشياء تهدد العلاقات التي نحظى بها (مثلما يحفزنا الخوف من الألم على اتخاذ الاحتياطات من أجل سلامتنا الجسدية).
كيف يشبه الألم الاجتماعي تأثير الألم الجسدي؟
رغم أن معظم الأطباء لن يوصفوا عقاقير المسكنات عند المعاناة من قلب مكسور جرّاء طلاق أو من صديق غير داعم، فإن هناك مجموعة متزايدة من الأدلة على أن الألم الاجتماعي يشترك في بعض الدوائر العصبية التي تكمن وراء الألم الجسدي.
وتوضح مجلة Current Directions in Psychological Science العلمية أن الألم الجسدي له مكونان -حسي وعاطفي- يرتبط كل منهما بأجزاء مختلفة من الدماغ.
وأظهر علماء النفس الذين يدرسون الألم الاجتماعي أن القشرة الحزامية الأمامية الظهرية (dACC) والجزر الأمامي، وهما عنصران حاسمان للعنصر العاطفي أو المزعج للألم في الدماغ، ينشطان أيضاً في تجربة الألم الاجتماعي.
وأشارت إحدى الدراسات الحديثة بحسب موقع Psychological Science إلى أن مناطق منفصلة من الدماغ مرتبطة بالتجربة الحسية للألم تم تنشيطها أيضاً، عندما طُلب من المشاركين تذكر انكسار علاقة مؤلم.
وأشارت دراسات أخرى إلى أن هذه التداخلات في نشاط الدماغ يمكن أن تؤثر على كيفية تعرض الناس للألم الاجتماعي أو الجسدي.
على سبيل المثال، في دراسة علمية طُلب من المشاركات في الدراسة تقييم الألم الناجم عن تعرضهن للحرارة، أبلغت النساء عن ألم أقل عندما كنّ ينظرن إلى صور شركاء حياتهن الحاليين أو كن يمسكن بأيدي شركائهن.
كيف يمكن التعامل مع هذا الألم بصورة صحية؟
ولأن هذا النوع من الألم قادر على أن يكون أكبر حتى من الألم الجسدي الذي قد تعمل على تسكينه العقاقير المسكّنة، يجب العمل بوعي على التعامل معه والسيطرة على تطوره لكي لا يتجاوز الحد المقبول.
وبحسب موقع Healthline، هناك بعض الخطوات التي من شأنها المساعدة في ذلك، وهي كالتالي:
1- اعلم أن ألمك حقيقي
يقول الموقع إن الشعور بالألم الاجتماعي جزء لا يتجزأ من كون الإنسان بشراً، ورغم كون ذلك خبراً غير سار، فإنه لا يعني أن هناك شيئاً خاطئاً في ذلك. ومع ذلك فإنها تشير إلى أن اتصالاتك ليست كما تريدها في هذا الوقت.
ويجب الوضع في الاعتبار أن جزءاً من المشكلة يكمن في مجتمعنا الحديث المجزأ والفرداني. ولملايين السنين عاش أسلافنا في عشائر متماسكة من 30 إلى 50 فرداً، لذلك كانت مشاعر العزلة الاجتماعية نادرة (ما لم يتصرف المرء بشكل سيئ لدرجة أنه يتم نبذه أو طرده من المجموعة). في المقابل نحن نعيش اليوم حياة منفصلة ومفككة اجتماعياً إلى حد كبير، لذلك من المرجح أن تكون مشاعر الألم الاجتماعي أكبر في العموم.
وبحسب الكاتبة في علم النفس ديبورا سيراني، يجب أن تسمح لنفسك بالشعور بالألم العاطفي، لكن ينبغي التأكد من عدم تعيين حد زمني لهذا الألم.
2- السيطرة على أفكارك
وبالإضافة إلى فقدان الروابط الاجتماعية، فإن التفكير في فقدان العلاقات يزيد من الضيق ومشاعر الألم، ويمكن أن يساعدك تقليل عدد المرات التي تفكر فيها في وضعك الاجتماعي في السيطرة على الشعور.
ولأنه من الصعب القيام بذلك فإن الانخراط في أنشطة مثيرة للاهتمام مثل الهوايات والموسيقى والتلفزيون أو الأفلام الشيقة والتمارين الرياضية وما إلى ذلك، سيساعدك حتى عندما لا تشعر في البداية بالرغبة في ممارستها.
ويُعد الإلهاء أحياناً استراتيجية تأقلم فعالة تماماً، أو تعلُّم التأمُّل، ما يساعد الناس على أن يصبحوا أقل انشغالاً بأفكارهم، وبالتالي أقل انزعاجاً منها.
3- تغذية الحواس
يقول علماء النفس إن الألم الاجتماعي، وكذلك الألم الجسدي، يستجيب جيداً للتجارب الحسية، لذا احرص على تحريك جسمك، والنظر إلى الأشياء الجميلة والملونة، والاستماع إلى الموسيقى، والحصول على عناق من أحد أفراد أسرتك وأحبتك وحتى حيواناتك الأليفة، وكذلك احصل على حمامات دافئة وتذوق الأطعمة الجديدة واستشعر رائحة الهواء النقي وغيرها من الأمور الملهمة للحواس.
4- ابحث عن طرق للتواصل مع الآخرين
إذا كان ذلك ممكناً فامنح الأولوية القصوى للتواصل مع الأشخاص الذين تقدرهم أكثر، أو قم ببناء علاقات جديدة وانخرط اجتماعياً في "الوجبات الخفيفة الاجتماعية".
ومثلما يتناول الناس وجبة خفيفة عندما يكونون جائعين، ولكنهم لا يستطيعون تناول وجبة كاملة، يقول ليري إن الأبحاث تظهر أنه يمكن للناس أن يعتمدوا على ذلك كتذكير بعلاقاتهم، عندما لا يتمكنون من التفاعل مع الناس الذين يحبونهم.
5- الحصول على مساعدة من محترف
في حين أن معظم الآلام الاجتماعية تأتي وتختفي عند جميع الناس، يقول Healthline إنه إذا لم تستطع أن تجد الراحة من الألم الاجتماعي بشتى الطرق، وتكافح باستمرار من الآلام العاطفية والجسدية في العمل أو المنزل أو المدرسة، فتواصل مع أخصائيين في الصحة العقلية.
ويمكن للمستشارين والمعالجين النفسيين تقديم استراتيجيات للتعامل مع مشاعر الانفصال، ويمكن ببساطة أن يكون الاتصال بأخصائي الصحة العقلية، في حد ذاته، يجعل الناس يشعرون بأنهم أقل عزلة ووحدة وألماً.