يقول كثيرون إن "ضغوطات الحياة تشيّب الشعر"، ومع أن المصطلح يقصد المبالغة للتعبير عن الإعياء من بعض متغيرات الأمور، لكن الدراسات العلمية الحديثة أكدت أن التوتر والقلق قادران فعلاً على تحويل لون الشعر وإفقاده عناصره، بحيث يصبح رمادياً من فرط التعرض للضغوط.
وفي دراسات حول تأثير التوتر على بصيلات الشعر وعناصر اللون التي تعطيه مظهره الطبيعي، اتضح أن التوتر فعلاً يحفّز نمو الشعر الأبيض، ووجدت أيضاً أنه بالاسترخاء وتعزيز الهدوء والاسترخاء في الحياة بالإمكان عكس تلك المعادلة.
لماذا ينمو الشعر الأبيض من الأساس؟
الشعر الرمادي أو الشعر الأبيض، والذي لطالما تمت الإشارة إليه مزحاً أنه نتيجة الخبرات والتجارب والضغوطات النفسية المزمنة، هو أوضح أعراض إصابة الشخص بالشيخوخة التي ارتبطت بالضغط العصبي والنفسي لفترة طويلة، ولكن لطالما كان من الصعب إثبات تلك النظرية بشكل علمي مدروس.
وفي دراسة نشرها موقع WebMD الطبي، قال باحثون إنهم يستطيعون اليوم قياس ما يحدث بالضبط عندما يصبح الشعر رمادياً أو في مرحلة تحول الشعر الملون إلى الشعر الأبيض.
كما قدموا أدلة أيضاً على أنه يمكن عكس ذلك التأثير في بعض الأحيان.
ويتحول لون الشعر إلى اللون الرمادي مع انخفاض عنصر يُدعى الميلانين، وهو صبغة موجودة في الجلد والعينين والشعر.
وقبل جزء الشعر الذي ينمو من فروة الرأس ينمو جزء كبير من الشعر أيضاً تحت الجلد في بصيلات تتلقى إشارات كيميائية وكهربائية من الجسم، بما في ذلك هرمونات التوتر والقلق.
وبمجرد ضخ تلك المواد الكيميائية في الجسم تتصلب الشعيرات في مراكزها وبصيلاتها الداخلية، ويتم الحفاظ على تركيبتها الجزيئية وانعكاسها في صبغتها. وباستخدام الماسحات الضوئية عالية الدقة، تمكن العلماء الآن من اكتشاف تغيرات صغيرة تحدث في اللون في خيوط مفردة من شعر الإنسان.
التوتر يغيّر تركيب صبغات الشعر
وقام البحث الذي أجرته جامعة كولومبيا الأمريكية، والمنشور بموقع WebMD، بقياس فقدان اللون في خيوط مفردة من شعر الإنسان من 14 متطوعاً احتفظوا بمذكرات لتوثيق مستويات الإجهاد الأسبوعية لديهم.
وكانت النتائج مذهلة، كلما كان المتطوعون يعانون من مزيد من التوتر والقلق، فقد شعرهم صبغة لونه الأساسية وعانوا من نسبة أكبر من الشعر الأبيض.
ليس هذا فحسب، بل تحول الأمر مع تخفيف التوتر أيضاً، إذ استعاد شعرهم لونه، وتضاءلت كمية الشعر الأبيض في رؤوسهم بتعزيز مشاعر الهدوء والاسترخاء في حياتهم اليومية.
يمكن تقليل نمو وانتشار الشعر الأبيض بتعزيز الهدوء والاسترخاء
واستخدم الباحثون طريقة لالتقاط صور لشظايا الشعر بالغة الصغر، وهي تتعرض للتغيرات والنمو لمدة ساعة متواصلة، وتم تطوير هذه التقنية، التي سمحت للباحثين بتقييم مرحلة فقدان الصبغة أو لون الشعر، وعندما تغير لون الشعر لدى الأشخاص المصابين بالإجهاد والتوتر الشديد بصورة دورية، لاحظ الفريق اختلافات في 300 بروتين.
وتضيف هذه النتائج إلى مجموعة متزايدة من الأدلة التي تظهر أن الشيخوخة ليست عملية بيولوجية ثابتة، بل يمكن إيقافها أو حتى عكس بعض أعراضها ولو بشكل مؤقت.
ومن خلال فهم أفضل للأسس البيولوجية لفقدان الصبغة، من الممكن أن يتم عكس تأثير الشعر الأبيض يوماً ما بزيارة العيادات الطبية بدلاً من صالونات التصفيف.
هناك أسباب أخرى أيضاً لانتشار الشعر الأبيض
في حالات أخرى، قد يجد الشاب المراهق قبل بلوغ العشرينات، انتشار الشعر الأبيض بشكل مفاجئ في رأسه. وأحياناً قد يجد البعض خصلة كاملة ومُركزة من البياض وسط الشارع الداكن بصورة طبيعية.
وفيما يلي الأسباب الشائعة للشعر الأبيض المبكر:
1- الأسباب الوراثية
إذا لاحظت انتشار الشعر الأبيض لديك من سن مبكرة، فمن المحتمل أن يكون شعر والديك أو أجدادك أيضاً كان مصاباً بالشيب في سن مبكرة.
ولا يمكنك تغيير علم الوراثة أو عكس هذا الأثر الجيني ومنعه من الوقوع، ولكن إذا لم تعجبك مظهر شعرك الرمادي، هناك دائماً خيارات تلوين الشعر والصبغات وطرق التلوين المختلفة.
2- الإجهاد العام والإعياء
يعاني الجميع من التوتر من وقت لآخر. وكما سبق وأسلفنا فهو من أشد المؤثرات المباشرة على شيخوخة الشعر، ويمكن أن تشمل عواقب الإجهاد المزمن ما يلي أيضاً:
- مشاكل النوم
- القلق المزمن
- تغير في الشهية
- تغيرات في جودة النوم
- ضغط الدم المرتفع
- الاكتئاب المزمن
- أمراض القلب والشرايين
3- أمراض المناعة الذاتية
يمكن أن يتسبب مرض المناعة الذاتية أيضاً في ظهور الشعر الأبيض بصورة مبكرة، ويحدث هذا عندما يهاجم الجهاز المناعي خلايا الجسم نفسها.
وفي حالة أمراض مثل الثعلبة أو البهاق يمكن للجهاز المناعي أن يهاجم الشعر ويسبب فقدان التصبغات ومواد الميلانين.
4- اضطراب الغدة الدرقية
قد تكون التغيرات الهرمونية الناتجة عن مشكلة الغدة الدرقية، مثل فرط نشاط الغدة الدرقية، مسؤولية أيضاً في انتشار الشعر الأبيض بشكل مبكر.
والغدة الدرقية هي غدة على شكل فراشة تقع في قاعدة العنق، وهي تساعد في التحكم في العديد من وظائف الجسم مثل التمثيل الغذائي.
ويمكن أن تؤثر صحة الغدة الدرقية أيضاً على لون الشعر، إذ يمكن أن يؤدي فرط نشاطها أو خمولها إلى إنتاج الجسم لكمية أقل من الميلانين.
5- نقص فيتامين ب12
يمكن أن يشير الشعر الأبيض في سن مبكرة أيضاً إلى نقص فيتامين ب12. ويلعب هذا الفيتامين دوراً مهماً في صحة وسلامة الجسم. إذ يؤدي إلى الشعور بالطاقة، بالإضافة إلى أنه يساهم في نمو الشعر الصحي ويحافظ على لون الشعر.
ويرتبط نقص فيتامين ب12 بحالة تسمى فقر الدم الخبيث، وهي عندما لا يستطيع الجسم امتصاص ما يكفي من الفيتامينات. إذ يحتاج الجسم إلى فيتامين ب12 لتصنيع خلايا الدم الحمراء السليمة، والتي يمكنها حمل الأوكسجين إلى خلايا الجسم، بما في ذلك خلايا الشعر.
ويمكن أن يضعف النقص في هذا الفيتامين خلايا الشعر، ويؤثر على إنتاج الميلانين، وبالتالي المعاناة من الشعر الأبيض.
6- التدخين
هناك أيضاً ارتباط بين ظهور الشعر الأبيض المبكر والتدخين، ووجدت دراسة واحدة نشرها موقع Healthline الصحي، وجود علاقة بين "ظهور الشعر الرمادي قبل سن الثلاثين وتدخين السجائر".
ومن المعروف أن تدخين السجائر يزيد من مخاطر الإصابة بسرطان الرئة وأمراض القلب. ومع ذلك يمكن أن تتجاوز التأثيرات طويلة المدى القلب والرئتين وتؤثر على الشعر.
ويؤدي التدخين إلى تضييق الأوعية الدموية، ما قد يقلل من تدفق الدم إلى بصيلات الشعر ويسبب تساقط الشعر.
وبالإضافة إلى ذلك يمكن للسموم الموجودة في السجائر أن تلحق الضرر بأجزاء من الجسم بما في ذلك بصيلات الشعر، ما يتسبب في ظهور الشعر الأبيض المبكر.