إذا كنت مثل الغالبية العُظمى من الناس، فإن آخر شيء تنظر إليه قبل النوم، وأول شيء تنظر فيه عند الاستيقاظ صباح اليوم التالي هو هاتفك المحمول.
وبطبيعة الحال، تقوم طبعاً بالنوم قرب الهاتف بسبب هذه الوتيرة من الاستخدام، خاصة إذا كان هاتفك أيضاً هو منبهك الصباحي للاستيقاظ.
كل ذلك جعل من المهم أكثر فأكثر معرفة تأثير النوم قرب الهاتف على صحة الجسم، وما هي الآثار الصحية المحتملة لإبقاء الهاتف بالقرب منك في السرير خلال الليل.
تحوّل الهاتف من وسيلة تواصل إلى وسيلة متعددة الاستخدام
ظهرت الهواتف منذ أن اخترع ألكسندر جراهام بيل أول هاتف في عام 1876. لم يحدث تغيير جذري إلا خلال العقود الأخيرة، وذلك وفقاً لوظيفتها أو دورها في حياتنا؛ إذ لم تعد الهواتف مجرد وسيلة للتحدث مع شخص ما عن بُعد، بل صار لها مجموعة متنوعة من الأدوار.
وتُستخدم الهواتف اليوم في إجراء مكالمات هاتفية، وإرسال رسائل نصية، وتحديد الخرائط لمعرفة الطرقات، وتصفح الإنترنت، والرد على رسائل البريد الإلكتروني، والتفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل Facebook وTwitter، وحتى للقراءة والدراسة ومتابعة الأخبار والبقاء على اطلاع.
ويمكنك أيضاً ممارسة الألعاب واستخدام التطبيقات لأداء مجموعة مذهلة من المهام. لذا لا ينبغي أن يكون مفاجئاً أن هذه الوظائف قد تمتلك القدرة أيضاً على التدخل في وتيرة النوم وحتى في تغيير صحتنا الفسيولوجية.
مخاطر النوم قرب الهاتف: توجيه إشعاعات خطيرة للجسم
توضِّح صحيفة الإندبندنت أن دعوات التحذير من مخاطر النوم قرب الهاتف باتت أعلى أكثر من أي وقتٍ مضى. وذلك بسبب مخاطر التعرض للإشعاع والتبعات الصحية المرتبطة بذلك.
وجاء التحذير من وزارة الصحة الأمريكية بعد أدلة متزايدة على أن الاستخدام والنوم قرب الهاتف يمكن أن يكون مرتبطاً بسلسلة من المشكلات الصحية بما في ذلك السرطان وسوء الصحة العقلية والمشاكل المتعلقة بالإنجاب.
رغم ضعف الأثر المباشر، لكن الإشعاع المتراكم قد يكون كافياً للإصابة
وفي حين أن البحث لم يتمكن من إثبات أن استخدام الهاتف المحمول أمر خطير بشكل قاطع أو مباشر في حدوث تلك المضاعفات الخطيرة، إلا أن دراسات عديدة تمكنت من الربط فعلاً بين النوم قرب الهاتف، وبين حالات صحية مُقلقة.
وعادة ما تحدث المضاعفات بسبب طاقة الترددات الراديوية (RF) التي تستخدمها الهواتف المحمولة لنقل المعلومات والاتصال بالشبكة.
وفي حين أن الترددات اللاسلكية من الهواتف المحمولة لا تزال بسيطة في قوّتها، فقد أشارت الأبحاث وفقاً لـالإندبندنت، إلى أن تعرضنا المتكرر والقريب للهواتف المحمولة بشكل يومي وعلى مدار أشهر وسنوات متتالية، يعني أنه قد يكون كافياً لتعريضنا للخطر والمضاعفات.
بدورها، أكدت شركات تصنيع الهواتف مثل Apple على تضمين إشعار "التعرض للترددات اللاسلكية" في إعدادات هواتف iPhone، لكي يتمكن المستخدمون من إبطال الخدمة على الهواتف لمنع التعرُّض للإشعاعات.
مخاطر أكبر على الأدمغة، خاصة عند الأطفال
من ناحية أخرى، توضح وزارة الصحة الأمريكية أن الترددات اللاسلكية قد تكون قادرة على اختراق مادة دماغ الأطفال بسهولة أكثر من البالغين، مضيفة أن التعرض قد يكون أكثر ضرراً وله تأثيرات دائمة على نمو أدمغتهم.
وفي بحث أجري عام 2019، أنهى البرنامج الوطني الأمريكي لعلم السموم دراسة امتدت لـ10 سنوات حول الآثار الصحية للتعرض المستمر لإشعاع الهاتف المحمول.
وأثبت جون بوشر، كبير علماء الصحة البيئية والمُشرف على الدراسة، التوصل لـ"دليل واضح" على وجود أورام في قلوب ذكور فئران الاختبار المعرّضة لإشعاعات الهواتف، بالإضافة إلى "بعض الأدلة" على وجود أورام في أدمغة ذكور الجرذان والغدد الكظرية.
النوم قرب الهاتف مرتبط بالأورام الدماغية والسرطانات
وجد بحث صيني أجري عام 2017 أن المستخدمين الشرهين للهاتف المحمول معرضون بشكل كبير لخطر الإصابة بالورم الدبقي – وهو نوع من الأورام الخبيثة في الدماغ والحبل الشوكي، بحسب موقع El Mental.
ووجدت دراسة بريطانية أجريت عام 2018 أن معدلات الإصابة بالورم الأرومي الدبقي -ورم دماغي سرطاني آخر- تضاعف في إنجلترا بين عامي 1995 و2015. وأظهرت أورام الفص الجبهي والصدغي -المواقع التي تتوافق مع المكان الذي نضع فيه هواتفنا أثناء إجراء المكالمات- بعض الزيادات الحادة عن الأماكن الأخرى.
التعرض للإشعاع أثناء النوم قرب الهاتف يسبب أورام العنق والغدة الدرقية
أورام الدماغ ليست مصدر القلق الوحيد لمستخدمي الهواتف المحمولة.
ويوضح موقع El Mental أنك إذا نظرت إلى الهواتف الذكية الحديثة، ستجد الهوائيات في الزوايا العلوية والسفلية. لكن الجزء الأكبر من الإشارة الخلوية يتم توجيهه إلى الأسفل عبر الهوائيات السفلية في الهواتف الحديثة، مما يجعل التعرض الأكبر في منطقة الرقبة، ما يزيد من مخاطر الإصابة بأورام العنق والغدة الدرقية.
وتشير بعض البيانات إلى أن معدلات الإصابة بتلك النوعية من الأورام آخذة في الارتفاع في السنوات الأخيرة. وقد تضاعفت معدلات الإصابة بسرطان الغدة الدرقية ثلاث مرات في العقود الثلاثة الماضية، وهي تتزايد بسرعة أكبر من أي نوع آخر من السرطان، وفقاً لجمعية السرطان الأمريكية (ACS).
ومع ذلك، حذّر الجمعية أن زيادة استخدام الموجات فوق الصوتية مثل X-Rays للكشف عن الأورام، يمكن أن يفسر بدوره ولو جزءاً من الارتفاع في معدلات هذه السرطانات.
ومع ذلك، حذرت منظمة الصحة العالمية عام 2011 من أن الاستخدام المفرط للهواتف المحمولة، والنوم قرب الهاتف أيضاً، قد يكون مادة مسببة لسرطانات الجسم، خاصة عند الأطفال لامتلاكهم فروة رأس وجماجم أرق من البالغين.
خطوات لعلاج المشكلة
من الواضح أن الهواتف قد تعطل القدرة على النوم أيضاً، نظراً لدور الضوء الأرق على جودة النوم ليلاً والمعاناة من الأرق؛ لذا إذا كنت تعاني من الأرق، أو ببساطة لا تحصل على قسط كافٍ من النوم، وتعتاد فكرة النوم قرب الهاتف، قد تنفعك هذه النصائح التي وضحها موقع Very Well Mind.
1- إخراج الهاتف من غرفة النوم
ضع الهاتف في المطبخ أو في الصالة، واسمح لنفسك بالنوم بدون هاتفك في نفس الغرفة. وإذا كانت هناك حالة طارئة، فسوف تعرفها في الصباح.
ومن خلال إخراج الهاتف من غرفة النوم، ووضعه في غرفة أخرى مثل المطبخ، سيتم تقليل تأثيره على نومك وسلامتك الجسدية.
2- احصل على منبه
احصل على منبه بدلاً من استخدام منبه هاتفك. وعلى الرغم من أن الهواتف يمكنها فعل الكثير، فإن مقايضة المخاطر المصاحبة لاستخدام الهاتف قرب رأسك في الفراش لا يضاهيها شيء آخر.
اشترِ منبهاً رخيصاً إذا كنت بحاجة إلى واحد للاستيقاظ في الصباح في الوقت المحدد. وضعه عبر الغرفة واضبطه على الوقت الذي تحتاجه للاستيقاظ.
وقدر الإمكان، لا تنظر إلى الساعة أو تتحقق من الوقت في الليل. وإذا كان يجب عليك استخدام هاتفك كمنبه (أثناء السفر مثلاً)، فاضبطه على وضع الطائرة Airplane Mode أو الوضع الليلي، وذلك لتقليل الاضطرابات وجعله بعيداً عن متناول اليد وغير متصل بالشبكة ما سيقلل من الترددات النابعة منه.
3- لا تستخدم تطبيقات متابعة النوم
يستخدم بعض الأشخاص هواتفهم كطريقة لتتبع أنماط النوم والاستيقاظ من خلال تطبيقات مختلفة أو حتى تقنية يمكن ارتداؤها. لكن دقة ربط الحركة باليقظة والسكون بالنوم موضع شك كبير.
وعلاوة على ذلك، لا يوجد سبب لتوثيق كل حركة (أو يقظة مرتبطة بها) بعناية وجودة النوم خلال الليل. قد يكون من المربك الإفراط في تحليل النوم.
4- اصنع منطقة عازلة
الحفاظ على منطقة عازلة وتقليل الضوء في الليل. حاول حماية آخر ساعة (أو ساعتين) قبل موعد نومك كوقت للاسترخاء والاستعداد للنوم. استمتع بقضاء بعض الوقت في القراءة أو مشاهدة التلفاز أو الفيلم أو الاستماع إلى الموسيقى.
كذلك قلّل تعرض عينيك للضوء المباشر قدر الإمكان، وقم بتبديل أي شاشات حولك إلى الوضع الليلي (تقليل الضوء الأزرق). وإذا كنت حساساً بشكل خاص للضوء في الليل، ففكر في التخلص منه قدر الإمكان.
5- تحسين بيئة النوم
ضع في اعتبارك طرقاً أخرى لتحسين غرفة نومك وجعلها ملاذاً نهائياً للنوم. اذهب إلى الفراش عندما تشعر بالنعاس فقط. وإذا كنت مستيقظاً لمدة تزيد عن 20 دقيقة في الليل، فانهض وافعل شيئاً يبعث على الاسترخاء وعد إلى السرير عند الشعور بالنعاس.
وإذا كنت قلقاً في ساعات الصباح المبكرة، فكِّر أن تستيقظ وتبدأ يومك مبكراً عن المعتاد. واحتفظ بالسرير كمساحة للنوم فقط.
ومن خلال إجراء هذه التغييرات، ستعمل على تحسين ارتباط السرير كمكان للنوم.
لذا، إذا كنت قلقاً على الإطلاق من خطر الإصابة بالسرطان، فحاول إرسال رسالة نصية بدلاً من الاتصال، واستخدم السماعات أو مكبّر الصوت بدلاً من حمل الهاتف قرب الرأس والعنق. وبالتأكيد لا تنم والهاتف بجوار رأسك.