يُطلق على "منطقة الراحة" أو Comfort Zone الخاصة بنا هذا الاسم لسبب وجيه، وهو أنها مريحة وآمنة وسهلة.
وبالرغم من ذلك، يمكن أن تكون منطقة الراحة الخاصة بك أيضاً مكاناً للركود والتقاعُس- فهي المنطقة التي قد تمنعك من اغتنام فرص النمو والتطور والتجربة، لمجرد أنها تنطوي على شيء غير مألوف وجديد يتطلب الشجاعة والجرأة والمُجازفة.
ما هي "منطقة الراحة" وما فائدة الخروج منها؟
أصبح مصطلح "الخروج من منطقة الراحة" جزءاً لا يتجزأ من سلوكيات الطامحين إلى تحقيق المزيد من النجاحات وخوض التجارب بروح قادرة على التعلُّم والنُضج، من خلال ارتكاب الأخطاء دون انهزام.
وبحسب موقع Positive Psychology صاغت المفكرة الأمريكية جوديث باردويك في عملها عام 1991، مصطلح "منطقة الراحة"، ووضحت حينها مخاطره بقولها: "منطقة الراحة هي حالة سلوكية يعمل فيها الشخص في حالة من القلق المحايد، وذلك باستخدام مجموعة محدودة من السلوكيات لتقديم مستوى ثابت من الأداء المُتوقع، وهو ما يجري عادة دون الشعور بالمخاطرة أو الارتباك".
وفي منطقة الراحة لا يوجد الكثير من الحوافز للوصول إلى آفاق جديدة من الأداء والإنجازات. وهنا يذهب الناس إلى إجراءات روتينية خالية من المخاطر، مما يتسبب في استقرار تقدمهم. أو بمعنى أصحّ، الثبات في المكان.
وعند الخروج من منطقة الراحة، لا يعني ذلك التواجد الدائم في منطقة الذعر مثلاً، ولكن يمكن أن يكون الخوف خطوة ضرورية من أجل التعلم والنمو.
الخروج من منطقة الراحة يتطلب الشجاعة والجرأة
يتطلب الأمر شجاعة وقوة ليست بالبسيطة للانتقال من منطقة الراحة إلى منطقة الخوف والتجربة. وبدون خارطة طريق واضحة، لا توجد طريقة للبناء على التجارب السابقة.
وهذا يمكن أن يثير القلق والمخاوف. ومع ذلك تعمل المثابرة لفترة كافية، ومحاولة التعلُّم والتكيُّف، على تسهيل عملية اكتشاف مهارات جديدة والتعامل بذكاء مع التحديات.
وبعد فترة التعلم تلك، يتم إنشاء منطقة راحة جديدة، مما يوسع من قدرة الفرد على الوصول إلى مستويات أعلى في كافة التجارب الحياتية. وهذا ما يعنيه أن تكون في منطقة النمو والتعلُّم.
ومن المهم الإشارة إلى أنه مثل معظم أنماط تغيير السلوك، يصبح الانتقال إلى منطقة النمو والتعلُّم أكثر صعوبة إذا لم تتوافر لدى الشخص درجة جيدة من الوعي الذاتي.
بمعنى، عليك سؤال نفسك: "ما هي منطقتي الآمنة وما حجمها؟ وما الخطوات التي بإمكاني التدرُّج فيها للخروج منها؟ وما هي نقاط قوّتي لتعزيز محاولة الخروج من منطقة الراحة والشعور بالاستقرار والأمان المعهود؟".
لماذا يجب عليك الخروج من منطقة الراحة؟
لا تكون العملية سلسة ومستقيمة طوال الوقت، فالخروج من منطقة الراحة لن يكون دائماً في نفس الاتجاه، بل عليك معرفة أنها عملية تدريجية وبها مطبات ونقاط عودة معينة لشحن الطاقة ثم معاودة الكرَّة والمحاولة مرة أخرى بصبر واحتمال.
1- لكي تتمكن من النمو والنُّضج
يلفت موقع Addicted 2 Success إلى أنه إذا كنت تصر على البقاء في منطقة الراحة الخاصة بك، فمن المحتمل ألا تنمو لتصبح أكثر مما أنت عليه أمس واليوم وغداً. وهذا يعني أنك ستظل عالقاً على الدوام، ولن تخوض الخبرات الجديدة التي تفتح لك الفرص الأكبر.
وعادة ما ينتهي الأمر بمعظم الأشخاص العالقين في مناطق الراحة الخاصة بهم، ببقائهم غير قادرين على تحقيق أهدافهم لأنهم مهووسون إلى حد ما بفعل الأشياء بالطريقة نفسها التي كانوا يفعلونها دائماً حتى عندما لا تؤدي إلى نتائج مفاجئة ومُربكة لهم.
ونتيجة لذلك، لا يمكنهم أبداً استكشاف قدراتهم وإمكانياتهم وتطويرها.
2- لكي تكتشف شغفك وقدراتك الحقيقية
لفت الموقع نفسه إلى أن عدم الخروج من منطقة الراحة الخاصة بك يجعل من الصعب عليك اكتشاف شغفك؛ لأنه لا يمكن العثور على شغف أثناء البقاء في منطقة الأمان الرتيبة. ولن يمكن العثور على إمكانياتك وتحديد شغفك إلا من خلال الابتعاد وخوض التجارب الجديدة والمعاناة بصورة صحية من المتغيرات والمواقف المختلفة والتدُّرب على التعامل معها بوعي.
وقد تدفعك منطقة الراحة إلى الاستقرار والقبول بأقل الفرص، وبأقل مما تستحق فعلاً. وينطبق ذلك على العلاقات وفرص العمل والدراسة، وفي كل الأمور الحياتية الأخرى التي قد تفوِّت على نفسك فرصة التقدُّم فيها خوفاً من التجربة والمجازفة والخروج من المألوف.
كيف يمكن الخروج من منطقة الراحة بشكل صحي وتدريجي؟
1- تعلم المزيد عن مخاوفك وأخبر نفسك بالرسائل الإيجابية
تقول أخصائية الاستشارات النفسية آرون ليفي لمجلة Forbes: "اسأل نفسك متى كانت آخر مرة شعرت فيها بعدم الارتياح؟ كيف كان إحساسك بها؟ أين شعرت به في جسدك؟ هل كانت في صدرك؟ بطنك؟".
ومن خلال توضيح كيفية ظهور الانزعاج في جسمك، فإن ذلك يجعل من السهل ملاحظة عندما تكون خارج منطقة الراحة وكيفية تقبُّل التبعات.
كذلك، تُبقينا عادات التفكير المُحبِطة في مناطق راحتنا. لذا يساعدنا جداً استبدال تلك الأفكار السلبية عن أنفسنا وقدراتها بأفكار تمكينية وإيجابية، في اتخاذ منظور جديد والشعور بالثقة والحماس من أجل العمل والخروج من منطقة الراحة.
وتكرير عبارات مثل "أنا لست خائفاً"، أو "أنا قادر على فعل ذلك" مراراً وتكراراً في إعادة تشكيل تصورك لنفسك لكي تتشجع للقيام بما تخشاه، ويمكن أن يساعدك ذلك أيضاً على إعادة برمجة تفكيرك بشكل إيجابي يؤثر على مختلف أمورك الحياتية الأخرى ويحسّن نظرة الذات وتقدير النفس.
2- خذ الخطوة الأولى والباقي سيأتي تباعاً
عند اتخاذ قرار الخروج من منطقة الراحة، كل ما عليك فعله نظرياً هو اتخاذ الخطوة الأولى. سيكون الأمر صعباً وفقاً لـ Forbes، مثل ذلك اليوم الأول في المدرسة. ثم كخطوة تالية، ابدأ ببعض التغييرات الصغيرة التي لا تمثل أي تهديد حقيقي، مثل تناول الطعام في مطعم مختلف أو في جزء مختلف من المدينة، أو حضور معرض فني مختلف أو جرّب نشاطاً جديداً.
وبالتدريج ستتمكن لاحقاً من اكتساب جرأة أكبر في اتخاذ القرارات الأهم، مثل اختيار وظيفة معينة مثلاً، أو اتخاذ قرار بالسفر أو تغيير المسار المهني، أو الاستثمار في مشروع تجاري، أو حتى اتخاذ قرار كالزواج والإنجاب.
الفكرة فقط هي أن تضع نفسك في ساحات جديدة كل يوم قدر الممكن.
3- كن واضحاً بشأن ما تهدف إلى التغلب عليه
خذ قائمة المضايقات وتعمق في تحليلها أكثر. وتذكر أن الشعور الأساسي الذي تحاول التغلب عليه هو الخوف. ولكن الحكمة هنا هي إيجاد كيف ينطبق هذا الخوف بشكل فريد على جزء من تلك الأمور المقيدة لك. كن محدداً جداً.
وبحسب موقع Life Hack اسأل نفسك: "هل تخاف الاقتراب من الناس وتقديم نفسك في المواقف الاجتماعية؟ لماذا؟ هل هذا لأنك غير واثق؟ هل أنت غير مطمئن بشأن مظهرك؟ أم أنك خائف من أن يتم تجاهلك وسوء فهمك؟".
4- عليك اعتياد الشعور بعدم الراحة
تتمثل إحدى طرق الخروج من منطقة الراحة الخاصة بك في توسيعها. اجعل هدفك هو تجنب الهروب من الشعور بالانزعاج وعدم الأمان.
على سبيل المثال، في حالة مثل التوتر من الانخراط في البيئات الاجتماعية الغريبة أو الجديدة عليك. إذا بدأت تشعر بالذعر قليلاً عند التحدث إلى شخص قابلته للتو، فحاول البقاء معه لفترة أطول قليلاً مما كنت تفعل عادةً قبل الهروب مجدداً إلى منطقة الراحة.
إذا بقيت لفترة طويلة بما يكفي وتدربت كثيراً على الأمر، سيبدأ الشعور بعدم الارتياح في الزوال، وتمتد مساحتك الآمنة لتشمل المزيد من الأمور الجديدة، بحسب Life Hack.
5- انظر للفشل نظرة مختلفة
خاصة بين فئة المثاليين والطامحين للكمالية المُزيّفة، يخشى الكثير من الناس من الفشل بصورة بالغة لدرجة أنهم قد يفضلون عدم فعل شيء على الإطلاق من أجل تجنُّب مواجهة هذا الشعور. لكن في حقيقة الأمر، هذا الخوف من الفشل هو الذي يدفعنا فعلياً إلى عُمق ثغرة الفشل الحقيقية.
وبحسب Life Hack، إذا قام الشخص بتغيير منظوره لفكرة الإخفاق والتعثُّر، سيبدأ فوراً في الاستفادة من الدروس القيمة التي اكتسبها خلال الرحلة وسيزيد من فرص نجاحة في المغامرات التالية.
وهذا هو الفارق بين رواد الأعمال والشخصيات الناجحة والبارزة في المجتمع، وبين الشخص الذي يقرر يومياً ألا يقرر أي شيء جديد يتجاوز روتينه اليومي الآمن مضمون النتائج.
ولتسهيل العملية على نفسك، اختر رفاقاً وأصدقاء يعتنقون هذه الرؤية لتحفيز نفسك على العمل والمواجهة والخروج من منطقة الراحة.
الأمر ليس مخيفاً كما تظُن!
وختاماً، سيبدو الأمر مخيفًا في البداية قبل أن تخرج من منطقة راحتك. ولكن كما سبق أن أسلفنا، نحن لسنا بحاجة إلى القفز مباشرة من منطقة الراحة إلى منطقة الدروس والتعلُّم واكتساب الخبرات.
الأمر مُمكن تدريجياً، وهو ليس مخيفاً كما نظُن على الأغلب، فالإنسان قادر على التكيُّف على كافة الظروف مادام عاقداً عزمه على الاستفادة من التجربة.
وفي النهاية اسأل نفسك: "ما هو أسوأ ما قد يحدث فعلاً إذا تشجَّعت قليلاً واتخذت بعض القرارات الجديدة اليوم؟".