كثيراً ما يدفعنا الخوف من اتخاذ قرار خاطئ إلى تجنُّب كافة الاختيارات المُهمّة في الحياة، والاحتماء بشكل سلبي في حيّز الراحة أو الـComfort Zone.
ويُعد السبب الرئيسي والأكثر شيوعاً للتردد والخوف من اتخاذ القرارات هو الخوف من الفشل أو حتى الخوف من عواقب النجاح. وغالباً ما تقلق بشكل كبير مما قد يعتقده الآخرون عنك عند اتخاذ قرار مُعيّن، أو قد يكون ميلك للكمالية بشكل غير واقعي هو الدافع وراء إصابتك بالتردد والرهبة من اتخاذ القرارات الفاصلة.
هناك جانب إيجابي للتردد، لكن بحدود!
التردد ليس دائما سيئاً وفقاً لموقع Healthline للصحة النفسية والطب، إذ يمنحنا التردد والخوف من اتخاذ القرارات الفرصة لبذل الوقت والجهد قبل التوصل إلى موقف معين، كما يدفعنا إلى جمع المزيد من المعلومات وموازنة الحقائق وتجنُّب التسرُّع والتهوُّر.
وإذا لم تتمكن من اتخاذ قرار سريع حيال أمر معين، فقد يكون ذلك علامة على أن الاختيار يهمك حقاً، وتُريد التأني والتفكير جيداً قبل اتخاذ قرار نهائي. ومع ذلك، من المهم ألا يدفعنا التردد والخوف من اتخاذ القرارات إلى أن نعلق إلى الأبد ونهرب من القرارات الحياتية المختلفة.
ويُصبح التردد أمراً سيئاً عندما يستمر لفترة أطول من اللازم. ولكن، ما هي المدة المناسبة للتردد والخوف من اتخاذ القرارات؟
هذا يعتمد على الظروف والمواقف التي تستلزم اتخاذ القرار. ويتحدد بإجابة التساؤلات التالية: هل ستفوتنا فرصة مهمة إذا انتظرنا؟ هل يمكن أن نفقد شيئاً نريد تحقيقه من فرط ترددنا؟ هل يصبح اتخاذ القرار أكثر صعوبة كلما ركزت عليه أكثر؟
وفي كثير من الأحيان، يمكن ربط التردد والخوف من اتخاذ القرارات بالسلبيات أكثر من الإيجابيات، لأن الشعور نفسه مرتبط بأشياء مثل الخوف أو الافتقار إلى الثقة في النفس أو احترام الذات أو الإفراط في التفكير والتوتر والقلق. وهذا له تبعات سيئة على الصحة النفسية للشخص، وغالباً ما يؤدي إلى تفاقُم الحالة بتكراره وكثرة تزامنه.
وينبغي العمل على علاج مشكلة التردد والخوف من اتخاذ القرارات قبل أن تتفاقم وتؤثر بشكل سلبي على جودة حياة الشخص، أو تُعطّل قدرته على الحياة بصورة طبيعية.
أسباب التردد والخوف من اتخاذ القرارات
هناك العديد من الأسباب التي يمكن أن تفسر سبب التردد والخوف من اتخاذ القرارات، وبالطبع يمكن أن تختلف تلك الأسباب بناءً على الموقف. ومع ذلك، يوضح موقع Medium أن بعض الأسباب الأكثر شيوعاً للتردد هي ما يلي:
1- الخوف
المسؤول السلبي الأول للتردد هو الخوف الشديد. وعندما تريد اتخاذ قرار، خاصةً المهمة منها، فإن الخوف يُعطل الشخص المصاب عن اتخاذ أي خطوة للأمام.
ولا مانع من الخوف من الأشياء المُهمة والكبيرة، فالخوف حافز طبيعي طالما أن هناك بعض الحدود لمدى السماح له بالتدخل في قرارات الحياة.
الغرض من الخوف هو تعزيز بقائنا وحمايتنا من الأذى، ولكن يمكن للخوف أن يتحول إلى سبب لأن نخشى كل ما هو غير مألوف أو جديد بالنسبة لنا، لذا فإن الخوف الذي يؤدي إلى التردد السيئ يمكن أن يبعدنا عن النمو والازدهار والنضج، بحسب Medium.
2- تدني قيمة الذات وانعدام الثقة
إذا لم تمنح نفسك الفضل في الأشياء التي تقوم بها والأشياء التي قمت بها بالفعل وتُقدّر قيمة نفسك، فلن تتمكن من الازدهار في المستقبل أو النُّضج بأي شكل.
وستُعاني من التردد والخوف من اتخاذ القرارات سواء كنت جيداً أم لا، وستفوتك فرص لا حصر لها كان من الممكن أن تستفيد منها.
وأحياناً ما يغرق بعض الناس في الشفقة على الذات ويفتقرون إلى الثقة بالنفس طوال حياتهم بشكل يُعطّلهم عن الحياة بصورة طبيعية.
إذا تمكنّا من رؤية قيمتنا وقدراتنا وإمكانياتنا، سيقل ميلنا إلى التردد والخوف وعدم اليقين والشك في الذات.
3- منطقة الراحة
الأشياء في منطقة الراحة الخاصة بك مألوفة وآمنة، ودائماً ما نعرف النتائج بشكل يحمينا من أي مفاجآت أو نتائج غير متوقعة.
لكن الحقيقة هي أن العالم الحقيقي لا يعمل بهذه الطريقة، ولهذا السبب نتردد كثيراً عندما يتعلق الأمر بالخروج من فقاعتنا والقيام بأشياء تخيفنا أو تخاطر بتعريضنا لاختبار نتائج غير معروفة.
لكن منطقة الراحة الخاصة بك هي عدوك الأول والسبب الرئيسي في إصابتك بالتردد والخوف من اتخاذ القرارات، لذا حاول التخلص منها عن طريق تعلم كيفية المخاطرة المحسوبة.
4- التشتُّت من تعدد الخيارات
عندما تواجه العديد من الخيارات، لن يكون من السهل أن تقرر الخيار الذي يناسبك إذا كانت هناك عدة فرص متاحة في نفس الوقت. ومن ثم تبدأ في التردد بشأن قراراتك المحتملة، وما إذا كان هذا هو الخيار الأفضل.
5- المبالغة في التفكير
يعاني معظم الناس من الإفراط في التفكير خلال مرحلة ما من حياتهم، خاصة إذا ما عانى الشخص من القلق والتوتر أو الاكتئاب.
وبحسب Healthline، يُعد الإفراط في التفكير هو أحد أسوأ الأشياء التي تصيب الشخص المتردد الذي يعاني من الخوف من اتخاذ القرارات.
التفكير مرتين قبل أن تفعل شيئاً أمر طبيعي تماماً، ولكن التفكير باستمرار في نفس الشيء مرارًا وتكرارًا دون نتائج جديدة، يعزز من التردد والخوف.
وبالإفراط في التفكير، من غير المرجح أن تتخذ قراراً مهماً أو محورياً في حياتك لتغييرها للأفضل. بدلاً من ذلك، ستظل عالقًا في مخاوف وتردد دائم في كل مرة تحظى بأي فرصة جديدة.
كيف يمكن علاج مشكلة التردد والخوف من اتخاذ القرارات؟
وبطبيعة الحال، لن يكون من السهل تغيير هذه السمة بين عشية وضحاها. وسوف يستغرق الأمر بعض الوقت والجهد لتعتاد على اتخاذ القرارات الصحيحة بثقة، ويمكن تحقيق ذلك بالخطوات التالية بحسب موقع Medium:
1- تدَّرب على اتخاذ القرارات الصغيرة
لكي تصبح خبيرًا في أي شيء، عليك أن تتدرب على الموضوع تدريجياً.
ومن أجل علاج مشكلة التردد والخوف من اتخاذ القرارات ابدأ في اتخاذ قرارات صغيرة كل يوم، وقم باتخاذ ما لا يقل عن 10 قرارات مثلاً.
مثلاً، حدد ما ستتناوله على الغداء، والطريق الذي ستسلكه إلى العمل، والملابس التي سترتديها، والأشياء التي ستبتاعها لتحضير الغداء.
وعندما تتخذ القرارات حيال الأشياء الصغيرة على مدار اليوم، أن بذلك تتدرب على اتخاذ قرارات بشكل أسرع وأقوى.
2- اسأل نفسك: هل ستندم على تفويت الفرصة بعد 10 سنوات؟
في كثير من الأحيان، تبدو القرارات أكبر بكثير مما هي عليه في حقيقتها.
ربما تواجه صعوبة في شراء سيارة جديدة. لكن هل سيكون الأمر مهماً حقاً بعد 10 سنوات من الآن أي سيارة اخترت؟
كذلك في حال القرارات الأخرى، مثل الخوف من اتخاذ قرار السفر خوفاً من تبعات الغُربة والخروج من حيّز الأمان في بلدك الأم. هل ستفكّر في تلك الفرصة بعد 10 سنوات وتندم أنك فوتّها؟ إذ تساعد إجابات تلك الأسئلة في تحديد ما إذا ينبغي عليك اتخاذ قرار أو لا. ومع ذلك، كن واقعيا بشأن المخاطر التي تنطوي عليها كل خطوة.
3- تعلَّم الثقة في نفسك وتعزيز صورتك الذاتية
ضع قائمة بنقاط قوتك. هل أنت ذكي؟ مضحك؟ مبدع؟ عطوف؟ كريم؟ مُخلص؟ مُجتهد؟ ثم اسأل نفسك عما إذا كان بإمكانك دمج نقاط قوتك في عملية اتخاذ القرار.
على سبيل المثال، إذا كنت مُبدعاً، فكِّر في إنشاء صورة مجمعة لتمثيل كل خيار أمامك وتخيَّل تبعات كل أمر. ويمكن أن تساعدك نقاط قوتك أيضًا على تحقيق ما تريد القيام به، وتجاوز الخوف من اتخاذ القرارات والتردد المستمر حيال كل أمر مهم في حياتك.
وأخيراً، تقبَّل فكرة أنه لا شيء كامل، وكل قرار له تبعاته الإيجابية والسلبية. وتذكَّر دوماً أن خيار العلاج النفسي دائماً ما يساعد في علاج تلك السلوكيات، خاصة إذا لم تتمكن من تعديل المخاوف والصورة الذاتية عن نفسك بمجهودك الذاتي.