في عام 2019 كتب أحد المتعصبين الأمريكيين للتفوق الأبيض، في بيان على الإنترنت: "إذا تمكنّا من التخلص من عدد كافٍ من الأشخاص، فإن أسلوب حياتنا يمكن أن يكون أكثر استدامة"، ومن بعدها توجه إلى مركز تسوق في تكساس وقتل 22 شخصاً من أصل إسباني. برر عمله الدموي بأنه لمواجهة الاكتظاظ السكاني، بينما تم وصفه بالفاشي البيئي.
إلا أن دراسة جديدة كشفت أن هذه المخاوف ليست في محلها، وأن الأرض على موعد مع تراجع حاد في عدد السكان.
الاكتظاظ السكاني سيتراجع
وبالفعل، شهد القرن العشرون أكبر زيادة سكانية في تاريخ البشرية، إذ ارتفع الرقم عالمياً من 1.6 مليار في عام 1900 إلى 6 مليارات في عام 2000، لكن هذا الاتجاه التصاعدي على وشك أن ينقلب رأساً على عقب رغم تحذيرات العديد من العلماء من زيادة الكثافة السكانية وعجز كوكب الأرض عن تلبية متطلباتها.
إذ كشفت دراسة جديدة حللت البيانات الديموغرافية لاستكشاف التغيرات السكانية الحالية والمتوقعة في جميع أنحاء العالم، أن عدد سكان أوروبا وآسيا في تراجع مقابل ازدياد عدد سكان قارة إفريقيا.
وأشارت غالبية البيانات الديموغرافية إلى أنه على الرغم من المخاوف السابقة بشأن أزمات الزيادة السكانية، فإن المشكلة الأكبر في معظم أنحاء الكوكب ستكون قلة عدد الأطفال.
وتعكس البيانات بوضوحٍ هذه الظاهرة؛ في اليابان على سبيل المثال، يشتري الناس حفاضات لكبار السن أكثر من الأطفال.
أما في الصين، التي طبقت منذ فترة طويلةٍ سياسة الطفل الواحد، فقد رفعت مؤخراً عدد الأطفال المسموح به إلى ثلاثة، وتتوقع الدولة أن يصل عدد سكانها إلى الذروة ثم ينخفض في عام 2030، حسب أرقام الأمم المتحدة.
أما في الولايات المتحدة، فإن النمر السكاني في أدنى مستوياته التاريخية، وهو ما يذكّر المراقبين بحقبة الكساد الكبير في بدايات القرن الماضي.
الدراسة التي نُشرت في دورية npj Urban Sustainability تستكشف مستقبل نقص السكان وكيفية تأثيره على أهداف الاستدامة.
وباستخدام البيانات الديموغرافية من تقارير الأمم المتحدة، تجادل الدراسة بأن مشكلة نقص السكان ديناميكية وذات شقين: السكان يتقلصون ويتقدمون بالسن في الوقت نفسه.
وكتب الباحثون: "على الصعيد العالمي، يعد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، أسرع الشرائح السكانية نمواً، وفي عام 2019، ولأول مرة في تاريخ البشرية، فاق عدد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات".
وأضافت الدراسة: "في عام 2020، كان 9% من سكان العالم فوق 65 عاماً، أي 728 مليون شخص. ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد بأكثر من الضعف ليصل إلى 1.55 مليار في عام 2050 ويمثل 16% من سكان العالم، بمعدلات خصوبة متوسطة".
إلا أن هذه التغييرات لن تنتشر بالتساوي في جميع أنحاء العالم. بحلول عام 2050، من المقرر أن تشمل المناطق ذات أكبر زيادة لناحية السكان المسنين كلاً من أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية، بينما ستستمر معظم الدول بإفريقيا في التحلي بزيادة سكانية شابة.
التأثير الهائل للتحضر
يعد المقياس الرئيسي لفهم التحولات السكانية هو مستوى الخصوبة المستبدلة، وهو متوسط عدد الأطفال الذين تحتاجهم النساء للحفاظ على ثبات عدد السكان. هذا المعدل هو 2.1 تقريباً، أي طفلان ليحلّا محل الأم والأب، مع إضافة 0.1 لسبب عدم قدرة بعض الأطفال على العيش حتى سن الرشد.
في عشرات الدول، انخفض معدل الاستبدال إلى أقل من 1.5، خاصة في أوروبا وشرق آسيا؛ وأحد أسباب الانخفاض هو التحضر السريع.
في عام 1950، كان نحو ثلث البشر يعيشون بالمناطق الحضرية، ولكن من المتوقع أن تتضاعف هذه النسبة بحلول عام 2050 حيث يعيش نحو 7 مليارات شخص في المدن، والسبب بحثاً عن فرص العمل في المناطق التي تركز بشكل متزايد، على الصناعة والتكنولوجيا وفقاً لميول الاقتصاد العالمي.
يؤثر التحضر على السكان بطريقتين رئيسيتين:
إحداهما هو أن سكان المدن يميلون إلى إنجاب عدد أقل من الأطفال لأسباب، مثل ارتفاع تكلفة المعيشة، وسهولة الوصول إلى وسائل منع الحمل، واختيار النساء الحياة المهنية مقابل التخلي عن أو تأخير الإنجاب، كما أشارت الدراسة.
ثانيها أن التحضر يرجّح خفض معدلات الوفيات، بسبب زيادة الثروة والحصول على الرعاية الصحية. لذلك، ينجب البالغون عدداً أقل من الأطفال بينما يعيشون أيضاً فترة أطول.
وأشار الباحثون إلى أن "الزيادات في نسبة كبار السن ببلد ما، تضع مزيداً من الضغط الاقتصادي والاجتماعي على السكان في سن العمل، مما يؤدي إلى مزيد من الانخفاض بمعدلات المواليد و/ أو تأجيل الإنجاب، وهو ما يؤدي بدوره إلى انخفاض معدلات الخصوبة".
تحفيز الإنجاب من قِبل الدول المتأثرة
في مواجهة الشيخوخة وتقلُّص السكان، تقوم بعض الدول بالفعل بإقرار أو استكشاف سياسات لزيادة معدلات الخصوبة، من ضمنها "مكافآت الأطفال"، ورعاية الأطفال المدعومة من الدولة، وإجازة الأبوة والأمومة مدفوعة الأجر.
إذا نجحت هذه التدخلات، يمكن أن تؤدي إلى مرحلة ديموغرافية جديدة تسميها الدراسة "الساعة الرملية الضعيفة"، والتي تتميز بانخفاض معدل الوفيات مقابل ارتفاع الخصوبة.
يمكن أن يؤدي ذلك إلى وجود عدد كبير من السكان من الصغار وكبار السن في الوقت نفسه، ما يثقل البالغين في سن العمل بالأعباء.
وبينما لاحظ الباحثون أن التحولات الديموغرافية معقدة، ولا يزال كثير منها غير مؤكد حول كيفية تأثير عوامل مثل التحضر ليس فقط على مستويات السكان ولكن أيضاً على البيئة والظروف الاجتماعية والاقتصادية في جميع أنحاء العالم، دعوا إلى ضرورة وضع الخطط تحضيراً لهذه للظروف البيئية والاجتماعية والاقتصادية التي ستحتضن هذا التفاوت في الأعمار.