ما إن عبر اليمني بشير الحزمي باب منزله بعد يوم طويل من العمل الشاق في أحد المطاعم المحلية، حتى فوجئ بوجود مجسم لأحد المباني التي يعرفها في العاصمة اليمنية صنعاء، إذ لم يكن يتخيل أن هذا المجسم الجميل صنعه طفله مشير الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره.
يقول الوالد بشير لـ"عربي بوست" إنه شعر في تلك اللحظة بأن نجله يخفي موهبة ما، ما دفعه إلى تشجيعه وتقديم كل المساعدات الممكنة له لصنع مجسمات لمبانٍ مشهورة وبدقة أكثر.
كان ذلك منذ خمسة أعوام، قبل أن يصير فيها مشير فتى يافعاً يُشار له في بالبنان، إذ لم يتصور أقرانه في حي شملان الذي يقطنه غرب العاصمة اليمنية صنعاء، أن تتحول النفايات الورقية على يد مشير لنماذج لمبانٍ معمارية مصغّرة.
مساعدة وتشجيع من والده
صنع مشير أول المجسمات بطريقة احترافية رغم كونه استخدم كراتين من النفايات وأقلام الرصاص والألوان العادية، دون أن يتلقى أي تدريب أو توجيه من أحد.
وفّر بشير لنجله المواد الأولية من الصمغ والألوان والورق المقوى ليصنع أول مجسم متكامل، وكان لمستشفى محلي، وحين نشر صوره على مواقع فيسبوك، انهالت التعليقات المشيدة بالعمل.
وانتشرت قصة مشير بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي بعد أن استضافته مجموعة من القنوات التلفزيونية، وسلطت الضوء على موهبته في مجال بناء وتصميم المجسمات الهندسية، حيث أوضح أن ضعف الإمكانات في اليمن يحول دون قدرته على الارتقاء بموهبته في عالم الهندسة المعمارية.
دراسة المعمار
يدرس مشير حالياً في الصف الأول من المرحلة الثانوية، ويسابق مشير حلمه كل يوم إلى المدرسة، إذ يحرص على إنهاء تعليمه في بلد انخرط عدد كبير من أقرانه في الحرب المستمرة منذ مطلع العام 2015، في الوقت الذي انهارت العملية التعليمية بسبب انقطاع الرواتب للمعلمين منذ نهاية 2016.
ويبدو أن حلم مشير في دراسة المعمار سيكتمل بعدما تحصّل على منحة من أحد رجال الأعمال للدراسة في الخارج، والتي قد تفتح له آفاقاً جديدة في دراسته للهندسة بشقيها المعماري والمدني في إحدى الجامعات المرموقة، حسبما ذكر لـ"عربي بوست".
وبحسب بيان حصل "عربي بوست" عليه، فقد أعلن قطاع المسؤولية المجتمعية في شركة "نوبلز" العقارية بالولايات المتحدة الأمريكية عن تقديم منحة متكاملة للطالب اليمني مشير الحزمي، الموهوب في مجال بناء وتصميم المجسمات الهندسية.
وستغطي المنحة نفقات الدراسة الجامعية لمشير في الولايات المتحدة، مع توفير سكن مناسب له ولعائلته، وغرفة مجهزة بكل ما يحتاجه من الأدوات الهندسية لممارسة هوايته وتطويرها.
ودعا رجل الأعمال عمر عايش، رئيس مجلس إدارة شركة نوبلز العقارية، رجال الأعمال وصناع القرار إلى القيام بمسؤولياتهم تجاه الموهوبين بشكل خاص والتعليم بشكل عام، لا سيما في المناطق التي دمرتها الحروب والنزاعات الإقليمية.
بحسب منظمة اليونيسيف، فإن عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في اليمن يتجاوز 2 مليون طفل و650 ألفاً عام 2016، أي ما يزيد على ربع عدد الأطفال في اليمن، وذلك دون أن نأخذ بعين الاعتبار الإغلاقات التي تسببت بها جائحة كورونا.
وتشير تقارير المنظمة إلى أنه منذ بداية الحرب في اليمن منذ 6 سنوات، تم إغلاق العديد من المدارس نتيجة الدمار الذي لحق بها من جراء الاعتداءات على المدارس والطلاب والمعلمين، الأمر الذي أدى إلى تدهور النظام التعليمي في الدولة بشكل عام وأثر سلبياً على نسب التحاق الأطفال والمراهقين بالمدارس.
وتشير التقارير نفسها إلى أنه في معظم محافظات اليمن بلغت نسبة المدارس التي تعرضت لتدمير كلي أو جزئي 50% من إجمالي المدارس، منها مئات المدارس تدمرت بشكل كلي.
مباني صنعاء التاريخية
من بين المجسمات التي صنعها الشاب اليمني الصغير كانت مبانٍ تاريخية من مدينة صنعاء القديمة، وهو حلم يسعى إليه مشير، فإعادة الاهتمام بالتاريخ والموروث المعماري فكرة تستهويه دائماً.
وقال: "تدمرت بلادنا بسبب الحرب، لذا آمل أن نبدأ باستعادة موروثنا المعماري والحفاظ عليه".
تكريم ومعاناة
تلقى مشير تكريماً من مؤسسات يمنية لقاء المجسمات التي صنعها لمبانيها، لكنها غالباً ما كانت عبارة عن مبالغ مالية قليلة، كان أبرزها حصوله على تذكرة طيران من طيران الخطوط الجوية اليمنية.
وحول صنع المجسم يقول: "تمنيت أن أصنع مبنى زجاجياً، ولأنه لا يوجد أي مبنى بتلك المواصفات اقترح والدي أن أصنع مجسم مبنى طيران اليمنية الذي تدمر إبان أحداث حي الحصبة (وسط صنعاء) منتصف 2011، بحثت عن صور له وبنيته وفق الصور".
لكن التكريم كان منقوصاً، إذ يوضح: "حصلت على تذكرة سفر، لكن ليست لدي وجهة".
وبلهجة حازمة ينهي مشير حديثه، قائلاً إن الظروف الحالية التي تعصف باليمن لا يجب أن تنال من طموح الشباب اليمنيين، "كل شخص يمتلك موهبة عليه أن يكسر الحاجز النفسي ويبتكر عوامل الدعم ولا يركن إلى مجتمعنا الفقير حتى في التشجيع".