الاكتئاب هو أكثر بكثير من مجرد مزاج سيئ، فهو اضطراب يؤثر على أفكار الشخص ومشاعره وتصوراته للعالم وعلاقاته مع الآخرين، وعلى رأس تلك العلاقات المتأثرة بالاكتئاب علاقة الزوجين ببعضهما، إذا ما عانى أحدها من هذا الاضطراب.
ويقدّر الباحثون أن نحو ربع مليار شخص يعانون من أحد أنواع الاكتئاب في مرحلة ما من حياته، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية WHO. أي ما يعادل شخصاً مريضاً بالاكتئاب بين كل 26 شخصاً، وبالتالي فخطر الإصابة ليس بالأمر البعيد، خاصة إذا ما جهل الشخص كيفية التعامل مع أفكاره وتبعات حياته.
ولكن كيف يمكن التأكُّد أن شريكك يعاني من الاكتئاب، وماذا يمكنك أن تفعل للمساعدة؟
في هذا التقرير سنوضح بعض الطرق الصحية لتشجيع شريكك على التحسّن والشعور بشكل أفضل، وكذلك تقبُّل فكرة طلب العلاج والانفتاح على المشاعر والعمل معاً بشكل صحي في التعامل مع الاكتئاب.
كيف أعلم أن شريك حياتي مصاب بالاكتئاب؟
يوضّح موقع Webmd الصحي أن بعض التغييرات المفاجئة في عادات زوجك أو زوجتك اليومية هي إحدى علامات الاكتئاب المبكرة.
بمعنى أن نظامهم الغذائي قد يتغير، أو يعانون من ميل أكبر للحزن والخمول، أو يعزلون أنفسهم ويرفضون ممارسة الأنشطة أو التواصل مع الآخرين.
وقد يصل الأمر إلى أن يتجنب الزوج أو الزوجة التواصل مع شريكه، إذ يقوم بعض الناس بالانخراط في أنشطة أو هوايات فردية، أو حتى سلوكيات غير متزنة، مثل شراء سيارة باهظة الثمن، أو إنفاق الكثير من المال في أدوات غير هامة.
كما قد يبدأ شريكك في البكاء باستمرار، أو أن يبدو غاضباً في مختلف المناسبات، وقد يفتقر إلى الطاقة أو الاهتمام بالأنشطة ويفقد التركيز، ويميل إلى كثرة أو قلة النوم، وكذلك قد يعاني من فطور في رغباته الجنسية ورفض للحميمية، وميل أكبر للتدخين الشره وإدمان الكحول والمخدرات.
لا تأخذ الأمر على محمل شخصي
إذا بدأ زوجك أو زوجتك في الانسحاب من التواصل معك، أو تكررت نوبات غضبه تجاهك، فمن السهل أن تنجرح مشاعرك، وتبدأ في التصرف بعداء تجاه تلك السلوكيات.
ومع ذلك، يقول جاك باربر، عميد كلية علم النفس بجامعة أديلفي الأمريكية: "يمكن أن يخلق هذا حلقة مفرغة تجعل الزوج المصاب بالاكتئاب أكثر اكتئاباً، وأكثر نفوراً وغضباً وانطواءً على نفسه".
وشدد عالم النفس أنه في تلك الحالة عليك أن تدرك أن التعامل مع الاكتئاب أمر صعب للغاية، وأن شريكك لا يفعل شيئاً ضاراً عن عمد، ولكنه يعاني من الاكتئاب.
ولذلك من المهم عند التعامل مع شريك الحياة المصاب بالاكتئاب ألا تكون عدائياً أو اتهامياً، بل ينبغي المتابعة عن كثب وإبداء التعاطف والاهتمام دونما إثقال، وأن تُعلم الطرف الآخر أنك هناك إذا ما احتاج إلى الحديث والتواصل.
ولا بأس من مشاركة مشاعرك أيضاً، وإعلام شريكك بأنك قد تأذيت من تغييرات سلوكية معينة بدرت منه، مع توخي الحذر إذا ما بدأ الطرف الآخر في أن يكون دفاعياً ومتحفّزاً.
شريك حياة الشخص المصاب سيعاني من أعراض أيضاً
لفت موقع PSYCOM للصحة النفسية أن تبعات العيش مع زوجة أو زوج يعاني من الاكتئاب له تبعات نفسية عليك أيضاً، وتشمل:
– الشعور بالغضب من الاضطراب والشخص المضطرب نفسه.
– تصور الشخص المكتئب على أنه جاحد للجميل أو راغب في الاهتمام المفرط.
– الخوف أو القلق من التعبير عن إحباطاتك ومشاعرك السلبية تجاه سلوكه.
– الشعور بعدم تلبية احتياجاتك العاطفية والنفسية.
– الشعور بالإحباط بسبب عدم مشاركة الآخر في الأعمال المنزلية.
– الرغبة الملحّة في تلقين الآخر بعض الدروس عن "الجانب المشرق"، أو وضع خطط لإجباره على أداء بعض المهام والنشاطات التي تعتقد أنها من شأنها تحسين شعور الطرف الآخر.
ويجب الانتباه هنا أن هذا الأمر يعادل قيامك بالصياح في رجل يعاني من كسر في الساق ليقوم ليجري لكي يشعر بالتحسّن. ولن يؤدي سوى إلى نتائج عكسية أو نفور أكثر من شريك حياتك تجاهك.
وعندما تكون مكتئباً لا يتعلق الأمر باتباع روتين جديد للحياة، أو استدعاء قدر معين من قوة الإرادة. وعبارات التشجيع التحفيزية لن تكون مفيدة أبداً، ومن المحتمل أن تقابل بالعداء والتهيج، أو بمزيد من الانطواء والحزن والخمول.
كيف يمكنك تقديم المساعدة إذن؟
قال عالم النفس الإكلينيكي آدم بورلاند في مداخلة لموقع Clevel And Clinic للصحة النفسية، إن أبرز النقاط التي ينبغي العمل عليها من أجل مساعدة شريك الحياة في التحسُّن والتعافي من الاكتئاب وتبعاته، هي ما يلي:
1- ثقّف نفسك عن الاكتئاب وأعراضه وطرق علاجه
يحتاج شريك الحياة المصاب بالاكتئاب إلى الصبر والحب غير المشروط. لذلك التعلم عن الاكتئاب والعلاجات المتاحة يجعل من السهل عليك تقديم الدعم الحقيقي.
2- لا تأخذ الأمر على محمل شخصي وتجنّب الاتهامات
الاكتئاب ليس خطأ أحد، لذلك امنح شريكك إحساساً بالأمان والدعم حتى عندما يتصرف بطريقة غير لطيفة معك. وهذا يتطلب الكثير من الصبر والالتزام، لكنه يستحق الجهد المبذول.
كذلك ينبغي تجنب الكلام الاتهامي تماماً، وفقاً لـPSYCOM.
وهناك فرق بين "أنا أقدّر صحتك العقلية وأريد أن أراك تحقق أهدافك"، مقارنة بـ "أنت لا تفعل أي شيء لنفسك أبداً. أن تؤذي نفسك وتؤذيني. أنت لا تتصرف بشكل صائب". وذلك لأن الشخص المكتئب يعاني بالفعل من الشعور بالذنب وانتقاد الذات وعدم الرضا، ولن يسبب هذا الأسلوب سوى مزيد من الاكتئاب.
3- قدم الرعاية لنفسك أولاً لكي تتمكن من المساعدة
حافظ على صحتك وعافيتك أولاً، هذا ليس فعلاً أنانياً من قِبلك؛ لكن الأمر ببساطة هو أنه يجب التأكد من أن لديك ما يكفي من طاقة لمساعدة شريك حياتك ودعم أسرتك.
لذلك أنت بحاجة إلى تخصيص وقت ذاتي لنفسك دون الشعور بالذنب.
4- العمل على الأمر كفريق
الزواج رياضة جماعية ورحلة مشتركة، وذلك في السراء والضراء.
يقول الدكتور بورلاند: "لتجنُّب التباعد بين الطرفين بسبب معاناة أحدهما من الاكتئاب، من المهم إظهار الدعم غير المشروط وترديد عبارات مثل "أنا معك في هذا. لن تخيفني بسلوكك العدائي لأني أفهم ما تعاني منه، ولن أسمح لك بدفعي بعيداً فأنا أحبك وأقدرك".
5- قم بإشراكه في نشاطاتك وقراراتك المهمة
يُنصح بإشراك الشخص بقدر ما تستطيع في عملية صنع القرارات المنزلية المهمة، لذا بدلاً من أن تقول: "أنت بحاجة إلى الخروج من المنزل والخروج اليوم للعمل" يمكنك أن تقول: "أود الخروج اليوم، هل تفضل الذهاب في نزهة في الحديقة أو الذهاب لمشاهدة فيلم؟".
وإذا رفض فمن المهم عدم إجباره على فعل أي شيء.
بدلاً من ذلك امدح النجاحات الصغيرة التي يقوم بها، وتجنب السخرية والتقليل منه، لأن التشجيع وحده قادر على مدّه بجرعات بسيطة من الطاقة والشعور الإيجابي.
6- شجّع شريكك على طلب المساعدة المهنية
الاكتئاب قابل للعلاج، لذا بدلاً من تجاهل المشكلة أو محاولة إصلاحها بأنفسكم، يجب طلب المساعدة من طبيب رعاية أولية أو طبيب نفسي.
وقد لا يرغب الكثير من الأشخاص المصابين بالاكتئاب أو مشاكل الصحة العقلية في أن يتم "إصلاح شأنهم".
إذ يرغبون فقط في أن يتم الاستماع إليهم، أو أحياناً "تركهم وشأنهم".
لذا قم بالاستماع والتواجد، واعمل على تجربة كافة الطرق الممكنة لتشجيع زوجتك أو زوجك للحصول على المساعدة والتشخيص من أخصائي صحة نفسية أو عقلية.
وقد ثبت أن العلاج النفسي بالإضافة إلى الأدوية له فاعلية في علاج الاكتئاب، أكثر من تناول الأدوية فقط، بحسب Psycom.
7- الصبر أهم خطوة لإنجاح رحلة التعافي
أهم شيء يجب تذكره سواء في حالة الزوج الداعم أو الزوج المصاب بالاكتئاب هو أنه لا يوجد حل سريع. فقد يتناول بعض الأشخاص دواءً واحداً للاكتئاب ويشعرون بالتحسُّن، أو قد يحضرون جلسات للعلاج النفسي والعلاج بالكلام والحكي دون أي نتيجة إلا بعد أشهر من المحاولة.
ولذلك يجب التأكد أنك تمتلك الطاقة الكافية لكي تُواصل الرحلة.