يعاني معظمنا من أزمة استهلاك الأخبار على مدار الساعة، خاصة في الآونة الأخيرة، حيث لا تتوقف التطورات المتعلقة بفيروس كورونا وفاعلية اللقاحات، بالإضافة إلى الأخبار العالمية المتسارعة في ظل تطور وسائل الإعلام المختلفة التي جعلت إمكانية متابعة التطورات لحظة بلحظة ممكنة.
وما بين المحتوى الإخباري عبر الإنترنت أو قنوات الأخبار التلفزيونية التي تبثّ على مدار الساعة، قد يشعر الشخص أنه عالق لا إرادياً في حلقة من متابعة الأحداث كل 5 دقائق، وقد يصيبه الذعر إذا ما توقف عن تلك الوتيرة لكي لا تفوته أي معلومة مهمة.
وهي الأزمة التي يمكن أن يُطلق عليها اسم "المتابعة الهوسية للأخبار".
ما الذي يدفعنا للقيام بذلك؟
عندما تزداد مشاعر عدم اليقين والخوف من المجهول، يمكن أن يتسبب هذا في القلق المزمن. وإحدى أبرز الطرق التي نتعامل بها مع هذا القلق هي البحث عن أكبر قدر ممكن من المعلومات.
وبحسب مجلة ADAA الأمريكية المتخصصة في أمراض القلق والاكتئاب، تتوق أدمغتنا إلى اليقين من أجل الشعور بمزيد من التحكم في حياتنا. على سبيل المثال، يشعر الكثير منا أنه سيكون من الأسهل التعامل إذا عرفنا مثلاً متى ستنتهي جائحة COVID-19.
وعلاوة على الرغبة في البقاء على اطلاع دائم، فقد تساهم أوقات الفراغ غير المُستغلة في جعل هذه المشاعر أكثر إلحاحاً من أي وقتٍ مضى، وذلك للحصول على نشوة معينة نستشعرها عند المتابعة، إذ كلما كان العنوان أكبر وبالخط الأحمر، كانت جرعة الدوبامين عند قراءته أكبر.
وبالرغم من الرغبة في تسكين مشاعر القلق من المجهول بالمتابعة اللحظية للأحداث ونشرات الأخبار والحصول على متعة لحظية معينة من وراء ذلك، فإن هذا الروتين في حقيقة الأمر يزيد الأمور سوءاً.
نتيجة عكسية وارتفاع في معدلات التوتر والقلق
عندما نحاول أن نشعر بمزيد من التحكم في حياتنا من خلال البحث عن معلومات إخبارية توضح لنا كيف سيكون المستقبل، فهذا في الواقع سيجعل قلقنا أسوأ.
قد تكون مشاهدة الأخبار على مدار اليوم أو التحقق بشكل متكرر من العواجل وآخر التحديثات أمراً مريحاً بشكل مؤقت، لأنه يبدو لنا حينها أننا نتخذ خطوات للبقاء على اطلاع، مما يقلل بدوره من مشاعر القلق والتوتر.
لكن لسوء الحظ هذا التأثير قصير الأجل، إذ إن البقاء على اتصال بالأخبار على مدار الساعة سيزيد من قلقنا على المدى الطويل؛ لأنه يساهم في الاعتقاد الخاطئ بأنه إذا كانت لدينا معلومات كافية، فيمكننا السيطرة على تداعيات الأمور.
بمعنى آخر، كلما سعينا إلى اليقين بشأن ما سيحدث في المستقبل من خلال المتابعة الخبرية، ازداد شعورنا بالقلق لأنه ببساطة من غير الممكن التأكد مما لم يحدث بعد.
وبحسب مجلة ADAA، فإن أفضل طريقة للتعامل مع حالة عدم اليقين هذه هي قبول ما هو خارج عن إرادتنا وإعادة تركيز الانتباه على الأشياء التي يمكننا التحكم فيها.
على سبيل المثال، على الرغم من أننا لا نستطيع التحكم في المدة التي ستستمر فيها جائحة COVID-19، يمكننا اتخاذ خطوات لتقليل التعرض لفيروس كورونا من خلال ممارسة التباعد الاجتماعي وغسل أيدينا بشكل متكرر وعدم لمس وجوهنا خارج المنزل.
وبحسب موقع Elemental، يمكننا أيضاً دعم مستوى الرفاه العام لتحسين حالتنا النفسية، وذلك من خلال بذل قصارى جهدنا للحصول على قسط كافٍ من النوم والراحة، وتناول الطعام الصحي بانتظام وشرب المياه، ومحاولة إيجاد الوقت لتحريك أجسامنا وممارسة التمارين الرياضية، بالإضافة إلى الحرص على التواصل مع أحبائنا وعائلتنا والحصول على الدعم منهم.
تبعات المتابعة الهوسية للأخبار
هناك العديد من الأسباب التي تجعل هذا النمط من استهلاك الأخبار ضاراً بالصحة، وتشمل:
1- تطور الهوس بالمتابعة: ويمكن أن يؤدي ذلك إلى استنزاف قدر كبير من وقتك وجهدك، أو يجعلك تشعر بالقلق عندما لا يمكنك الوصول إلى الأخبار الجديدة.
وتميل العديد من مصادر الأخبار إلى التكهن وإثارة قلق متابعيها، لأن بهذه الطريقة تضمن متابعتهم الأولية لكل ما تقوم بنشره.
2- الأخبار اليومية مليئة بالقصص المؤلمة: من السهل الانخراط عاطفياً في أي قصة إخبارية تشاهدها مهما بدت تفاصيلها بعيدة أو غير متصلة بك، مما يؤدي إلى إصابتك بالتوتر والقلق المزمن وتبعات ذلك على صحة الجهاز الهضمي وأمراض المعدة والقلب وخطر الإصابة بمرض السكري.
3- كما تؤدي مشاهدة الصور الأليمة إلى تطور الحالة النفسية السلبية، ما قد يؤدي إلى مشاكل في النوم والكوابيس والضغط العصبي والإحباط العام وخطر إدمان التدخين والكحول والمخدرات.
كيف يمكن المتابعة بشكل صحي؟
صحيح أن البقاء على اطلاع هو إحدى الطرق التي يحاول الكثير منا الحفاظ بهال على درجة من السيطرة والتحكُّم في الأمور. ومع ذلك، من الممكن أن تظل على اطلاع بما يهم دون متابعة الأخبار طوال اليوم، أو حتى كل يوم.
على سبيل المثال، في الشهور الأولى من انتشار وباء COVID-19، بقيت النصيحة الرسمية والموقف الدولي من المرض كما هو، وبالتالي فقد كان من الممكن المرور بهذه الفترة دون قراءة الأخبار على مدار الساعة.
وبحسب ADAA، يمكن اتباع هذه النصائح للبقاء على اطلاع دون زيادة مشاعر القلق:
1- اسأل نفسك ما إذا كانت المعلومات مفيدة أم غير مفيدة؟ وإذا كانت الأخبار التي تستهلكها لا تقدم معلومات جديدة لتثقيفك حول كيفية حماية نفسك أو مساعدة غيرك وتقديم الدعم اللازم، فمن غير المحتمل أن تكون مفيدة للاستهلاك.
2- كن انتقائياً بشأن المصدر الذي تحصل منه على أخبارك والتزم بمصادر المعلومات الموثوقة فقط.
3- حدد قدر استهلاك معيناً للأخبار من خلال الحد من عدد المرات التي تتحقق فيها من التطورات الجديدة. على سبيل المثال، يمكنك وضع تنبيهات على مواقع الويب التي تريد متابعتها، والتحقق منها بإيجاز مرة واحدة يومياً بحثاً عن أي تحديثات جديدة، أو مشاهدة نشرات الأخبار التي توجز تطورات اليوم.
4- إذا كان الأشخاص الذين تتابعهم على وسائل التواصل الاجتماعي يثيرون لديك المخاوف بآرائهم، فيمكنك إخفاء منشوراتهم أو إلغاء متابعتهم.
5- وينصح موقع Guide Posts بإيقاف تشغيل الإشعارات التلقائية على الهاتف. والأفضل من ذلك، حذف أي تطبيقات إخبارية لديك بحيث يكون من الصعب التحقق من الأخبار على مدار الساعة.
6- كذلك نصح بتجنب قنوات الأخبار ذات التحديثات المتواصلة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. كما أوضحنا سابقاً، تميل هذه المصادر إلى الإبلاغ عن كل التفاصيل حول أي حدث بعينه وقد يكون من الصعب فرز المعلومات المهمة وغير المهمة.
7- استخدم وسائل التواصل الاجتماعي بنسبة ملائمة، فبالرغم من أن تلك المنصات تساعدك في البقاء على اتصال مع الناس، إلا أنها قد تجعلك تشعر بالقلق خاصة إذا كانت الحسابات التي تتابعها تعيد نشر قصص إخبارية غير دقيقة أو تعبر بصورة مفرطة عن مخاوفها ومشاعرها السلبية تجاه الأحداث.
ومن المهم أن تتذكر أن الأخبار التي تستهلكها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي قد لا تكون دقيقة 100%، وقد تحتوي على تحليلات شخصية أكثر من الحقائق الدقيقة.
وفي نهاية المطاف، من المهم تذكير نفسك أنه من الطبيعي أن تشعر بالقلق، خاصة في ظل الوباء الأخير وتصاعد الأحداث في المنطقة العربية بشكل خاص وعالمياً بشكل عام. ومع ذلك، ينبغي بذل قصارى الجهد للتنفيس عن المشاعر السلبية والحصول على قسط كافٍ من الراحة واتباع روتين يومي صحي.