لم يعد صنع الكيك أمراً يتطلب الكثير من المهارة أو الوقت، كل ما تحتاجه هو علبة من خليط كيك فوري واتباع التعليمات المدونة عليها. ولكن هل تساءلت يوماً لمَ تحتوي العلبة على جميع المكونات عدا البيض رغم إمكانية إضافته كمسحوق بودرة؟ قد تتفاجأ عندما نخبرك أنه لو احتوت علبة الكيك الفوري على البيض لما كنت اشتريتها.
في الحقيقة، لذلك تفسير نفسي عميق سماه علماء النفس "تأثير إيكيا" التسويقي وقصة حصلت في تسعينات القرن الماضي وتحولت إلى أسطورة ربطت الجهد بالحب.
تاريخ الكيك الفوري
عندما ظهر خليط الكيك الفوري لأول مرة في السوبر ماركت في الخمسينيات من القرن الماضي، ارتابت ربات البيوت الأمريكيات في مكوناته. لقد شعرت النساء بأن خلطات الكيك سهلة للغاية ولا تتطلب أي عناء منهن.
وفي عام 1950 تحديداً، أرادت شركة المواد الغذائية الأمريكية General Mills أفكاراً حول كيفية بيع المزيد من علامتها التجارية Betty Crocker الخاصة بمزيج الكيك الفوري، وفقاً لما جاء في موقع BBC. لذلك كلفت عالم النفس إرنست ديشتر بإيجاد حل يرفع المبيعات.
قام ديشتر بدراسة الوصفة وتعديلها ونصح الشركة باستبدال مسحوق البيض في خليط الكيك بإضافة البيض الطازج.
استنتج ديشتر أن مزيج الكيك الفوري يجعل الخبز أمراً سهلاً للغاية ويقلل من قيمة عمل ومهارة صانعه، أما إضافته فتتطلب بعض الجهد الذي يجعل ربات البيوت سعيدات بعملهن ويشعرهن أنهن قد "خبزن الكعكة" بالفعل.
براءة اختراع
في عام 1935 تم منح شركة P. Duff and Sons براءة اختراع لواحد من مزيج الكيك التي تصنعه باستخدام البيض الطازج.
وجاء في نص براءة الاختراع: "يبدو أن ربة المنزل والمشترين بشكل عام يفضلون البيض الطازج، ومن ثم فإن استخدام البيض المجفف أو المسحوق ليس صحيحاً من الناحية النفسية".
ومع ذلك، فإن قصة ديشتر التي خلقت نظرة نفسية عميقة لسلوك المستهلك هي التي تحولت إلى أسطورة. فبعد ما يقرب من سبعة عقود، أصبحت فكرة جعل الأشياء أكثر صعوبة لجعل المستهلكين يتمنونها أكثر تكتيكاً تسويقياً راسخاً نعرفه اليوم باسم "تأثير إيكيا".
لماذا سمي "تأثير إيكيا"؟
تمت تسمية الظاهرة السابقة "تأثير إيكيا" تحت عنوان "بذل الجهد وحده كاف لإثارة إعجاب الفرد بثمار تعبه"- في ورقة بحثية عام 2011 في مجلة علم نفس المستهلك بواسطة مايكل نورتون ودانييل موشون ودان آريلي. لقد اختاروا الاسم لأن المنتجات من الشركة المصنعة السويدية تتطلب عادةً بعض التجميع والجهد الشخصي لتركيبها.
بدأت الورقة البحثية أيضاً بقصة خليط الكيك وأنه ربما كانت هناك أسباب أخرى لزيادة المبيعات لكن المؤلفين أصروا على الأثر الكبير والرئيسي لفكرة إشراك المستهلك في التحضير.
لتأكيد هذه الظاهرة وحدودها تجريبياً، أجرى المشاركون في الدراسة تجارب تضمنت تجميع صناديق إيكيا وطي الأوريغامي والبناء باستخدام الليغو. أظهرت النتائج أن المشاركين قيموا العناصر التي قاموا بتجميعها بأنفسهم أكثر من العناصر التي قام شخص آخر بتجميعها.
أظهرت التجارب أيضاً أن التأثير له حدود. عندما أمضى المشاركون وقتاً طويلاً في بناء أو تفكيك إبداعاتهم، أو فشلوا في إكمال المهمة، فإن رغبتهم في الدفع مقابل العنصر تراجعت.
المنتج الأسهل ليس الأكثر جاذبية
إن جعل العملاء يقومون بمعظم العمل، والشعور بالرضا حيال ذلك، وفي نفس الوقت يدركون أنهم حققوا "قيمة أكبر مقابل المال" هو بمثابة الكأس المقدسة لجهات التسويق.
حتى لو كانت قصة خليط كعكة ديشتر أسطورة أكثر من كونها تاريخاً، فإن العلامات التجارية للأطعمة والبقالة تستخدم تأثير إيكيا لجذب عملاء جدد "يبحثون عن القيمة".
على سبيل المثال، بدأت بعض الشركات والمطاعم حديثاً بطرح مجموعة الوجبات "الجاهزة للتحضير"- وهي عبارة عن مكونات خام معبأة مسبقاً تعدها وتطبخها بنفسك. تسعى هذه الوجبات إلى تحقيق التوازن بين الرغبة في الراحة والمخاوف بشأن الأكل الصحي ومتعة الطهي.
بينما يركز العديد من تجار التجزئة جهودهم على عمليات التسليم السريعة والحلول الجاهزة والمريحة، يشير "تأثير إيكيا" إلى أن سر النجاح قد يكون جعل الأمور أكثر صعوبة.
التأثير ينطبق على العمل
وفقاً للأبحاث، يقول الناس عادةً إن وظائفهم أقل متعة من الأنشطة الأخرى التي يشاركون فيها، مثل قضاء الوقت مع الأصدقاء أو الخروج لتناول وجبة. لكنهم يميلون أيضاً إلى تصنيف عملهم كواحد من أكثر الأنشطة مكافأة. أكدت مجموعة واسعة من الأبحاث حول هذا الموقف المتناقض ظاهرياً أنه بينما نبذل المزيد من الجهد في نشاط معين أو جزء من العمل، فإننا نقدره أيضاً بدرجة أكبر. حتى الفئران، الحيوانات المفضلة لدينا بالنسبة للطبيعة البشرية، تفضل مصادر الطعام التي يتعين عليها العمل بجد للحصول عليها.