قد لا تجد في إندونيسيا متاحف تضم لوحات أصلية لليوناردو دافنشي أو بابلو بيكاسو، لكن إذا كنت من محبي الفنون فلا يزال بإمكانك رؤية الكثير من الرسومات المبهرة في هذه الدولة الآسيوية الجميلة، إذ يمكنك زيارة جزيرة سولاوسي، التي تؤوي 300 من كهوفها لوحات فنية رسمها القدماء منذ عشرات آلاف السنين، وتضم كذلك أقدم لوحة في العالم رسمها الإنسان لكائن حي.
لكن الخبر الذي يدعو للخيبة في هذا الخصوص، هو أن هذه اللوحة وغيرها الكثير من الأعمال الفنية تتعرض لخطر التلف والزوال، والسبب: التغير المناخي.
تعالوا نروِ لكم قصتها:
التغير المناخي يُفسد لوحة عمرها 45500 عام
يبدو أن التغير المناخي قادر على إفساد ما عجزت عشرات الآلاف من السنين عن إفساده، نتحدث هنا عن الفن الصخري في إندونيسيا، الذي بدأ بالتحلل بمعدلات خطيرة بسبب ارتفاع درجات الحرارة المتزايد وفقاً لـBBC.
وقد تأثرت العديد من الرسومات الأثرية الموجودة في كهوف جزيرة سولاوسي، والتي تصور حيوانات ومشاهد الصيد وكائنات خرافية. كما أن التغير المناخي قد بدأ بإتلاف أقدم هذه الرسوم على الإطلاق: لوحة لخنزير بري يبلغ عمرها 45500 عام، لتكون بذلك أقدم رسم لأحد الحيوانات تم اكتشافه في العالم حتى الآن.
الأمر الذي أقلق الباحثين الذين ينادون لبذل جهود مضاعفة للحفاظ على هذا الفن الأثري.
لكن كيف أتلف التغير المناخي هذه القطع الفنية؟
وفقاً لدراسة أجراها باحثون أستراليون وإندونيسيون، ونُشرت في مجلة Scientific Report، فإن ارتفاع درجات الحرارة وتوالي الأيام الجافة ومواسم الرياح العاتية زادت من تراكم الأملاح في الكهوف التي تحتضن هذه الرسوم المنحوتة على الصخور.
وأوضح الباحثون أن الأملاح تتأثر بالحرارة، وفي الأيام الحارة يمكن أن تزيد الأملاح الجيولوجية ثلاث مرات أكثر من حجمها الأوّلي.
وتُسهم بلّورات الملح التي تنمو فوق الرسوم الصخرية وخلفها، في تحلل تلك الرسوم، أو تقشر أجزاء منها.
والكارثة أن هذا التلف الذي يشهده الفن الصخري في كهوف إندونيسيا قد يزداد سوءاً، في ظل ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم، وذلك وفقاً للدكتورة جوليان هانتلي، الباحثة في مركز جريفيز للأبحاث الاجتماعية والثقافية.
وأضافت الدكتورة هانتلي: "أُصبت بدهشة بالغة عندما شاهدت انتشار بلورات الملح المدمرة وتأثيرها الكيميائي على الرسوم الفنية الموجودة على الصخور، ونعلم أن بعضها يزيد عمره عن 40 ألف سنة".
وتابعت: "نحتاج بشكل عاجل إلى إنجاز أبحاث متعلقة بحفظ الرسوم الموجودة لضمان أفضل الطرق المتاحة للإبقاء على رسوم الكهوف في إندونيسيا".
قصة اللوحة التي يبلغ عمرها 45 ألف عام
تصور هذه اللوحة خنزيراً برياً سميناً ويظهر إلى جانبه طبعاتٌ لكفوفٍ بشرية، وقد تم اكتشافها من قبل عالم الآثار المحلي بسران برهان، الذي قاد فريقاً صغيراً للبحث في الكهوف في جنوب جزيرة سولاوسي عن آثار للنشاط البشري القديم.
وقد قادت الأبحاث هذا الفريق لاستكشاف رسمة الخنزير تلك في كهف لينغ تيدونغنج، والتي قدر العلماء أن عمرها 45500 عاماً على الأقل، لتقدم بذلك أقدم دليل على وجود استيطان بشري في تلك المنطقة وفقاً لما ورد في موقع National Geographic.
لكن كيف حدّد العلماء عمر هذا العمل الفني؟
لتحديد عمر هذه اللوحة اعتمد فريق دولي من الباحثين على اليورانيوم المشع، والذي يتكون بشكل طبيعي في الحجر الجيري.
عندما تتسرب المياه عبر الكهف فإنها تعمل على إذابة أجزاء من الحجر الجيري واليورانيوم الموجود فيه، وترسبها في صفائح رقيقة على طول جدران الكهف.
ونظراً لأن اليورانيوم يتحلل إلى الثوريوم بمعدل معروف، فيمكن للعلماء تقدير الحد الأدنى لعمر الرسوم الموجودة في الكهوف من خلال تحليل الكميات النسبية لهذين العنصرين.
وفي حين أن اللوحة المكتشفة حديثاً هي أقدم قطعة فنية في العالم تم العثور عليها حتى الآن تصور كائناً حياً، لكنها ليست أقدم رسمة على الإطلاق، فقد عُثر على رسم عشوائي في جنوب إفريقيا يُقدر عمره بقرابة 73 ألف عام، ليكون أقدم قطعة فنية عرفها العالم حتى الآن.